السعودية: استعدادات مكثفة لفتح سوق السياحة

  • 2020-10-05
  • 19:00

السعودية: استعدادات مكثفة لفتح سوق السياحة

نجاح المملكة الاستثنائي في احتواء كورونا يشجّع على إعادة فتح باب العمرة والسياحة الأجنبية

  • رشيد حسن

 

تتسارع في السعودية الإجراءات الحكومية الرامية إلى إعادة فتح متدرجة لسياحة العمرة ثم للسياحة الأجنبية. وبدأت الاستعدادات لفتح سوق السياحة في السعودية بقرار اتخذ أخيراً وقضى برفع تعليق الرحلات الجوية من وإلى المملكة، وذلك بعد ستة أشهر من فرض هذا الحظر في آذار/مارس الماضي بسبب تفشي وباء كورونا.

وأعلنت السلطات السعودية في الوقت نفسه، عن خطة من أربع مراحل لفتح البلاد لسياحة العمرة ثم للسياحة الأجنبية، مع تعليمات مفصلة في شأن عدد أفواج المعتمرين والمدة المتاحة لإتمام المناسك والإجراءات الاحترازية.

وبدأت السعودية يوم أمس الأحد مجدداً في استقبال المعتمرين من السعوديين والمقيمين في المملكة، لكن ضمن طاقة استيعاب لا تتجاوز 30 في المئة على أن يتم رفع نسبة التشغيل إلى 75 في المئة بعد أسبوعين أي في 18 من الشهر الحالي، على أن تبقى الزيارة مقتصرة على السعوديين وعلى المقيمين، ثم تأتي المرحلة الثالثة والمهمة وهي التي ستشهد فتح باب العمرة للزوار من خارج المملكة.  

أما المرحلة الرابعة التي يفترض أن تبدأ في مطلع العام المقبل، فستشهد فتح باب السياحة والرحلات السياحية إلى السعودية للزوار الأجانب كافة، على أن يتم ذلك بصورة مدروسة من خلال السماح لمواطني عدد من الدول "الآمنة" أي التي تطبّق أنظمة صحية فعالة لمكافحة وباء كورونا بالقدوم إلى السعودية مع الاستمرار في تطبيق الإجراءات الاحترازية وتقديم الخدمات الصحية المتكاملة للزوار.

واقع الأمر أن السعودية تبدو سابقة للكثير من الدول السياحية في فتح سوقها للسائحين من المواطنين والمقيمين وكذلك من مختلف أنحاء العالم، إذ إن أكثر الأسواق السياحية التقليدية لا تزال تعاني من القيود الشديدة على السفر والتنقل وضعف الحركة السياحية.

 

 

العامل الأهم خلف تبكير السعودية في فتح سوقها السياحية أمام المقيمين والسياح الأجانب هو النجاح الاستثنائي الذي حققته في احتواء وباء كورونا (راجع الرسم البياني) بحيث تناقصت الحالات الجديدة إلى عدد محدود يومياً، وتم تطوير نظام متكامل صحي وتواصلي للرصد اليومي للحالات وتطويق أي ظهور منعزل لحالات كورونا، إذ استخدمت السعودية بنية صحية متكاملة ومنظومة تطبيقات للتواصل الرقمي والذكاء الصناعي بهدف زيادة فعالية كشف الحالات والسرعة في الإبلاغ والمعالجة، وكذلك تعميم التوعية وتحسين التواصل والتنسيق الرقمي بين المواطنين والمقيمين والزوار. وتعتبر المملكة العربية السعودية الآن بين الأمثلة الدولية القليلة على نجاح خطة وطنية متكاملة في وضع حد لانتشار الوباء، وبالتالي توفير الشروط لعودة البلد إلى حال أقرب إلى الطبيعي، ومعاودة إطلاق النشاطات الاقتصادية الحيوية بصورة متدرجة وبناء على تقييم مدروس للوضع العام ولوضع كل اقتصاد ولوضع البلدان التي يأتي منها السياح ونوع الأمراض المعدية التي قد يحملونها.

 

استكمال هيكلة القطاع السياحي

 

في موازاة الجهود العملانية لإعادة إطلاق الموسم السياحي بشقيه الديني والخارجي، تسارعت أيضاً المبادرات الحكومية الرامية لاستكمال هيكلة القطاع السياحي وتأهيله للعب دوره كأحد القطاعات المهمة للاقتصاد الوطني وكقوة دفع أساسية لخطة التحول الوطني وتنويع الاقتصاد السعودي وفق رؤية المملكة 2030.

وأعطت السعودية إشارة الانطلاق لنهضتها السياحية عندما قررت تحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى وزارة للسياحة في مطلع العام الحالي 2020، والتي قامت بدورها في تأسيس الهيئة السعودية للسياحة التي كلفت بمهام ترويج السياحة السعودية داخل السعودية (السياحة الداخلية) وفي الأسواق الخارجية. وتدرك المملكة العربية السعودية أن الصناعة السياحية في العالم أصبحت صناعة عالية التطور وتنافسية للغاية ولا بدّ بالتالي من توافر ثقافة سياحية شاملة ومن تميز واضح في نوعية المنتج السياحي والخدمة والأسعار من أجل التحول إلى نقطة جذب سياحية، وبالتالي تحقيق أهداف المملكة باستقطاب 100 مليون سائح وخلق مليون فرصة عمل في العام 2030 وتحول السياحة إلى أحد أكبر مكونات الناتج المحلي مع نسبة قد تصل إلى 10 في المئة من الإجمالي في ذلك التاريخ.

 

مركز إقليمي

 

وأثمرت الاستثمارات الهائلة التي خصصتها السعودية لتطوير الصناعة السياحية ومدها إلى مختلف مناطق المملكة وكذلك إجراءات الانفتاح والمهرجانات السياحية والثقافية والفنية في وضع المملكة على خريطة المقاصد السياحية في العالم. وكان من نتائج هذه التحولات أن قررت المنظمة العالمية للسياحة اختيار السعودية لتكون مقرّها الإقليمي ووقعت مع وزارة السياحة السعودية اتفاقات تعاون من بينها تأسيس أكاديمية عالمية لتنمية المهارات السياحية تساهم في توفير المهارات المطلوبة من السوق السياحية الصاعدة ومن المشاريع السياحية الكبيرة التي يتم العمل عليها في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية.

بناء المهارات الوطنية

 

وتطبّق السعودية خططاً طموحة  لبناء وترقية المهارات السياحية بما يساعد على استيعاب النمو المتوقع في عدد الزوار والتنوّع الكبير في نوع المنتجات والخدمات السياحية، وأنشأ عدد من الجامعات السعودية الكبرى كليات متخصصة للسياحة، كما قرر المسؤولون عن مشاريع السعودية السياحية العملاقة مثل: "نيوم" و"البحر الاحمر" و"القدِّية" و"العلا" تنفيذ برامج ابتعاث خاصة بهدف توفير المهارات السياحية التي يمكنها تأمين التشغيل الفعال للنشاطات والمؤسسات السياحية السعودية وتم استكمال بنية الصناعة السياحية بتأسيس مجلس التنمية السياحية ثم بإطلاق صندوق التنمية السياحية برأس مال 15 مليار ريال وتأسيس هيئة السياحة في البحر الأحمر.

 

نهضة السياحة الداخلية

 

أثرت جائحة كورونا بصورة كبيرة على القطاع السياحي السعودي، خصوصاً مع تأجيل موسم الحج وتحديد زيارات العمرة، كما أثرت على سياحة الأعمال وطلائع السياحة الأجنبية التي كانت بدأت بالتدفق على المملكة، لكن السلطات السياحية السعودية وخصوصاً هيئة تنمية السياحة تحركت بسرعة لبث الزخم في السياحة الداخلية عبر مبادرات مثل "صيف السعودية" الذي حقق أرقاماً جيدة رغم استمرار الإجراءات الوقائية لمواجهة وباء كورونا، وشهد الطلب على السياحة الداخلية بما في ذلك رحلات "الكروز" البحرية، ارتفاعاً كبيراً بالنظر الى فترة الإغلاق الطويلة التي طبقتها السعودية ضمن إجراءات احتواء وباء كورونا منذ شهر آذار/مارس الماضي، والتي كان من بينها إغلاق دور السينما والمطاعم والمدرجات الرياضية والنشاطات الجماهيرية أو المفتوحة كافة، وساهم تعطل مصادر السياحة الخارجية بذلك في تحول السعوديين إلى الموارد السياحية الهائلة التي تتمتع بها السعودية، وبالتالي في إعطاء دفع كبير لقطاع السياحة الداخلية.