زمن القوارب يعود من جديد إلى لبنان تحت أعين البنك الدولي

  • 2020-09-07
  • 11:05

زمن القوارب يعود من جديد إلى لبنان تحت أعين البنك الدولي

  • أحمد عياش

كان للنبأ الذي تناقلته وسائل الإعلام صبيحة يوم السادس من أيلول/ سبتمبر أن يكون عادياً، لكنه أتى وسط تحذير من أعلى مرجعية اقتصادية دولية من أن نصف سكان لبنان تقريباً باتوا الآن "يعيشون في دائرة الفقر".

في النبأ، أُعيد 33 مهاجراً وصلوا إلى ليماسول في قبرص في ساعة مبكرة من صباح الأحد إلى لبنان، وشوهد القارب الذي كان يقل 30 لبنانياً وثلاثة سوريين، قبالة ليماسول بعد ظهر يوم السبت، وبعد مشاورات مع السلطات اللبنانية، تقرر إعادة المجموعة إلى لبنان، ونظراً إلى أن القارب الذي كانوا على متنه كان في حالة سيئة للغاية، استأجرت السلطات القبرصية قارباً خاصاً لنقل المجموعة المكونة من 14 طفلاً وست نساء و13 رجلاً إلى بلادهم.

 

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني انفجار مرفأ بيروت؟

 

وقبل انتشار هذا النبأ، ظهرت على بعض مواقع التواصل الاجتماعي صورة للقارب عند انطلاقه من منطقة الميناء في شمال لبنان مع تعليق يشرح أسباب الرحلة التي هي ضيق العيش في لبنان.

 

اللبنانيون يتجهون إلى القوارب

 

قبل أعوام، كانت سواحل لبنان، مثل سواحل معظم شرق البحر الأبيض المتوسط، منطلقاً لموجة هجرة عبر القوارب إلى سواحل غربي هذا البحر أي القارة الاوروبية. في تلك الفترة، كانت الحرب السورية التي أجبرت ملايين السكان على النزوح عن ديارهم، منطلقاً لهذه الموجة التي لم يسبق للتاريخ الحديث أن عرف مثيلاً لها، وقد تحوّلت آنذاك إلى قضية عالمية بعد ان تمددت هذه الهجرة الى الأقاصي البعيدة.

 

إقرأ أيضاً:

انفجار بيروت: مليارا دولار أضرار 200 ألف مسكن ومتجر

 

أما اليوم، فيبدو أن الصورة صارت مختلفة، فقد بدأ اللبنانيون يتجهون إلى القوارب، مثلما أشار اليه النبأ آنفاً حيث صعد الى سطح القارب 30 مهاجراً لبنانياً وثلاثة سوريين فقط. ولا مغالاة في القول، إن النبأ لم يكن مفاجئاً، بل كان متوقعاً في ظل تطور الأوضاع في لبنان الذي وصل إلى قعر هاوية من الأزمات التي لم تكن قد تجمّعت في وقت واحد، كما هي الحال الآن. وآخر هذه الأزمات والتي كانت هائلة من حيث الحجم والنتائج، هو الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس/ الماضي.

 

البنك الدولي يدعو إلى بناء لبنان بشكل أفضل

 

في تقرير صادر عن البنك الدولي في واشنطن في نهاية آب/أغسطس الماضي ورد أن تقييماً جديداً للأضرار والاحتياجات، أُجري عقب الانفجار الذي هزّ بيروت في الرابع من الشهر الماضي، دعا إلى إعادة بناء لبنان بشكل أفضل استناداً إلى مبادئ الشفافية والشمول والمساءلة، للاستجابة إلى مطالب اللبنانيين وطموحاتهم. ويضيف التقرير: "للمساعدة في توجيه الاستجابة العالمية المهمة والعاجلة، أجرت مجموعة البنك الدولي، بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تقييماً سريعاً للأضرار والاحتياجات، في إطار شراكة وثيقة مع الوزارات اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني، وغيرها من الأطراف المعنية الرئيسية. ووفقاً للتقديرات الأولية لهذا التقييم السريع، ألحق الانفجار أضراراً بالأصول المادية تراوحت قيمتها من 3.8 إلى 4.6 مليارات دولار، في حين قدرت الخسائر، متضمنة التغيرات في التدفقات الاقتصادية نتيجة لانخفاض ناتج القطاعات الاقتصادية، بما يتراوح ما بين 2.9 إلى 3.5 مليارات، وكانت أكثر القطاعات تضرراً قطاعا الإسكان والنقل والموجودات الثقافية الملموسة وغير الملموسة (بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية، والمعالم الوطنية، والمسارح، ودور المحفوظات، والمكتبات، والآثار).

 

إقرأ أيضاً:

لبنان على المفترق ولا مستقبل بلا إصلاحات

 

ويمضي التقرير إلى الإشارة: "تُقدر احتياجات إعادة إعمار القطاع العام وتعافيه، لهذا العام والعام المقبل، بما يتراوح ما بين 1.8 إلى 2.2 مليار دولار، حيث يلزم في القريب العاجل توفير ما بين 605 و760 مليون دولار حتى شهر أيلول/ ديسمبر 2020، ومن مليار دولار على المدى القصير للعام 2021، وتُعد احتياجات قطاع النقل هي الأعلى بين سائر القطاعات، يليه الإرث الثقافي والإسكان".

 

ثلاثة آثار اقتصادية رئيسية لانفجار بيروت

 

ولفت تقرير البنك الدولي النظر إلى أن الآثار الاقتصادية الرئيسية الثلاثة للانفجار تمثّلت في الخسائر التي لحقت بالنشاط الاقتصادي من جراء تدمير رأس المال المادي، وتعطل الحركة التجارية، والخسائر في إيرادات الموازنة العامة.

 وحتى قبل الانفجار، يوضح التقرير، كان لبنان يواجه أزمات مضاعفة، حيث كانت توقعات ما قبل الانفجار تشير إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في العام 2020 نمواً سلبياً بنسبة تزيد على 10 في المئة، مدفوعاً بالتأثيرات غير المباشرة للصراع في سورية، حيث لا يزال لبنان يستضيف أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنة بعدد السكان، في ظل معاناته من أزمة مالية واقتصادية تنطوي على ضعف أداء القطاع المالي،  فضلاً عن أزمة العملة، ومعدلات تضخم شديدة الارتفاع، وعجز القطاع العام عن سداد الديون، والتأثيرات الناجمة عن جائحة كورونا، ولم تتسبب كارثة انفجار بيروت في تفاقم الانكماش في النشاط الاقتصادي فحسب، ولكنها ستؤدي أيضاً إلى تفاقم معدلات الفقر التي كانت تبلغ بالفعل 45 في المئة قبيل الانفجار.

وبحسب التقرير، تشمل احتياجات التعافي العاجلة، في الأشهر الثلاثة المقبلة وحدها، ما يتراوح ما بين 35 و40 مليون دولار، لتقديم تحويلات نقدية فورية واسعة النطاق، تلبيةً للاحتياجات الأساسية لتسعين ألف متضرر، وخلق وظائف قصيرة الأجل لصالح 15 ألف فرد، كما تشمل توفير المأوى للفئات الأشد ضعفاً من الأسر المشردة المنخفضة والمتوسطة الدخل، وإصلاح المساكن التي لحقتها أضرار طفيفة وجزئية للأسر المنخفضة الدخل، كما تقدّر الاحتياجات الفورية للإسكان بما يتراوح ما بين 30 إلى 35 مليون دولار. وبالإضافة إلى ذلك، يلزم على الفور تقديم دعم مالي يتراوح ما بين 225 إلى 275 مليون دولار لاستعادة خدمات 5200 شركة صغرى، و4800 شركة صغيرة توظف الآلاف من اللبنانيين، وهذه المنح والقروض الميسرة التي تستهدف تعافي مؤسسات الأعمال تغطي احتياجات إعادة الإعمار والمعدات ورأس المال العامل، ليتسنى إعادة فتح الأنشطة والحفاظ على قوة العمل.

 

لزوم إعادة بناء مؤسسات الحكم

 

ويرى التقرير أن جهود إعادة الإعمار وإصلاح المباني والبنية التحتية المتضررة لن تتطلب إعادة بنائها فحسب، لكنها تستلزم أيضاً إعادة بناء مؤسسات الحكم: ففي قطاع المرافئ على سبيل المثال، يوصي التقرير، فضلاً عن الأعمال العاجلة اللازمة لضمان استمرار الواردات الحيوية إلى لبنان، بأن يُعاد بناء المرفأ بطريقة شاملة وحديثة، وبمستوى أفضل من حيث الموقع والحجم، وإدارته وفقاً لممارسات عالية الكفاءة والشفافية.

كما يوصي التقييم السريع للأضرار والاحتياجات باتباع نهج "إعادة البناء على نحو أفضل" ضمن إطار من الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، يجمع بين تدخلات تُعطي الأولوية لاحتياجات الشعب، وخصوصاً الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية المعنية باستقرار الاقتصاد الكلي وإدارة الحكم وبيئة تشغيل القطاع الخاص، وضمان الأمن البشري. وينبغي لهذه الإصلاحات أن تمنع الفساد وأن تركز على كسر هيمنة النخبة، التي احتكرت الموارد الخاصة والعامة على حد سواء، وأدت إلى تفاقم معاناة الشعب اللبناني.

ويخلص تقرير البنك الدولي إلى القول: "نظراً إلى حالة الإفلاس التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطات كافية من النقد الأجنبي، فإن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار الشاملين، ومن شأن تنفيذ لبنان لأجندة إصلاحية جديرة بالثقة أن يكون سبيلاً للوصول إلى مساعدات التنمية الدولية وفتح الأبواب أمام مصادر التمويل الخارجية والخاصة".

وقرع تقرير البنك الدولي جرس الانذار نظرياً، لكن نبأ قارب المهاجرين الذي انطلق من الساحل اللبناني قرع هذا الجرس عمليا،. انه سباق مع الوقت انطلق في صورة فعلية بعد ان بدأ لبنان يتحول من بلد لجوء إلى بلد مهاجرين.