صباح الخالد نحو نهج حكومي جديد

  • 2020-08-30
  • 19:22

صباح الخالد نحو نهج حكومي جديد

يقود رئيس وزراء الكويت جهوداً على أكثر من مستوى لتغيير النهج السائد منذ سنوات

  • الكويت - عاصم البعيني
يدرك المتابع للشأن الداخلي في الكويت أن هناك مرحلة جديدة آخذة بالتشكل على أكثر من صعيد، ويعد رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد المبارك الصباح حلقة أساسية فيها لاعتبارات ومعطيات عدة. فالظروف الدقيقة التي تمرّ بها الكويت على المستوى السياسي، إلى جانب ما يُثار من ملفات ذات صلة بالفساد، ثم التركة الاقتصادية الثقيلة وتداعيات فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، وضعت جميعها رئيس الوزراء في تماس مباشر مع مختلف هذه المعطيات وفي مواجهة مسؤولية ضخمة. وفي غمرة الأحداث والتطورات الحاصلة، يسعى الخالد إلى تكريس نهج جديد في الإدارة الحكومية، وهي مهمة لا تبدو سهلة في ظل الظروف السائدة، فكيف يبدو نهج الخالد في التعامل مع هذه الملفات وسعيه إلى تكريس مسطرة واحدة بما يؤسس لنهج حكومي جديد؟ 

 

يعول على الشيخ صباح الخالد كوجه جديد في الأسرة الحاكمة

مستنداً إلى ثقافة عملية وتجربة سياسية طويلة توجها في قيادة وزارة الخارجية 


جيل جديد من أبناء الأسرة 

 

في الشكل، يبدو واضحاً أن مقاربة الخالد الجديدة لمختلف الملفات يستقيها أولاً من موقعه كوجه شاب ضمن الجيل الثالث في الأسرة الحاكمة، متسلحاً أيضاً بكفاءة علمية وتمرس سياسي اكتسبها من مناصب حكومية عدة شغلها، كان آخرها مهام نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، حيث أجاد التعامل مع ملفات عدة منحه فيها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الثقة المطلقة في العلاقة مع دول ومؤسسات دولية عدة. 

كذلك، فإن المتابع للشأن الداخلي الكويتي، يدرك الإشارة السياسية الواضحة التي أطلقها الخالد بُعيد تكليفه تشكيل الحكومة، إذ كان حريصاً على أن يبدأ مشاوراته مع الأجهزة الرقابية معيداً التأكيد على حيوية دورها. ويبرز تحد أساسي هنا أمام الخالد في كيفية إعادة إحياء بعض هذه الجهات كما هي الحال مع وحدة التحريات المالية التي تنتظر تعيين قيادي أصيل يتولى الإشراف عليها، بالإضافة إلى خلق تناغم بين تلك المؤسسات الرقابية، إذ وعلى الرغم من تعددها لم تشكل رادعاً في مواجهة الفساد. 

وفي ظل هذه المعطيات، جاءت جرعة الثقة المتجددة من قبل نائب الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح قبل أيام، لتشكل دفعاً جديداً لرئيس الحكومة، حيث قال ولي العهد صراحة:" أمامنا ملفات تحتاج الى الحكمة وثقتنا كبيرة بقدرة رئيس الوزراء على التصدي لها". 

 

رئيس الحكومة أمام تحدي السير قدماً في معالجة ملفات الفساد

 

دقة المرحلة وملفات فساد

  

في المقابل، تبدو مهمة الشيخ صباح الخالد دونها تحديات جمة، إذ إن الرجل ما كاد يتسلم مهامه حتى واجه سيلاً من الملفات المعقدة ذات الأبعاد السياسية ومنها ما هو مرتبط بأبناء الأسرة في مواقع حكومية حساسة وأخرى ذات صلة بملفات غسل أموال بأبعاد دولية كما هي الحال مع الصندوق الماليزي (1MDB) وصولاً إلى تضخم حسابات مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي.  

وكان من اللافت استجابة الخالد لتوجيهات نائب الأمير بأن المحاسبة ستكون شاملة وتطال الجميع، عبر المسارعة إلى تشكيل لجنة عليا برئاسته وعضوية الأجهزة والجهات الرقابية الحكومية لمعالجة هذه الملفات، وإن كانت تبقى تجربة اللجان في الكويت وغيرها من الدول لا تحظى بالجدية الكافية أو لا تتوصل غالباً إلى النتائج المرجوة. ومع ذلك، يعول على الخالد من خلال هذا التوجه في إعادة الوهج الى المؤسسات الرقابية المتعددة في وضع يدها على تلك الملفات، والوصول بالملفات إلى خواتيمها. 

 

إعادة التوازن في العلاقة مع مجلس الأمة

بعد تجاذب وتوتر بين المجلس ورؤساء حكومات سابقين

  

في مجلس الأمة 

 

عنصر التجديد الأهم في نهج الخالد الحكومي، يكمن في إعادة التوازن إلى العلاقة مع مجلس الأمة، والتي شكلت على مدى السنوات الماضية محور تجاذب بلغ حد التوتر في مناسبات عدة مع رؤساء الحكومات السابقين. وستكون هذه العلاقة المتجددة أمام امتحان إقرار مشروع قانون الدين العام، ولاسيما بعد رفض اللجنة المالية البرلمانية الصيغة الحكومية للمشروع، ويكتسب هذا الإقرار أهمية خاصة، ولاسيما وأن ولاية المجلس الحالي شارفت على الانتهاء، وبالتالي غياب التوافق يضع الكويت أمام إصدار المشروع بمرسوم ضرورة، في حال انتهت ولاية المجلس من دون إقراره. 

إلى ذلك، تجلت جهود الخالد في السعي في إعادة صياغة العلاقة مع مجلس الأمة من خلال تكريس عنصر مواجهة الوزراء للاستجوابات النيابية والدفاع عنهم، عوضاً عن الدخول في تسويات سياسية أدت في مراحل مختلفة إلى التضحية بعدد منهم عوضاً عن الصعود إلى منصة الاستجواب، من هنا جاءت القرارات الأخيرة لمجلس الوزراء تشكيل فريق حكومي برئاسته وعضوية اللجنة الوزارية التنسيقية مع مجلس الأمة للتواصل مع رئيس مجلس الأمة واللجان البرلمانية المتخصصة لتسريع إنجاز مشاريع القوانين.

كما إن نهج المكاشفة والمصارحة، كان قد عبر عنه الخالد في قاعة عبد الله السالم في مجلس الأمة بالقول قبل أسابيع "... إننا سنتحدث عما أخطأنا به وعما قد نخطئ به، وعما لا نعرفه وما سنتعرف عليه وما سنتغلب عليه بكل وضوح".

 

الملف الاقتصادي يشكّل الامتحان الأصعب

ضرورة إطلاق ورشة الإصلاح الاقتصادي

 

ثقل الملف الاقتصادي 

 

كذلك، تزامن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الخالد مع واحدة من أدق المراحل التي تمرّ بها الكويت على المستوى الاقتصادي، وباتت معها تطلب حزماً وجرأة في القرار الاقتصادي، إذ إن البلاد لم تتأثر فقط بتداعيات فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط فقط كما هي الحال مع شقيقاتها من دول الخليج، وتزامنت هذه المعطيات مع نضوب في سيولة الاحتياطي العام مع غياب تشريع يمكّن الكويت من اللجوء إلى الأسواق الدولية، ما دفع إلى البحث عن خيارات اقتصادية مؤقتة كالاقتراض من صندوق الأجيال القادمة أو اعتماد خيارات غير مسبوقة كوقف الاستقطاع السنوي المعتمد لهذا الصندوق، علماً أن العجز في الميزانية بلغ مستويات قياسية عند نحو 14 مليار دينار (45.8 مليار دولار).  

ومما لا شك فيه أن الشيخ صباح الخالد يدرك دقة هذه المرحلة وأن معالجتها تبدأ بحلول استراتيجية لا مرحلية، عبر اعتماد طرح جريء يبدأ بالإصلاح الاقتصادي والمالي ومعالجة الاختلال الهيكلي في الميزانية العامة حيث الرواتب والدعم يستحوذان على نحو 70 في المئة من الإيرادات، وترشيد الانفاق ودمج بعض الجهات الحكومية، ما يعني أن الملف الاقتصادي يشكل الامتحان الأصعب والأدق في سعي الخالد لصياغة نهج حكومي جديد، وما يعنيه ذلك من فرضيات وإجراءات قد تأتي على حساب مفهوم الرفاه والدعم الذي تكرس على مدى العقود الماضية.   

 

 

تجربة الخالد تميّزت بالاستعانة بالكفاءات من خارج الدائرة الحكومية

ومنح دور لوجوه جديدة من الأسرة الحاكمة

 

نحو معالجة جديدة؟ 

 

في المقابل، أعطى وضع رئيس الوزراء للملف الاقتصادي بكل تشعباته في عُهدة مدير هيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي الشيخ د.مشعل جابر الأحمد الصباح وتكليفه تشكيل فريق لمعالجة التحديات، إشارات إيجابية على مستويات عدة. 
الأولى، بدا فيه الخالد وكأنه يجري إعادة تقييم موضوعية للتعامل الحكومي مع تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط والسهام التي وجهت إلى القرارات المتخذة بعد تشكيل لجنة للتحفيز الاقتصادي برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي د.محمد يوسف الهاشل.

الثاني، أكد من خلاله حرصه على الاستعانة بالكفاءات من خارج المظلة الحكومية، مستنداً في ذلك إلى إنجازات الشيخ مشعل الأحمد في قيادة هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، أما البعد الثالث والأهم، فيكمن في أن الخالد حريص على تأهيل والاستفادة من كفاءات جديدة داخل الأسرة الحاكمة على وجه الخصوص وخارجها. وقد عكس ذلك، رغبة الخالد الاستعانة بكفاءات من خارج الدوائر الحكومية الضيقة في معالجة الملفات الدقيقة، ما يعكس انفتاحاً في التعاطي مع الأطياف كافة وفق معيار الكفاءة والقيمة المضافة. يبقى هذا الطرح دون حذر، في أنه الأول من نوعه على مستوى الكويت، ودونه محاذير من العودة إلى نتائج تجارب سابقة مماثلة. هذا، وقد قابل كرة الملف الاقتصادي المتدحرجة بالتعاطي بإيجابية، وعلى حد قوله:"... بالتأكيد سنرتكب أخطاء وسنراجعها ولن نكابر، وسنعترف بأننا من خلال إدارتنا لأزمة صحية مثل هذه، سنخطئ ثم نخطئ ثم نخطئ، لكن لن نكابر وسنتسلم الطريق ونقوم بالتعديل قدر المستطاع ونواجه ونتحمل مسؤولياتنا". 

 

 

إقرأ أيضاً: 

كورونا يكلف مصارف الكويت 2.1 مليار دولار في النصف الأول

 

 

ملف معالجة التركيبة السكانية يحظى بأولوية


.. وملفات أخرى 

 

كذلك، أولى رئيس مجلس الوزراء اهتماماً لملفات أخرى مطروحة على الساحة المحلية، كان من بينها ملف تعديل التركيبة السكانية، حيث جرى فريق برئاسة أحمد خالد الكليب الوزير والنائب السابق بالإضافة إلى مهامه السابقة كرئيس لجنة المناقصات المركزية، ليتولى تحديد أوجه الخلل والثغرات التي تؤدي إلى تزايد أعداد الوافدين عن حاجة البلاد والعمل على مراجعة القوانين واللوائح الخاصة باستقدام واقامة الأجانب.