لبنان: عودة الانتظام المالي "تزخم" الانطلاقة الحكومية الموعودة

  • 2020-09-14
  • 23:58

لبنان: عودة الانتظام المالي "تزخم" الانطلاقة الحكومية الموعودة

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

ليس مصادفة، أن تتزامن المبادرة الفرنسية المدعومة دولياً سعياً لاخراج لبنان من "حزمة" أزماته، مع شروع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في اعتماد استراتيجية هادفة إلى إعادة الانتظام التدريجي إلى القطاع المالي وتمكين المصارف من العودة إلى ممارسة مهامها الاعتيادية في جوانب الائتمان والاستثمار والتحويلات، بعد انقطاع متدحرج بسلبياته وبتداعياته فرضته التطورات المذهلة في البلاد، بما يشمل التدهور المريع للنقد والارتفاعات الصاروخية لمؤشرات البطالة والفقر، لتبلغ الذروة مع فاجعة المرفأ وفصولها المتواصلة.

 

 

إقرأ:

كيف تتعامل المصارف اللبنانية مع القروض المدعومة المتعثرة؟

 

 

بإيجاز، قال سلامة: "نأمل من الحكومة الجديدة أن تكون لديها خطة تقدرعبرها على القيام بالمطلوب، لأن مصرف لبنان لا يستطيع القيام بكل شيء وحده، وآمل أن تكون حكومة قادرة على الإصلاح سريعاً، لأن ذلك يكمّل جهودنا على الصعيد النقدي ويُعيد الثقة".

 

المشهد المالي للعبور من عنق الزجاجة

يحوز أولوية ضمن خريطة الطريق الانقاذية

 

ومن الواضح من خلال "رزمة" التعاميم الأحدث الصادرة عن مصرف لبنان وفي مقدمها التعميم الرقم 154، أن تهيئة المشهد المالي للعبور من عنق الزجاجة يحوز أولوية ضمن خريطة الطريق الانقاذية، والتي يرجح أن تنجلي معالمها مع انطلاق الحكومة الجديدة برئاسة "السفير مصطفى أديب المكلف" بشبه اجماع محلي بلغ 90 صوتاً نيابياً يمثلون الكتل الوازنة جمعاء، ولا يخرج التدقيق في حسابات البنك المركزي، وهو أحد شروط صندوق النقد الدولي عن السياق المالي المتوخى، ويضاف إليه حكماً وشرطاً أيضاً قانون ضوابط الرساميل (الكابيتال كونترول).

وفي التفسير التلقائي والأولي، يبدو أن تفلت القطاع المالي من "العصا الغليظة" التي رفعتها حكومة الرئيس حسان دياب فوق رؤوس أصحاب القرار في السلطة النقدية وفي الجهاز المصرفي، ساهم في خلق هامش حيوي يمكن توسيع ميدانه عبر خطوات وتدابير متتالية لإعادة ضخ "الاوكسجين" في النظام المالي المشلول، وفي إعادة تكوين مرتكزات التعامل والانخراط في الأسواق المالية الدولية، بعد ان تعرضت لضربة قاصمة من قبل السلطة التنفيذية التي قررت ذات ليلة في شهر آذار/مارس الماضي، تعليق دفع استحقاق شريحة "يوروبوندز"، واستكملتها، عقب شهر، بقرار التعليق المسبق للمحفظة بكامل سنداتها والتنصل من أي التزام مالي او قانوني.

 

إقرأ ايضاً:

تنافس إماراتي بحريني للإستحواذ على بلوم مصر

 

وفي البعد المحلي، يربط المعنيون بالتعاميم الجديدة وموجباتها قدرتهم على الالتزام بموجب متلازم جدلياً، ويتمثل بالانطلاق الفعلي للحكومة الجديدة وتبيان مدى "نأي" أشخاصها عن المحاصصة وبيانها الوزاري عن "الانشاء" المعهود المزخرف بوعود حرف "السين"، وخصوصاً لجهة تحديد مسارات إدارة الدين العام والتفاوض مع إدارة صندوق النقد وصدور قانون "الكابيتال كونترول"، ثم التحقق من إمكانية تحريك وتسريع "المدد" الخارجي بالدعم والتمويل عبر انعاش مؤتمر سيدر أو سواه.

فالمعاناة التي أنتجتها حكومة دياب في التعامل مع هذه الشؤون المحورية، والتي كادت تفضي إلى بلوغ استحقاق الفشل المالي التام للدولة وللبنك المركزي ولمؤسسات القطاع الخاص، لا تشجع على وضع المتبقي من "الرمق" بتصرف سياسات "رسمية" أو شبه رسمية ناصبت العداء غير المبرر مع كامل مكونات القطاع المالي، بدلاً من التعاون وتوزيع المسؤوليات والأحمال الثقيلة على أكتاف متضامنة، من دون التخلي عن وجوب اعتماد قواعد المساءلة والمحاسبة بأقصى معايير الموضوعية والشفافية.

وفي البعد عينه، كان بالإمكان الاستجابة والاستثمار في الاستعداد الفرنسي للمساهمة "غير مدفوعة التكلفة" في عمليات التدقيق المعمقة في حسابات البنك المركزي والانتقال منها إلى سائر المؤسسات العامة المعنية بالإنفاق والمشاريع، فلا الإصرار على التوصيف "الجنائي" سيفضي بالضرورة إلى كشف هويات محددة برغبات مكبوتة، ولا المبارزات بسيوف الشركات الدولية ستوقع "الاتهامات والفزع " بحق شركتي "ديلويت " و" أرنست آند يونغ " اللتين تدققان أصلاً في ميزانيات البنك المركزي. والأحق قولاً، إن كل مالية الدولة ومؤسساتها هي في مرمى قرائن الفساد والمحسوبيات والهدر، والأولى طلب الصفح من المواطنين المكلومين بالقتل وبالجوع وبالهجرة، قبل التلذذ بنشر"الغسيل الوسخ" على مشابك المجتمع الدولي وأسواقه المتيقظة لكل شاردة وواردة.

 

في البعد الخارجي: قد يلزم لبنان دولة وقطاعاً مالياً سنوات طويلة

لإعادة المعاملات إلى سياقها في الأسواق الدولية

 

أما في البعد الخارجي، فقد يلزم لبنان دولة وقطاعاً مالياً سنوات طويلة لإعادة المعاملات إلى سياقها في الأسواق الدولية، وقد يلزم بالضرورة الاستعانة بالشركات الاستشارية الدولية لإعادة تقييم القرار الحكومي الذي أفضى إلى إخراج البلد بهذه الصورة وبهذا الأذى الفوري والمتمدد إلى سنوات لاحقة.

وفي كل حال، يأمل أهل القطاع المالي بأن يكون التصويب في التدقيق المزمع، آيلاً إلى "إصلاح ما يمكن إصلاحه فعلاً"، بمنأى عن الكيدية التي تطغى على بعض الاستهدافات. فالضربات المتلاحقة بدءاً من تنصل الدولة عن الايفاء بالتزاماتها، أنتجت تداعيات قاتلة يتعذر مقاربتها من دون دعم خارجي عاجل، بينما كان بإمكان الدولة عقد تفاهمات مرنة مع الدائنين المحليين (البنك المركزي والمصارف) والخارجيين (آشمور وفيدليتي وسواهم)، وكان لها في وباء كورونا ملاذ آمن وذريعة نموذجية لدفع آجال الاستحقاقات سنوات إلى الأمام وخفض الأصول والفوائد المحددة.

 

إقرأ أيضاً:

زمن القوارب يعود من جديد إلى لبنان تحت أعين البنك الدولي

 

ومن المهم التنبه إلى لفظ "حثّ" الذي اختاره البنك المركزي للطلب من المصارف استعمال الأموال التي يتم تحويلها لتسهيل العمليات الخارجية التي تدعم الإقتصاد اللبناني، حيث يفرض التعميم تكوين حساب خارجي لدى المصارف المراسلة قبل نهاية شهر شباط/فبراير 2021 يساوي 3 في المئة من حجم الودائع بالعملة الأجنبيّة كما هي في 31 تمّوز/يوليو 2020. أيضاً على المصارف بحسب "استراتيجية الانتظام" إعادة تكوين أو رفع رأس مالها إلى المستويات المطلوبة مع نهاية الفصل الأوّل من العام 2021، ويمكنها العرض على مودعيها "طوعاً" إمكانيّة تحويل جزء من ودائعهم إلى أسهم أو سندات دين دائمة قابلة للإسترداد يمكن أن تعطي الحق لحامليها أفضليّة بالإكتتاب في زيادة رأس مال المصرف ضمن مواصفات وشروط محددة، تتضمن ميزة التحويل إلى الخارج في حال تمّ بيع الأسهم أو سندات الدين الدائمة القابلة للإسترداد بواسطة أموال جديدة.