من التشديد إلى التيسير: خلفية قرار خفض الفائدة الاخير في مصر

  • 2025-10-03
  • 11:39

من التشديد إلى التيسير: خلفية قرار خفض الفائدة الاخير في مصر

  • أولا- الاقتصاد والأعمال

في خطوة جديدة تحمل دلالات مهمة على مسار السياسة النقدية في مصر، أعلن البنك المركزي المصري عن خفض أسعار الفائدة للمرة الرابعة خلال العام 2025، في قرار يمكن اعتباره تحولاً محسوباً من مرحلة التشديد إلى مرحلة التيسير النقدي. هذا القرار جاء في أعقاب فترة اتسمت بارتفاع التضخم وضغوط على العملة، حيث اضطرت السلطات إلى تحرير سعر الجنيه ورفع أسعار الفائدة بشكل حاد وفق شروط برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي. ومع بداية 2025 بدأت مؤشرات الاقتصاد في التحسن تدريجياً، فتراجع التضخم من ذروته إلى نحو 12 في المئة في آب/أغسطس الماضي، وتحسن سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وارتفعت الاحتياطيات من النقد الأجنبي إلى ما يزيد على 49 مليار دولار، وهو ما منح صناع السياسة النقدية مساحة اوسع للتحرك باتجاه دعم النشاط الاقتصادي بعد فترة من القيود الصارمة.

يأتي القرار الأخير بعد سلسلة من الخفض التدريجي الذي بدأ في نيسان/ أبريل الماضي بخفض 225 نقطة أساس ثم في أيار/ مايو بـ 100 نقطة وأعقبه خفض آخر بـ 200 نقطة في آب/ أغسطس، ليصل إجمالي الخفض في عام واحد إلى أكثر من 500 نقطة أساس. البنك المركزي أشار في بيانه إلى أن تراجع الضغوط التضخمية وتحسن التوقعات الاقتصادية وفرا المبررات لهذا التوجه الجديد. في الواقع، شهدت السنة المالية 2024 – 2025 نمواً في الناتج المحلي الحقيقي بلغ 4.5 في المئة، متجاوزاً توقعات الحكومة، مدفوعاً بانتعاش التصنيع وزيادة الصادرات والسياحة، بينما يتوقع صندوق النقد الدولي استمرار هذا التحسن ليصل النمو إلى أربعة في المئة على الأقل خلال 2025 مع احتمالات انتعاش إضافي في 2026.

الانعكاسات المتوقعة على الاقتصاد

هذا الخفض للفائدة يرسل إشارة واضحة للأسواق بأن مصر بدأت تدخل مرحلة أكثر استقراراً بعد سنوات من الضغوط المالية والنقدية، إذ يسعى البنك المركزي إلى خفض تكلفة الاقتراض ودعم الاستثمارات وتحفيز الطلب المحلي بما يعزز قدرة القطاع الخاص على التوسع وتوليد الوظائف. كما إن ارتفاع الاحتياطات الأجنبية يمنح البنك المركزي القدرة على التدخل عند الحاجة لضبط سوق الصرف وحماية الجنيه، وهو ما يعزز الثقة في العملة المحلية ويطمئن المستثمرين إلى استقرار بيئة الأعمال. ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال كبيرة، فخدمة الدين العام تستهلك نسبة كبيرة من الموازنة وتقلص قدرة الحكومة على تنفيذ برامج تحفيزية واسعة، كما يبقى الاقتصاد عرضة لصدمات خارجية مثل تقلب أسعار الطاقة أو التوترات الجيوسياسية التي قد تعيد التضخم إلى الارتفاع وتضغط على العملة. 

لحظة مفصلية

ورغم أن السياسة النقدية الميسرة قد تمنح دفعة للاقتصاد في المدى القصير، إلا أنها لن تكفي وحدها ما لم تترافق مع إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاجية والصادرات وتوفر فرصاً متكافئة للتمويل بين الشركات الكبيرة والصغيرة، حيث يتحول النمو إلى نمو أكثر استدامة وأقل هشاشة أمام الأزمات. وفي هذا السياق، تبدو مصر مقبلة على مرحلة مفصلية، فإما أن يتحول خفض الفائدة إلى نقطة انطلاق نحو دورة نمو جديدة تدعمها إصلاحات مالية وهيكلية متماسكة، وإما أن يصبح تجربة مؤقتة قد تتعرض للاهتزاز أمام أي صدمة خارجية. المؤشرات الحالية تمنح قدراً من التفاؤل بأن البلاد تقترب من الخروج من عنق الزجاجة، لكن الطريق إلى اقتصاد أكثر قوة وتوازناً يحتاج إلى استمرار الإصلاح والانضباط في السياسات المالية والنقدية معاً.