مستشفيات لبنان: رفع الدعم سيضاعف الفاتورة الصحية حتى 8 مرات!

  • 2020-12-02
  • 09:04

مستشفيات لبنان: رفع الدعم سيضاعف الفاتورة الصحية حتى 8 مرات!

مدير المركز الطبي في الجامعة الأميركية جوزيف عتيق في حوار مع "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال": القطاع الصحي قادر على الصمود.. ولكن

  • أدهم جابر

 

تشغل عملية دعم مصرف لبنان لبعض القطاعات بال السياسيين والمواطنين على حد سواء. فإذا ربط الدعم بـ "السلة الغذائية" برز جشع التجار الذين استغلوه لمراكمة ثرواتهم، لكن إذا ربط بـ القطاع الصحي في لبنان، وإن كان ثمة من يستفيد منه من التجّار، فإن ذلك يعني مضاعفة الفاتورة الصحية حتى 8 مرات، وبالتالي إضافة معاناة جديدة إلى مآسي اللبنانيين الذين كان بعضهم يموت على أبواب المستشفيات لعدم قدرته على دفع كلفة الطبابة والاستشفاء.

في ظل "الجدال حول الدعم" المستعر بين مختلف الأطراف، ثمة واقع مزر نسجت تفاصيله أزمة اقتصادية ومالية تضيق الخناق على رقاب اللبنانيين يوماً بعد آخر، وقد فاقم تعاظمها جائحة لا ترحم أدت إلى ارتفاع إصابات كوفيد-19 إلى درجة جعلت الإجابة على السؤال: هل لا يزال القطاع الصحي في لبنان قادراً على المواجهة أم بدأ بالانهيار؟، أمراً ملحاً.

 

قد يهمك:
إبرة التحقيق الجنائي في كومة ربع تريليون دولار!

 

القطاعان العام والخاص في مواجهة كورونا

في لبنان قطاعان يعملان على مواجهة جائحة كورونا. عام وخاص. وإذا كان الأول يتغذى من "أموال الدولة وخزينتها"، وبالتالي حاله قد يشبه حال الدولة المهترئة والمترهلة بما يعتريها من فساد واهتراء، فإن الثاني الذي يعتمد على أموال الدولة ومؤسساتها والصناديق وشركات التأمين والأفراد، تحوّل إلى أساس في تأمين العلاج للمرضى لأنه أكثر تنظيماً ومواكبة للتطورات الطبية، ولأن خدمته مدفوعة.

وإذا كان القطاع العام ممثلاً بمستشفى رفيق الحريري الحكومي في معركة كورونا، فإن مستشفى الجامعة الأميركية، إلى جانب "أوتيل ديو"، يتصدران مجموعة القطاع الخاص فيها، تحديداً في ظل عجز المستشفيات الخاصة الأخرى وعدم قدرتها على المشاركة بفعالية في معركة كورونا لأسباب متعددة، فكيف هي حال "مستشفى الجامعة الأميركية" في بيروت؟  

 

مدير المركز الطبي في الجامعة الأميركية جوزيف عتيق:

محاربة كورونا تحتاج إلى تحرك جماعي من خلال خطة وطنية شاملة

 

 

يؤكد مدير المركز الطبي (المستشفى) في الجامعة الأميركية في بيروت جوزيف عتيق أن القطاع الصحي في لبنان لا يزال قادراً على المواجهة، لأن قدرته الاستيعابية لم تصل إلى حدها الأقصى بعد، إذ لا يزال لدينا الكثير من أسرّة العناية الفائقة التي لم تجهز حتى اليوم ولم تدخل معركة مواجهة كورونا، وذلك على الرغم من أن انفجار مرفأ بيروت (4 آب/أغسطس الماضي) كان قد أفقد مستشفيات بيروت نحو 50 في المئة من اسرّتها. لكن في المقابل، فإن هذه القدرة ليست دائمة، فاستمرار ارتفاع أعداد المصابين بـ كورونا قد يؤدي بالقطاع للوصول إلى مرحلة لا يعود قادراً معها على استقبال المصابين. فما العمل؟ يرد عتيق بأن محاربة كورونا تحتاج إلى تحرك جماعي من خلال خطة وطنية شاملة باعتبار أن جائحة كورونا شاملة وتضرب كل لبنان، وبما أن حصة القطاع الخاص 80 في المئة من القدرة والقطاع العام 20 في المئة، فإن أي خطة استراتيجية يجب أن تشمل القطاعين، ولأن القطاع العام يتغذى من خزينة الدولة ويعتمد الخاص على شركات التأمين والصناديق وأموال الأفراد، فإن الخطة يجب أن تتضمن كل اللاعبين، المستشفيات الخاصة والعامة والصناديق كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وحتى شركات التأمين، وإذ يلفت عتيق الانتباه إلى أن القطاع الخاص لا يزال يملك القدرة على المواجهة حالياً، يحذر من أن غياب الخطة الوطنية الشاملة سيزيد الضغط على بعض المستشفيات الخاصة الأمر الذي يدفع بها إلى عدم القدرة على تلبية خدماتها المطلوبة في مواجهة كورونا. ويستطرد عتيق أن الخطة يجب أن تلحظ كذلك تشجيع باقي المستشفيات الخاصة لتخصيص عدد من الاسرة لاستقبال مرضى كورونا، مطالباً في هذا السياق الجهات الممولة والمانحة أن تضع الإمكانات لتنفيذ الخطة التي كان أعلن عنها وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن والتي تصب في هذا الإطار. لكن ماذا عن أوضاع المركز الطبي حالياً؟ يؤكد عتيق أنه ليس كل المصابين بـ كورونا لديهم عوارض، وبالتالي ليسوا جميعهم بحاجة للدخول إلى المستشفى.

 

العلاقة مع شركات التأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

 

لا يقدم القطاع الطبي الخاص خدماته مجاناً، لذا، فإن الفاتورة الصحية مهمة لاستمراره وبقائه، وهي تأتي من مصادر مختلفة، ربما أسهلها تلك التي يؤمنها الأفراد على نفقاتهم الشخصية، لكن عندما يتعلق الأمر بالدولة ومؤسساتها فإن الأمور تزداد تعقيداً، وعندما نقول الدولة فذلك يعني الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووزارة الصحة وغيرها من المؤسسات. بالنسبة إلى الصندوق، يوضح عتيق أن لا مشكلة في التعامل مع مرضى وزارة الصحة ولا مع الضمان بل في التعرفة التي لا تتماشى مع نفقات علاج كورونا، وهذا ما قد يرتب نفقات يمكن أن يتحملها المريض نفسه على الخدمات غير المشمولة بالعقد كفارق ضمان. ويقول عتيق: نحن نؤمن خدماتنا بحسب العقد مع الصندوق، وفي العقود المعمول بها هناك أمور يغطيها الضمان وأخرى مستحدثة لا يقوم بتغطيتها. لكن ما لم يقله عتيق هو أن بعض المستشفيات الخاصة يقوم بتحميل المريض نفقات خصوصاً تلك المتعلقة بالمستلزمات الطبية فيما يتغاضى الضمان عن ذلك.

وإذا كانت هذه الحال مع الضمان ووزارة الصحة، ماذا عن شركات التأمين؟ يقول عتيق إن هناك شركات تأمين تؤمن التغطية وأخرى لا تؤمنها، لذا كان هناك الكثير من جولات المفاوضات بين الشركات ووزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمه لإيجاد الحلول المناسبة، ولا نعلم إلى ماذا توصلت تلك المفاوضات غير ان ما نلمسه هو أن التنفيذ ليس واضحاً، ونحن نتمنى أن يتم تنفيذ الاتفاقات حتى نتمكن من الاستجابة لمواجهة كورونا بشكل فعّال.

 

أرقام من المركز الطبي في الجامعة الأميركية حول التعامل مع حالات كوفيد-19

 

هل أثرت هذه الأوضاع على الفاتورة الصحية؟

على الرغم من النفقات الكبيرة التي يتطلبها علاج كورونا، فإن المركز الطبي في الجامعة الأميركية لم يغير فاتورته التعاقدية (المتعلقة بوزارة الصحة والضمان وشركات التأمين)، وإن كان قد عدّل في فاتورته الصحية لتتماشى مع ارتفاع أسعار المستلزمات الطبية ويقول عتيق: لا تزال تعرفتنا كما هي، وفاتورتنا بالليرة اللبنانية.  لكن ماذا عن المرضى الذين لم أو لا يتم استقبالهم لأسباب مالية؟ يجيب عتيق بأنه قد تكون هناك حالات يجري الحديث عنها في هذا الإطار، لكن ما نؤكده هو أننا لم نقل لأي مريض "دبر راسك". كذلك استقبلنا مرضى الضمان برغم انخفاض تعرفته. ويضيف: "نحن ملتزمون مع الضمان والجيش ووزارة الصحة وشركات التأمين، علماً أننا نتحمل خسائر كبيرة، ولا بد من الاجتماع بمختلف الجهات الضامنة للوصول إلى حلول تفيد الطرفين. خسائر في ظل دعم مصرف لبنان؟ يرد عتيق بأن ما بين 30 إلى 40 في المئة من مصروف المستشفيات يعتمد على الدعم، إذ يقوم مصرف لبنان بتغطية 85 في المئة من الادوية والمستلزمات الطبية على سعر دولار 1515 فيما نقوم بتأمين الباقي من السوق السوداء، وهذا ما جعل دولار الفاتورة الصحية بـ 3900 ليرة، لكن لولا هذا الدعم لتضاعفت الفاتورة من 6 إلى 8 مرات وربما أكثر، وبالتالي فإن رفع الدعم يشكل مخاطرة كبيرة قد توقع أضراراً جسيمة بالقطاع ويهدد استمرار المستشفيات الخاصة للقيام بواجباتها. لذا فإن الدعم أساسي خصوصاً أننا نتحمل أعباء كبيرة ناتجة عن كلفات غير مشمولة بالدعم كالصيانة وبعض قطع الغيار للماكينات التي بدأنا نواجه مشكلات في صيانتها. فهل هناك حلول؟ يقول عتيق إن كوفيد-19 يفرض طريقة تعامل بطريقة مختلفة، إذ إنه لا يمكن أن يترك لكل مستشفى طريقة تعامله الخاصة مع هذه الجائحة، بل يجب التعامل معها باعتبار لبنان مستشفى واحداً وإدارته من خلال غرفة عمليات مشتركة، وتأمين الطاقات اللازمة للمواجهة، لكن هذه الطاقات لها ثمن وهي تفوق أي تعرفات موجودة في لبنان حالياً، ومن هنا، فإنه على مؤسسات الدولة كالضمان ومؤسسات الجيش ووزارة الصحة أن تفي بالتزاماتها، كذلك على الدولة أن تضخ الأموال في القطاع الخاص أسوة بالقطاع العام، خصوصاً أن هناك أموالاً تحصل عليها من المؤسسات الدولية المانحة.

 

يمكنك القراءة:

لبنان: جمهورية البنادول تنافس جمهوريات الموز

 

وبناء على ما سبق.. هل انهار القطاع الصحي في لبنان؟

لا شك أن القطاع الصحي تعرض لضربات موجعة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية وجائحة كورونا، غير إنه يمكن القول إن القطاع خصوصاً الخاص منه، يقف اليوم على الحافة، وذلك بدليل حالات مرضية عدة تمّ رفضها ومنها في المركز الطبي للجامعة الأميركية لأسباب تتعلق بعدم توفر القدرة الشرائية لتوفير قطع الغيار لبعض الأجهزة (مناظير، ماكينات تصوير أشعة.. وغيرها) باعتبار أن هذه القطع غير مشمولة بدعم مصرف لبنان وعملية توفيرها تتم من السوق السوداء وبالتالي فإن أسعارها تكون بالدولار غير المدعوم. وحدث أن إحدى الحالات التي لم يتم إدخالها إلى "مستشفى الجامعة" لسبب متعلق بعطل في أحد الماكينات، فاضطرت إلى التعامل مع مستشفى آخر، وهنا قصة أخرى.

ويعلق عتيق: "بالنسبة إلينا كقطاع استشفائي تمكننا من الصمود، فبرغم كل ما يجري لم يحدث أن عجز مريض من الدخول إلى مستشفى الجامعة لأسباب مادية، قد تكون هناك أسباب متعلقة بالقدرة الاستيعابية نعجز عن إدخاله إلى المستشفى، لكننا لم نرفض جهة ضامنة، وحافظنا على مهمتنا بحماية الأمن الصحي"، موضحاً أنه هناك مشكلة بالفعل على صعيد تأمين بعض قطع الغيار اللامدعومة.

ويعيد ما سبق الحديث عن الدعم، فبالنسبة إلى القطاع الصحي تحديداً، فإن وقف مصرف لبنان دعم هذا القطاع يعني مضاعفة ليس الفاتورة الصحية فقط بل معاناة اللبنانيين، لذلك فإن الحل قد لا يكون برفع الدعم كلياً وإنما ترشيده وتنظيمه ليطال الطبقات التي تستحقه وحتى يحقق الهدف منه، لا دعم التجار والمتكسبين منه. وهنا فإن المسؤولية للنهوض بالقطاع الصحي في لبنان ومساعدته على الصمود قد تكون موزعة بين جهات مختلفة تتحمل فيها الدولة الجزء الأكبر من خلال إعادة تعاملها مع القطاع الصحي، وذلك ما يلخصه عتيق بأنه لا يمكن للقطاع الصحي في لبنان تحمل أعباء السياسات المالية والنقدية والعجز الكبير الحاصل بمالية الدولية، فيما يعبّر معنيون بالقطاع بأسلوب آخر مختصرين الأزمة بالقول "إن القطاعين الصحيين الخاص والعام في لبنان لا يمكنهما تحمل مسؤوليات السياسات الصحية للحكومات اللبنانية المتعاقبة والمليئة بالثغرات والمزاريب"!