قمة شرم الشيخ: هل يكون صندوق أضرار الكوارث شيكاً بلا رصيد؟

  • 2022-11-21
  • 08:47

قمة شرم الشيخ: هل يكون صندوق أضرار الكوارث شيكاً بلا رصيد؟

الأزمات أثبتت أن العالم في حاجة إلى الطاقة بكل اشكالها

  • رشيد حسن


فشلت قمة المناخ التي اختتمت يوم أمس في مدينة شرم الشيخ المصرية في حسم الموضوع الأساسي الذي اجتمعت لأجله، وهو تجديد التزام الدول الموقعة على معاهدة باريس بوقف الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، لكنها وجدت طريقاً لتعويض هذا الفشل في إعلان اتفاق مبدئي حول تأسيس صندوق مخصص لتعويض الدول الفقيرة المهددة بكوارث عن "الاضرار والخسائر" التي يمكن أن تعزى للتغير المناخي.

وبقي التوصل لاتفاق حول "الصندوق" مستبعداً حتى اللحظة الأخيرة، بسبب مقاومة الدول الصناعية الغنية التي كانت تخشى أن يتحول الصندوق إلى أساس قانوني لمقاضاتها بشأن أضرار الكوارث المناخية عن الفترة الطويلة التي كانت هذه فيها تساهم بالقسط الأكبر من انبعاثات غازات الكربون، إلا أن هذه الدول وافقت أخيراً وبعد مباحثات مضنية على القبول بمبدأ الصندوق، لكن في مقابل تبني البيان الختامي للقمة مواقف أكثر اعتدالاً في ما يتعلق بالانبعاثات الكربونية والتزام العمل لعدم ارتفاع حرارة الجو الأرضي أكثر من 1.5 درجة مئوية بحلول العام 2030 وما يتطلبه ذلك من إجراءات شاملة لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون والغازات الأخرى مثل الميثان، وبالفعل تمّ تخفيف لجهة البيان الختامي بما يتفق مع تلك الرغبة، بل أن الرأي الغالب بين المجتمعين كان أن قمة شرم الشيخ تراجعت ضمنياً عن عدد من الأهداف التي أعلن عنها في البيان الختامي لقمة غلاسكو في العام الماضي خصوصاً لجهة التوقف التدريجي عن استخدام الفحم والنفط.

لكن التوافق المبدئي على إنشاء صندوق الأضرار والخسائر هو بمثابة "شيك بلا رصيد" ولا يمثل بالتالي إلا تعويضاً معنوياً أو إعلامياً عن فشل القمة في التوافق على المواضيع الأساسية التي انعقدت لأجلها مثل تأكيد التزامات الدول الأعضاء، خفض الانبعاثات أو وقف استخدام الوقود الأحفوري (خصوصاً الفحم والنفط والغاز) بصورة تدريجية.

ظروف معاكسة

هذه النتائج الضعيفة تبدو الآن غير مفاجئة بالنظر للظروف التي رافقت انعقاد قمة المناخ لهذا العام، وأبرزها الحرب الروسية الأوكرانية وما تسببت به من تراجع كبير في معروض النفط والغاز وأزمة طاقة شديدة خصوصاً في القارة الأوروبية. وقد بدا طبيعياً للعديد من المندوبين ولاسيما مندوبي الدول الصناعية أن بعض أهم الأهداف المتعلقة بالمناخ لم تعدّ واقعية في ظروف أزمة الطاقة والتهديد الذي تمثله للاقتصاد خصوصاً الأوروبي. فكيف يمكن لناشطي المناخ إدراج مطلب مثل التوقف النهائي عن استخدام الفحم أو النفط والغاز في وقت يتسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار الطاقة الكهربائية بشبح موسم شتاء قارس للمواطنين وخطر داهم على الصناعات الأوروبية الكثيفة الاستخدام للطاقة مثل البتروكيماويات والصلب والالومنيوم بل بهجرة متزايدة للصناعات الأوروبية إلى أسواق غنية بالطاقة مثل الولايات المتحدة الأميركية؟ وعلى سبيل المثال، فقد تمّ في أوروبا إغلاق أكثر من نصف مصانع الأمونيا واستبدال إنتاجها عن طريق الاستيراد من أسواق أخرى. وفي غياب أي احتمال بمعالجة الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن أزمة الطاقة قد لا تشهد حلاً قريباً. 

تعويض معنوي

نتوقف الآن عند مبادرة إنشاء "صندوق الأضرار والخسائر" التي اعتبرت الإنجاز اليتيم للقمة لنشير أنها تكاد تكون شكلية في هذه المرحلة وأن المشروع يحتاج إلى سنوات عديدة قبل أن يبصر النور. ومن أهم القضايا التي يتطلب حلها من أجل تسهيل عمل الصندوق مسألة كيف سيتم تمويله، وهل ستلتزم الدول الغنية بدعمه مالياً، وكيف سيدار وكيف سيتم تقدير أضرار الكوارث المناخية، ومن يقرر إذا كانت الكارثة ناجمة عن تقلبات الطقس الأرضي أو نتيجة للتغير المناخي؟ وكيف سيتقرر حجم التعويض ومن هي الجهات التي ستؤمن التمويلات الكبيرة التي سيحتاجها الصندوق منذ اليوم الأول لانطلاقته؟ وعلى سبيل المثال، فقد أصدرت 55 دولة فقيرة ونامية بياناً خلال قمة المناخ قدرت فيه أن قيمة الأضرار والخسائر التي لحقت بها بسبب التغير المناخي تقدر بنحو 525 تريليون دولار أو ما يعادل 20 في المئة من ناتجها المحلي، كما قدرت أن هذا المبلغ سيرتفع إلى 580 تريليون دولار بحلول العام 2030.

والحال أن أحد أهم الملفات العالقة أمام قمة المناخ في كل سنة هو التلكؤ المستمر للدول الغنية في تنفيذ التزامها المتكرر بتوفير 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية بهدف مساعدتها على احتواء آثار الاحتباس الحراري الأرضي والتحول إلى البدائل غير الملوثة وخصوصاً الطاقة المتجددة. 

والمشكلة الأخرى المتوقعة بشأن مبادرة "صندوق الأضرار والخسائر" هي الجهة التي ستديره والتي ستكون على الأرجح على نمط البيروقراطية المكلفة وغير المنتجة لمنظمات الأمم المتحدة، وهذه المنظمات غالباً ما تستهلك وقتاً طويلاً وتكلفة عالية من أجل معالجة آثار الكوارث الطبيعية، وهو ما يجعل العديد من الدول تفضل التعامل المبادر والسريع مباشرة ومن خلال صناديقها أو هيئاتها المتخصصة مع الكوارث الطبيعية.