مصارف لبنان: إقفال فروع بالجملة وتسريح آلاف الموظفين

  • 2022-02-21
  • 11:49

مصارف لبنان: إقفال فروع بالجملة وتسريح آلاف الموظفين

يعمل القطاع المصرفي اللبناني على إعادة تنظيم ذاته عبر تسريح آلاف الموظفين وإقفال عشرات الفروع، وذلك في خطوة تسبق التوافق على خطة إنقاذ مع "صندوق النقد الدولي".

وشكل هذا القطاع ركيزة للاقتصاد اللبناني طيلة عقود، حيث تمكّن من جذب الودائع ورؤوس الأموال من المستثمرين العرب أو المغتربين اللبنانيين الذين رأوا في مصارف بلدهم ملاذاً آمنا لجنى عمرهم. ووفق تقديرات رسمية، بلغت قيمة الودائع الإجمالية في ذروتها أكثر من 150 مليار دولار في العام قبل عام من بدء الأزمة العام 2019، وفق تقديرات رسمية.

3 أضعاف الناتج الإجمالي المحلي

وبحسب تقرير نشرته "فرانس برس"، فإن حجم القطاع المصرفي بلغ في وقت الذروة،  3 أضعاف الناتج الإجمالي المحلي، وكان معدل نموه يعادل 3 أضعاف معدل نمو الاقتصاد، ووسّعت مصارف كبرى نطاق عملها الى خارج لبنان وصولاً الى أوروبا وافريقيا.

وقدمت فروع 63 مصرفاً في لبنان فوائد عالية لجذب المودعين. وفضّل كثر في السنوات القليلة التي سبقت الأزمة إيداع أموالهم وتعويضاتهم في المصارف بدل استثمارها طمعاً بهذه الفوائد، كما قدمت تسهيلات إزاء مروحة واسعة من القروض، بدءاً من السكن مروراً بشراء السيارات والسفر وصولاً الى عمليات التجميل.

المشهد تغيّر بعد الانهيار الاقتصادي

لكنّ المشهد تغيّر كلياً على وقع الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه "البنك الدولي" بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وفرض المصارف لقيود مشددة على عمليات السحب بالدولار ومنع التحويلات الى الخارج، مما جعل ذلك المودعين عاجزين عن التصرّف بأموالهم خصوصاً بالدولار، بينما فقدت الودائع بالليرة قيمتها مع انهيار قيمة العملة المحلية في السوق السوداء.

سجالات متكررة

وشهدت قاعات الانتظار في المصارف خلال العامين الماضيين سجالات متكررة بين مواطنين غاضبين راغبين بالحصول على ودائعهم وموظفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم. وانعدمت الثقة تدريجياً بالقطاع المصرفي الذي تراجع نشاطه ليقتصر على عمليات بسيطة خصوصاً السحب بالليرة. ويحمّل كثر المصرف المركزي مسؤولية السياسات النقدية التي تمّ اعتمادها طيلة عقود باعتبار أنّها راكمت الديون، لكن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يقول إن الدولة هي التي صرفت الأموال.

"جمعية المصارف": لبنان أشبه ببلد متروك وسط تقاعس السلطات

وفي هذا السياق، أشارت "جمعية مصارف لبنان" إلى أن المصارف اللبنانية لجأت إلى تقليص حجمها مجبرة للتكيّف مع الأوضاع الاقتصادية المستجدة.

وذكرت الجمعية رداً على أسئلة لوكالة الصحافة الفرنسية "AFP" أن عدد الفروع المصرفية انخفض من 1081 فرعاً في نهاية العام 2018 إلى 919 فرعاً في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بنسبة بلغت 15 في المئة، مشيرةً إلى أن عدد الموظفين تقلّص من 25 ألفاً و908 موظفين إلى نحو 20 ألفاً وبنسبة بلغت 23 في المئة خلال الفترة ذاتها.

ولفتت النظر إلى أن محفظة التسليفات للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم انخفضت من 59 مليار دولار نهاية العام 2018 إلى 29.2 مليار دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ورأت أن التطورات المالية خلال السنتين الماضيتين في ظل استمرار التلكؤ في إيجاد حلول فرضت واقعاً جديداً على الاقتصاد ومؤسساته ومواطنيه.

واعتبرت أن لبنان أشبه ببلد متروك وسط تقاعس السلطات التي لم تقدم على أي تحرّك فعلي خلال عامين من الأزمة، سوى التخلف العام 2020 عن سداد ديونها الخارجية للمرة الأولى، لافتة النظر إلى أن أي إعادة هيكلة للقطاع خارج إطار خطة إنقاذية حكومية شاملة لن تؤدي الى النتائج المرجوة.

رياشي: البنوك اللبنانية لم تعد تمارس أنشطتها المصرفية تقريباً

 أما الخبير المصرفي جان رياشي فقال في تصريح لـ"AFP" إن البنوك اللبنانية لم تعد تمارس أنشطتها المصرفية تقريباً، لذا فهي مضطرة إلى تقليص عملياتها.

وأوضح رياشي أن معظم عائدات المصارف ارتبطت بفوائد جنتها من الدولة والبنك المركزي مقابل الديون التي منحتها للدولة اللبنانية.

مارديني: المصارف اللبنانية باتت مصارف "زومبي"

من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي باتريك مارديني أنّ المصارف باتت عبارة عن مصارف "زومبي"، وهي تسمية غالباً ما تطلق على المصارف التي يتدخل البنك المركزي من أجل إبقائها على قيد الحياة.

واعتبر مارديني أن الحكومة الحالية تبدو مهتمة بتنظيف ميزانيات المصارف أكثر من إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

وتشكل إعادة الهيكلة أحد البنود الإصلاحية الرئيسية في بلد حلّ العام 2019 في المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لناحية عدد الفروع المصرفية لكل مئة ألف شخص، وفق البنك الدولي.

69 مليار دولار

وقدّرت الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي حجم الخسائر المالية بـ69 مليار دولار، ولم يعلن رسمياً بعد عن كيفية توزيع الخسائر بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وسط خشية المودعين من الاقتطاع من ودائعهم.

وأعلن صندوق النقد الدولي في 11 شباط/فبراير الحالي عن خارطة طريق عرضها على لبنان، أن حجم الخسائر غير المسبوق في القطاع المالي يجب أن يعالج بطريقة شفافة مع حماية صغار المودعين.

وكانت إعادة الهيكلة أحد بنود خطة إنقاذية أقرّتها الحكومة السابقة، فيما يبدو المشهد ضبابياً اليوم إزاء آلية تطبيقها.

وكان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قال لـ"فرانس برس" في وقت سابق إن المصارف تعمل حالياً على إعادة تنظيم نفسها وفق قدراتها، على أن يستمر بموجب عملية إعادة الهيكلة "المصرف القادر على التسليف".

رجل أعمال لبناني: أريد استعادة مدّخراتي بأي ثمن

بدوره، قال رجل أعمال لبناني يدعى هشام متحفظاً عن ذكر اسمه الكامل لـ"AFP" إنه يريد استعادة مدّخراته بأي ثمن، مشيراً إلى أن وضع القطاع المصرفي غير مفهوم وعلى كل الأطراف المعنية أن تتحمل مسؤولياتها في هذه المحنة.