إشارات طرح محتمل لأسهم "الإمارات العالمية للألمنيوم"... والسوق في حالة ترقُب

  • 2025-09-23
  • 13:35

إشارات طرح محتمل لأسهم "الإمارات العالمية للألمنيوم"... والسوق في حالة ترقُب

  • كتب فيصل أبوزكي

تتهيأ أسواق المال في الإمارات لحدث مفصلي مع تداول أنباء عن نية "الإمارات العالمية للألمنيوم" المضي قدماً في طرح أسهمها للاكتتاب العام، في خطوة إذا تحققت ستكون من بين الأضخم في القطاع الصناعي غير النفطي في الإمارات والمنطقة. الشركة المملوكة مناصفة ما بين "مبادلة للاستثمار" و "مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية" تمثل اليوم إحدى ركائز استراتيجية التنويع الاقتصادي في الإمارات، فهي أكبر كيان صناعي خارج قطاع الطاقة وتشكّل نموذجاً متكاملاً لإنتاج الألمنيوم.

من التكامل المحلي إلى الحضور العالمي

تعتمد قوة الشركة على استراتيجيتها الهادفة الى تحقيق التكامل الرأسي الممتد من استخراج البوكسيت وتكرير الألومينا وصولاً إلى إنتاج الألمنيوم وسبائك متطورة تدخل في صناعات السيارات والبناء والطاقة المتجددة، وهي تسعى لبناء شبكة تواجد عالمية لتحقيق هذا التكامل، لكن هذه القوة لا تلغي وجود تحديات، فقد أعلنت الحكومة الغينية أخيراً عن تعليق امتيازات التعدين التي كانت منحتها سابقاً للشركة  للتنقيب عن البوكسايت، والتي بدأت بالمقابل مفاوضات مع الحكومة الغانية للحصول على تراخيص جديدة أو الدخول في شراكات استثمارية تعزز أمن امدادات البوكسايت. في الوقت ذاته، وسّعت الشركة حضورها العالمي عبر تملك حصة 80 في المئة من شركة "سبكترو الوي" لاعادة تدوير الالمنيوم في الولايات المتحدة وأعلنت في شهر أيار/ مايو الماضي عن خطتها لبناء مصنع أولي لإنتاج الألمنيوم في ولاية اوكلاهوما الاميركية بطاقة إنتاجية قدرها 600 الف طن سنوياً، وبكلفة تقديرية بحدود 4 مليارات دولار لتأمين موطئ قدم في السوق الأميركية والتخفيف من أثر التعريفات الجمركية، كما أنهت الشركة في أيار/ مايو 2024 عملية تملك شركة Leichtmetal الألمانية المتخصصة التي تتيح لها الوصول إلى أسواق أوروبا بمنتجات عالية القيمة تستهدف قطاعات السيارات والصناعات الهندسية والبناء.

رحلة الطرح: خيار قديم يعود إلى الواجهة

فكرة الإدراج بحد ذاتها ليست جديدة، إذ سبق وان أعلن الرئيس التنفيذي للشركة في العام 2018 أن الاكتتاب العام يظل خياراً استراتيجياً للشركة حين تسمح الظروف، ثم عاد الرئيس التنفيذي لـ "مبادلة" في 2023 ليؤكد أن الطرح مطروح على الطاولة وقريب. من هنا فإن القرار الحالي يعكس مساراً طويلاً من النقاشات والاستعدادات، وليس مبادرة آنية.

أرقام مالية تضع الشركة في موقع تنافسي قوي

من الناحية المالية، سجلت الشركة في 2024 إيرادات بلغت نحو 30 مليار درهم إماراتي، ما يعادل 8.2 مليارات دولار، فيما بلغ الربح التشغيلي قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء نحو 9.2 مليارات درهم، أي ما يقارب 2.5 مليار دولار، مع دين إجمالي وصل إلى 14.7 مليار درهم، أي ما يوازي أربعة مليارات دولار في منتصف 2025. هذه الأرقام تجعلها في موقع قوي لخوض غمار الطرح. وإذا قُدّر للشركة أن تُسعّر بين عشرة وخمسة عشر مليار دولار، فإن مضاعف القيمة إلى الأرباح التشغيلية سيقع في حدود أربع إلى ست مرات، وهو نطاق متوافق مع معايير القطاع العالمي.

بين الكبار: كيف تقارن الشركة بمنافسيها العالميين؟

عند مقارنتها بنظرائها العالميين والاقليميين نجد أن "نورسك هيدرو" النرويجية حققت في 2024 أرباحاً تشغيلية تقارب 2.5 مليار دولار مستفيدة من اعتمادها على طاقة كهرومائية منخفضة الكربون، فيما سجلت "ألكوا" الأميركية 1.6 مليار دولار و"روسال" الروسية 1.49 مليار دولار مع إنتاج بلغ نحو أربعة ملايين طن، أما "تشالكو" الصينية فقد تخطت الجميع بأرباح تشغيلية تعادل 4.7 مليارات دولار. خليجياً، تقف "معادن" السعودية بإيرادات 8.6 مليارات دولار وأرباح تشغيلية 3.3 مليارات دولار كأحدى أبرز شركات التعدين المتنوعة التي لا يقتصر نشاطها على الألمنيوم فقط، بينما سجلت "ألبا" البحرينية إيرادات قدرها  4.36 مليارات دولار وأرباحاً صافية بحدود 490.8 مليون دولار . في ضوء هذه الأرقام تظهر "الإمارات العالمية للألمنيوم" في موقع متوسط، أكبر من "ألبا" وأكثر تخصصاً من "معادن"، لكنها ما زالت دون عمالقة الصين.

صناعة الألمنيوم تحت ضغوط الأسعار والطاقة والبيئة

غير إن الصناعة ككل تواجه ضغوطاً، فأسعار الألمنيوم تخضع لدورات اقتصادية مرتبطة بالبناء والسيارات الكهربائية ومشروعات الطاقة المتجددة، بينما تظل التكاليف مرهونة بأسعار الطاقة والمواد الخام مثل الألومينا والأنودات. كما تُضيف التعريفات الجمركية الأميركية المفروضة منذ 2018 طبقة من التحدي، إذ تعيد تشكيل تدفقات التجارة العالمية وتفرض على المنتجين البحث عن طرق للالتفاف عليها أو امتصاص أثرها على الهوامش. إضافة إلى ذلك، يزداد الضغط البيئي لخفض الانبعاثات، وهو ما يتطلب استثمارات إضافية في التكنولوجيا ومصادر الطاقة النظيفة لإنتاج ألمنيوم منخفض الكربون قادر على المنافسة في أسواق أوروبا وأميركا.

طرح منتظر… اختبار مزدوج للشركة ولأسواق الإمارات

في المُحصلة، فإن نجاح الطرح المحتمل للشركة لا يعتمد على أرقامها المالية فقط، بل على الظروف المحيطة في السوق وقت الإدراج وعلى مدى واقعية التسعير، فإذا جرى الطرح في لحظة مؤاتية من حيث أسعار الألمنيوم والسيولة المحلية والعالمية، وبمستوى تقييم يعكس التوازن بين الجاذبية والمخاطر، فإن السهم سيكون مرشحاً لتحقيق أداء لافت وقد يضيف عمقاً كبيراً إلى أسواق الإمارات ويعزز صورتها كمركز مالي وتجاري عالمي، أما إذا صادف الطرح تقلبات حادة في السوق أو أُسّس على تسعير مبالغ فيه، فقد يواجه المستثمرون الطرح بحذر أكبر.

هكذا، يبدو إدراج "الإمارات العالمية للألمنيوم" في حال حدوثه اختباراً مزدوجاً، فهو من جهة امتحان لقدرة الشركة على إقناع المستثمرين بأن نموذجها المتكامل ورهاناتها على الاستدامة تمنحها قيمة طويلة الأجل، ومن جهة ثانية امتحان لعمق أسواق المال الإماراتية وقدرتها على استيعاب طروحات بهذا الحجم.

إن نجاح هذا الإدراج سيكون بمثابة نقطة تحول جديدة في مسيرة تنويع الاقتصاد الإماراتي، ورسالة واضحة بأن المنطقة ماضية في ترسيخ موقعها كلاعب صناعي ومالي وتجاري مؤثر على الساحة العالمية.