صندوق النقد: الدخل الفائت يصل الى 14 في المئة من الناتج

  • 2022-07-07
  • 14:30

صندوق النقد: الدخل الفائت يصل الى 14 في المئة من الناتج

دول الشرق الأوسط تحتاج تعبئة موارد جديدة عبر الضرائب

  • "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"

يؤكد صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره الخاصة بالمنطقة، حاجة الشرق الأوسط إلى ضرائب أكثر عدالة للمساعدة على تحقيق النمو والحدّ من عدم المساواة.

ويشير التقرير الصادر يوم 6 تموز/يوليو الحالي، ويحمل تواقيع د. جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، والخبيرتين بريسيلا ماتورا، وجنيفياف فيردييه، إلى أن النظم الضريبية في المنطقة تطورت كثيراً على مر القرون، إنما هي تنطوي على فروق شاسعة بين البلدان، بما في ذلك بين البلدان المصدرة والبلدان المستوردة للنفط والغاز.

لكن، وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق أخيراً، بما في ذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضريبة دخل الشركات في بعض البلدان المصدرة للنفط، يظل بذل الجهود لوضع نظم ضريبية حديثة تتسم بالكفاءة والعدالة إحدى الأولويات.

وفي الخلفية التاريخية، يورد "إن لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تاريخاً طويلاً من استخدام الضرائب لتنمية اقتصاداتها وتعزيز الإدماج الاجتماعي، ويمكن إرجاع أول ضريبة على الدخل إلى مصر القديمة منذ 5 آلاف عام ماضية. فقد استخدمها الفراعنة في بناء مخازن الحبوب وإطعام الفقراء أثناء فترات العَوَز. أما الزكاة، وهي التزام مالي شبيه بالضريبة التصاعدية بدأ تطبيقه في القرن الثاني عشر، فلا يزال تحصيلها مستمراً لتمويل الإنفاق الاجتماعي في المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى".

وينوّه التقرير، بأن نسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الناتج المحلي لا تزال منخفضة نسبياً برغم التقدم المتحقق في توسيع الأوعية الضريبية في كثير من البلدان. وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومات ضغوطاً مباشرة لزيادة الإنفاق من أجل حماية الفقراء من أمور عدة منها التصاعد الحاد في تضخم أسعار الغذاء والوقود، وتحسين الرعاية الصحية والتعليم، وبناء الصلابة في مواجهة الصدمات المستقبلية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

وتنظر دراسة أعدّها خبراء الصندوق أخيراً في التحديات التي تفرضها عملية تعبئة المزيد من الإيرادات الضريبية والفرص التي تتيحها في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فتقدم تقديرات جديدة لحجم الإيرادات الإضافية التي يمكن تحصيلها لتحسين آفاق النمو والإدماج الاجتماعي. فالفرق بين حصيلة الضرائب الفعلية والممكنة يساوي في المتوسط نحو 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي (ما عدا النفط والغاز). وبعبارة أخرى، فإن المجال متاح أمام الحكومات لتعبئة المزيد من الإيرادات بجعل نسب الضرائب أقرب إلى المستويات التي يمكنها بلوغها بالنظر إلى هياكلها الاقتصادية.

ونجد في البلدان المنخفضة الدخل في المنطقة بعض أكبر فجوات الإيرادات – وتُعزى غالباً إلى آثار الهشاشة والصراعات. ويمكن إرجاع ضعف تحصيل الضرائب إلى مجموعة من العوامل. فاستخدام الضرائب المباشرة وخاصة على الدخل الشخصي ودخل الشركات محدود. أيضاً ضرائب العقارات غير متطورة نسبياً.

كذلك، هناك مجموعة متنوعة من الجبايات غير المباشرة على السلع الاستهلاكية والتي تسهم بمعظم الإيرادات الضريبية (ما عدا الإيرادات من النفط والغاز) ولكن الإعفاءات منها شائعة وواسعة. ومن أسباب تراجع قدرة الحكومات على تحصيل الضرائب ضعف الامتثال الضريبي وانتشار العمل في القطاع غير الرسمي.

ويمكن فرض ضرائب أكثر تصاعدية. وتتباين ضرائب الدخل الشخصي في المنطقة من حيث مدى ارتفاع متوسط معدل الضريبة مع زيادة الدخل وقدرتها على إعادة التوزيع من الأسر الأغنى إلى الأسر الأفقر. ويطبق العديد من البلدان، منها الجزائر وإيران والعراق، ضريبة تصاعدية نسبياً على الدخل الشخصي. ومع هذا، فإن إيراداتها ضئيلة للغاية في بعض البلدان إلى حدّ لا يسمح لها بإعادة توزيع الدخل بشكل ملموس، وتحقق بلدان أخرى إيرادات أكبر من خلال ضريبة الدخل الشخصي، غير إن معدلاتها أقل تصاعدية.

يوضح البحث أن إلغاء الإعفاءات والحوافز غير الكفء المنتشرة على نطاق واسع من شأنه توسيع الأوعية الضريبية ويجعل النظم الضريبية أكثر عدالة وشفافية. وقد حقق العديد من البلدان تقدماً ملموساً في توسع الوعاء الضريبي أو هو في صدد ذلك. فمصر على سبيل المثال، تهدف إلى إصلاح قانون ضريبة الدخل لديها لتبسيط إطارها القانوني وترشيد الإعفاءات منها.

وعلاوة على ذلك، فمن خلال إصلاحات النظم الضريبية، كإعادة تصميم ضريبة الدخل الشخصي وضريبة القيمة المُضافة، ومواصلة تطوير ضرائب العقارات، يمكن إعطاء دفعة لتحصيل الإيرادات، وجعل النظم الضريبية أكثر تصاعدية، ودعم الشمول.

ومن شأن تحديث الإدارات المعنية بالإيرادات وتحسين كفاءتها أن يعززا الإنفاذ والامتثال. ويستخدم كثير من البلدان بالفعل نظم تقديم الإقرارات الضريبية إلكترونياً، منها الجزائر وأذربيجان وباكستان وإيران. ومع هذا، يتعين بذل المزيد من الجهود لتحقيق أهداف عدة منها ترشيد الهياكل التنظيمية، وتحسين إجراءات العمل والاستفادة من وسائل التكنولوجيا الرقمية. وسيكون من المفيد أيضاً توثيق التعاون الدولي لتحسين تبادل المعلومات عبر مناطق الاختصاص الضريبي المختلفة.

ويمكن كذلك دعم تعبئة الإيرادات من خلال الإصلاحات التي تهدف إلى الحد من النشاط غير الرسمي والتشجيع على تنويع النشاط الاقتصادي، وهو ما يتضمن الإجراءات التي اتُخِذَت في مصر وتونس لتثبيط استخدام النقد وزيادة الشمول المالي. ومن شأن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحة الفساد وتحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية أن يعزز الثقة في النظام الضريبي. وقد بذلت جورجيا وطاجيكستان جهوداً لمكافحة الفساد عن طريق تبسيط النظم والإجراءات الضريبية مما ساعد على زيادة نسب الضرائب إلى إجمالي الناتج المحلي بمقدار الضعف على مدار العشرين عاما الماضية.

والتتابع الصحيح للإصلاحات مهم في كل البلدان، وبصفة خاصة في الاقتصادات المنخفضة الدخل والدول الهشة والمتأثرة بالصراعات في المنطقة.

ويمكن تحقيق تحسينات دائمة لتعبئة المزيد من الإيرادات من خلال الالتزام السياسي المتواصل والوضوح في التواصل وتوخي الدقة في تصميم الإصلاحات وتنفيذها. وبالبناء على هذه الجهود، تستطيع البلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن تستخدم السياسة الضريبية لتعزيز التنمية الاقتصادية وزيادة الإدماج الاجتماعي والحدّ من انعدام الأمن الغذائي ومواصلة السير على درب خطه الفراعنة منذ أمد بعيد.