كورونا يحوّل ووهان لمدينة أشباح.. وشركات طيران عالمية تعلق رحلاتها إلى الصين

  • 2020-01-30
  • 10:00

كورونا يحوّل ووهان لمدينة أشباح.. وشركات طيران عالمية تعلق رحلاتها إلى الصين

6 آلاف مصاب و150 ضحية وبكين تواجه المرض بإجراءات بالغة القسوة

  • سليمان عوده

يكفي أن تتفحص سماء مدينة ووهان على موقع إلكتروني لتتبع حركة الطائرات، مثل فلايت رادار مثلاً، لتدرك إلى أي حد بلغت الأمور سوءاً في عاصمة إقليم توبي في الصين. فالسماء خالية من أي طائرة، في مشهد يتناقض مع ما هو مألوف أو طبيعي بالنسبة إلى مدينة رئيسية تعد الأكبر بين مدن وسط البر الصيني، ويقطنها زهاء ١١ مليون نسمة، وتعتبر عقدة مواصلات رئيسية في البلاد. 

على الأرض لا يختلف المشهد. تشير  تقارير صحافية إلى أن ووهان، معقل فيروس كورونا الجديد، قد تحولت إلى مدينة أشباح. وتؤكد تقارير تلفزيونية مصورة وفيديوهات منتشرة على يوتيوب أن الحركة مشلولة في المقاطعة. ومن يجرؤ من السكان على الخروج من المنزل، استجابة لضرورة قصوى، يواجه بخطر العدوى المتنقلة مثل قاتل تسلسلي. وفيما يشكو أهل ووهان من أنهم تركوا لمواجهة قدرهم داخل سجن عملاق، نقلت صحف بريطانية أن بعض المصابين لا يتردد في نقل العدوى عمداً إلى الأصحاء، في مشهد يقدم صورة حالكة السواد عن الطبيعة البشرية، مثلما يجعل من الخروج من المنزل مغامرة غير محسوبة النتائج. 

بصمات لا تمحى 

عدد المصابين المعلن قفز بنهاية يوم الأربعاء عن ستة آلاف، فيما فاق عدد الضحايا ١٥٠ شخصاً. وتواجه بكين المرض بإجراءات بالغة القسوة، تعبر عن إدراكها العميق لحقيقة أن انتشار الفيروس سوف يترك بصمات لا تمحى على اقتصادها، بل قد يشطب نقاطاً إضافية من معدلات نموها المتراجعة أصلاً. 

لقد باتت ووهان وكامل إقليمها تحت الحظر الشامل، وليس ذلك بالخبر السار لقطاع الأعمال. فمدينة ووهان تعد مركزاً رئيسياً للتصنيع والشحن والأعمال. وإذا كانت سلسلة التوريد، وتقع مصانع الصين في القلب منها، لم تشهد حتى اللحظة مشاكل جدية، بالنظر إلى أن الأيام الأولى لانتشار الفيروس تزامنت مع عطلة عيد رأس السنة الصينية الجديدة، إلا أن الوضع بدأ يتغير الآن، بفعل اضطرار الكثير من أصحاب العمل إلى إبقاء أبواب مصانعهم ومنشآتهم مغلقة لفترة أطول من المعتاد. وبالنظر إلى مركزية موقع الصين في الاقتصاد العالمي، فإن الآثار الاقتصادية القاتلة للفيروس بدأت تظهر بوضوح الآن، لتؤثر، في جملة ما ستؤثر، على كبرى الشركات خارج حدود الصين. 

شركة “أبل” مثلاً أبلغت “بلومبرغ” على لسان رئيسها التنفيذي تيم كوك أن فتح بعض المصانع التابعة لموردي الشركة في الصين قد تأجل من الاثنين القادم إلى العاشر من شباط/فبراير. بدورها، أعلنت شركة “تويوتا”، عملاق صناعة السيارات، أنها ستبقي مصانعها مقفلة في البر الصيني حتى التاسع من شباط/فبراير. والقرار نفسه أعلنته كل من "فورد موتورز" و"جنرال موتورز". أكثر من ذلك، منعت "فورد" كل العاملين لديها من السفر إلى الصين، وطلبت من كل من زار ووهان من موظفيها أن يبقي نفسه قيد الحجر الصحي مدة ١٤ يوماً كاملة قبل العودة إلى العمل. بدورها، طلبت "فولكسفاغن" من موظفيها في بيجينغ، ويبلغ عددهم ٣٥٠٠ عامل، أن يعملوا من المنزل فور انتهاء عطلة رأس السنة الصينية الجديدة يوم الاثنين المقبل، في تدبير سوف يستمر في مرحلة أولى حتى ١٧ شباط/فبراير. 

 

خارج الخدمة

تحت وطأة انتشار الفيروس، اضطر معظم الشركات الكبرى التي تدير فروعاً في الصين، لا سيما العالمية منها، إلى إقفال أبوابه، تفادياً للأسوأ. شركة "ماكدونالدز" أقفلت حتى الآن مئات الفروع في مقاطعة هوبي، في حين تتخذ فروعها الباقية العاملة في البلاد، وعددها ثلاثة آلاف فرع، أشد أنواع الاحتياطات الصحية. ويفرض ذلك تحدياً بالنسبة إلى شركة تستقطب الصين تسعة بالمئة من إجمالي محفظتها الاستثمارية. بدورها، أقفلت شركة "ستاربكس" حتى الآن أكثر من ألفي متجر في البر الصيني، وهذا العدد يعادل نصف فروعها في البلد الآسيوي المعتل. 

ومن ستوكهولم، أعلنت شركة “أيكيا” السويدية أمس الأربعاء عن إغلاق ١٥ متجراً في الصين، وذلك في إطار جهود مكافحة تفشي كورونا. وقالت الشركة لوكالة "فرانس برس" إنها "ستغلق نصف متاجرها الثلاثين في البر الصيني، موقتاً وحتى إشعار آخر، ابتداء من 29 كانون الثاني/يناير". وكانت “أيكيا” أغلقت الأسبوع الماضي متجرها الوحيد في ووهان. وطلبت الشركة أمس من موظفيها، وعددهم في الصين 14 ألفاً، البقاء في بيوتهم، مع الاحتفاظ بحقهم في الحصول على أجورهم كاملة. 

 

وقف صادرات القطن

وأوقفت شركة “كوتاك كوموديتي سيرفسيز” وتعد أكبر شركات تصدير القطن في الهند، بيع أي شحنات قطن جديدة إلى الصين بسبب المخاوف من اضطرار بيجينغ، أكبر مشتر للقطن في العالم، إلى إغلاق موانئ أو بنوك بسبب تفشي كورونا. وأبلغ فيناي كوتاك، مدير الشركة الهندية المتمركزة في مومباي، وكالة “بلومبرغ” إن شركته تتطلع إلى وجهات جديدة للتصدير مثل بنغلاديش وإندونيسيا وتايوان وفيتنام، بهدف مواجهة أي تراجع محتمل في مبيعاتها للصين. وأضاف كوتاك أن شركات القطن الهندية شحنت بالفعل حوالى ٧٠٠ ألف بالة يزن كل منها ١٧٠ كيلوغراماً من القطن إلى مشترين صينيين منذ بداية السنة، وأن ثلاثة أرباع هذه الكميات لم يبلغ وجهته النهائية بعد، وقد يعلق مصيره إلى أجل غير مسمى. ومن المتوقع أن تشحن الشركات الهندية ٣٠٠ ألف بالة أخرى إلى الصين حتى نهاية شباط/فبراير، لكن قد لا يحدث برأي كوتاك إذا واصل الفيروس انتشاره. 

 

تعليق الطيران

وتتسارع وتيرة تعليق الرحلات الجوية إلى الصين من قبل كبريات الشركات الآسيوية والأوروبية، على خلفية انتشار كورونا. فقد أعلنت أمس الأربعاء الخطوط الجوية البريطانية عن قرارها بتعليق رحلاتها "بشكل فوري" إلى الصين. ويأتي القرار استجابة لنصيحة من وزارة الخارجية، حثت البريطانيين على عدم السفر إلى الصين إلا “عند الضرورة". ولا يظهر موقع الشركة على الإنترنت أي رحلات مباشرة إلى الصين حتى مطلع آذار/مارس. وأبلغت الشركة صحيفة “ديلي مايل” أن الرحلات الجوية إلى هونغ كونغ ستظل قائمة في مواعيدها "في انتظار مزيد من التوجيه من المسؤولين الحكوميين". لكن الشركة قالت إنها ستعيد “جميع الموظفين المقيمين في الصين إلى بلادهم". وقررت شركة “لوفتهانزا” الألمانية للطيران تعليق رحلاتها الجوية ورحلات فرعيها السويسري والنمساوي من الصين واليها. 

وقالت “كيه إل إم”، الذراع الهولندي لشركة الطيران الأوروبية “إير فرانس-كيه إل إم”، إنها ستلغي بعض الرحلات إلى الصين “بسبب تفشي كورونا”. وأضافت في بيان أنه بدءاً من يوم الجمعة، سيجري تعليق الرحلات المباشرة إلى مدينتي تشنغدو وهانغتشو، في حين أن عدد الرحلات إلى شنغهاي سيجري خفضه من 11 إلى سبع رحلات أسبوعياً فقط. وعلقت شركات آسيوية مثل "ليون آير" الإندونيسية و"سيول آير" الكورية الجنوبية رحلاتها، في حين خفضت شركات أخرى عدد رحلاتها، مثل "فين آير" ومقرها في هونغ كونغ، و"جيت ستار" السنغافورية. كذلك، علقت "آسيانا آيرلاين" الكورية الجنوبية رحلاتها إلى ثلاث مدن صينية بدءاً من شباط/فبراير. وأبلغت "ليون آير" وكالة "أسوشيتيد برس" أنها ألغت نحو 50 رحلة كانت متجهة إلى الصين حتى الشهر القادم. كذلك، أعلنت الخطوط الجوية الفنلندية "فين آير" تخفيض عدد رحلاتها إلى عدد من المدن الصينية، فيما حافظت على عدد رحلاتها الأصلي إلى أربع مدن رئيسية بينها بيجينغ.

وكشفت “الاتحاد للطيران” أنها ستخصص بوابات محددة في مطار أبوظبي الدولي لجميع المسافرين على الرحلات المقبلة من الصين، مع مواقف خاصة لجميع طائرات الشحن المقبلة من الصين، حيث سيخضع طاقم الطائرة لإجراءات الفحص بالتصوير الحراري التي يخضع لها المسافرون. 

 

… والإنترنت!

وأعلنت شركة غوغل أمس الأربعاء أنها ستغلق جميع مكاتبها في الصين مؤقتاً، بسبب تفشي كورونا. وقالت وكالة رويترز التي نقلت الخبر إن الإغلاق يشمل جميع المكاتب في جمهورية الصين الشعبية وهونغ كونغ وتايوان. في السياق نفسه، أصبحت "فيسبوك" الشركة الأميركية العملاقة الأولى التي تطلب من موظفيها تجنب السفر إلى الصين، تزامناً مع تفشي كورونا، وفق ما نقل موقع "بي بي سي" الثلاثاء.

 

السياحة أبرز المتضررين

وتتصاعد المخاوف في قطاع السياحة العالمي، خصوصاً في قارة آسيا، جراء تداعيات انتشار كورونا في الصين، وتالياً في شرق آسيا. وبدأ النشاط التجاري في وجهات آسيوية تعتمد على الأعداد الكبيرة من السياح الصينيين يستشعر ضرراً كبيراً، لكن خبراء في قطاع السياحة أشاروا إلى أن أوروبا لن تتأثر بشكل فوري بتداعيات انتشار الفيروس على السفر، لأنها ليست حالياً في ذروة موسم السياحة الوافدة من الصين. وتأتي التدابير الحالية وسط طفرة في سفر الصينيين إلى الخارج، إذ تزايدت أعدادهم نحو عشر مرات منذ عام 2003، بحسب تقرير لمركز “كابيتال إيكونوميكس للأبحاث”.

وتضررت  السياحة داخل الصين على نحو بالغ، حيث ألغى ملايين الصينيين رحلاتهم خلال العام الجديد. ومنذ يوم الاثنين، بات محظوراً على وكالات السياحة السفر في الصين بيع بطاقات الرحلات السياحية المنظمة وحجز الفنادق. وقد شكل ذلك ضربة موجعة لقطاع السياحة المحلية، وكذلك للعديد من الوجهات المفضلة للسياح الصينيين الذين حرموا من زيارتها في آسيا، مثل تايلاند وفيتنام واليابان والفلبين، وأيضاً فرنسا وبريطانيا.

تأهب صحي وبارقة أمل

وتتابع منظمة الصحة العالمية الوضع بقلق بالغ. وأعلنت المنظمة مساء أمس الأربعاء أن لجنة الطوارئ التابعة لها ستجتمع اليوم الخميس، للمرة الثالثة في أسبوع، لتقييم إن كان فيروس كورونا الجديد الذي ينتشر من الصين بات يمثل حالة طوارئ عالمية. وقالت المنظمة في بيان صدر في جنيف: ”ستقدم اللجنة المشورة للمدير العام بشأن هل بات التفشي يمثل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق العالمي وما هي التوصيات التي ينبغي تقديمها للتعامل مع ذلك“. بدورها، أفادت وكالة البحرين للأنباء أن لجنة الصحة بمجلس التعاون الخليجي اجتمعت يوم أمس الأربعاء في العاصمة السعودية الرياض لبحث تفشي الفيروس وتوحيد الجهود لمنع انتشاره. وكانت الإمارات أعلنت صباح أمس عن أول إصابة بالمرض على أراضيها. وكشفت وزارة الصحة ووقاية المجتمع أن أسرة صينية مقيمة في الدولة ثبت إصابتها بفيروس " كورونا " وأنها دخلت الإمارات بتاريخ 16 من كانون الثاني/يناير الجاري، فيما بدأت تظهر أعراض الإصابة عليها في تاريخ 23 من الشهر نفسه، الأمر الذي دفعهم للذهاب إلى أقرب مركز صحي للفحص، ومن ثم اكتشاف الإصابة، وفق الوكيل المساعد لقطاع المراكز والعيادات الصحية الدكتور حسين الرند. وأكد الرند أن الوزارة تستخدم أحدث تقنيات الفحص الحراري، في كافة منافذ الدولة، لاكتشاف الحالات المصابة، كما أنها عممت على كافة المراكز والهيئات الصحية في الدولة برفع درجة الاستعداد في كافة مراكزها ومستشفياتها. 

وفي بادرة تعطي أملاً للمصابين، قالت القنصلية الروسية في مدينة قوانغتشو يوم أمس الأربعاء إن روسيا والصين بدأتا تعملان معاً على تطوير لقاح مضاد لفيروس كورونا، وإن بيجينغ سلمت روسيا الشفرة الوراثية الخاصة بالفيروس. وذكرت القنصلية في بيان على موقعها الإلكتروني نقلته رويترز أن ”خبراء روس وصينيون بدأوا تطوير لقاح“. يذكر أن روسيا من الدول القليلة التي تملك حدوداً مشتركة مع الصين والتي لم تسجل فيها أي إصابات مؤكدة بالفيروس الجديد حتى الساعة. 

ونجح علماء في أستراليا في تخليق فيروس كورونا جديد معملياً، في حدث وصفوه بأنه "اختراق مهم". وسوف يشارك العلماء اكتشافهم هذا مع منظمة الصحة العالمية، على أمل أن يساعد في جهود تشخيص الإصابة بالفيروس، والعلاج منه.