يد الخليج تمتد بعد الاغاثة لإعادة إعمار "هيروشيما" لبنان

  • 2020-08-26
  • 13:24

يد الخليج تمتد بعد الاغاثة لإعادة إعمار "هيروشيما" لبنان

  • أحمد عياش

 

وسط صعوبات لا سابق لها في تاريخ لبنان، تطل معضلة إعادة إعمار ما تهدم في بيروت نتيجة الانفجار الهائل في المرفأ في الرابع من آب/ أغسطس الحالي.

قبل انفجار بيروت، كان لبنان غارقاً في أزمات مالية واقتصادية وسياسية بدا حيالها عاجزاً عن الوصول إلى سبيل للخلاص، فكيف له أن يواجه آثار هذا الانفجار الذي جرى وصفه بـ "هيروشيما" لبنان لتشابه الأضرار الذي ألحقها ببيروت بتلك التي تسببت بها القنبلة النووية التي سقطت على مدينة هيروشيما اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية؟

غداة إنفجار بيروت، بدأت التقديرات تتوالى حول حجم الأضرار وأبرزها حتى الآن ما ورد على لسان رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قال إن الخسائر الناجمة عن الانفجار تفوق الـ 15 مليار دولار، وبدوره، قدّر محافظ بيروت مروان عبود هذه الخسائر بما يتراوح ما بين 10 إلى 15 مليار دولار.

وتزيد هذه الخسائر من معاناة لبنان الذي يحتاج أساساً إلى ما يصل إلى 93 مليار دولار لإنقاذ اقتصاده، وفق تقارير مختلفة حول الموضوع.

 

إقرأ:

ماذا يعني انفجار مرفأ بيروت؟

 

من أين للبنان أن يأتي بالأموال؟

 

من أين للبنان أن يأتي بهذه الأموال التي كان عاجزاً عن الحصول على أقل منها قبل الانفجار للخروج من أزماته المالية والاقتصادية التي تفاقمت في الأعوام القليلة الماضية والتي أدت إلى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة وإلى انفلات عقال التضخم؟

لا يزال العالم الخارجي، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، يربط وصول المساعدات إلى لبنان قبل وقوع انفجار بيروت وبعد وقوع هذا الانفجار بتحقيق إصلاحات مالية واقتصادية جذرية، وأحدث هذه المواقف على هذا الصعيد، ما صرّح به معاون وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الذي زار قبل أيام لبنان للإطلاع على ما تسبب به إنفجار الرابع من آب/أغسطس الحالي، فهو قال "إن لبنان بحاجة إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية ونقدية ومحاربة الفساد المستشري وتحسين الشفافية، وإن مشاكل لبنان لا يمكن حلها من الخارج بل تتطلب قيادة ملتزمة بالإصلاح".

 

إقرأ أيضاً:

انفجار بيروت: مليارا دولار أضرار 200 ألف مسكن ومتجر

 

في انتظار الإصلاح: ما المطلوب؟

 

في انتظار أن يتحقق الإصلاح المطلوب في النظام المالي والاقتصادي في لبنان، تبدو قضية معالجة آثار ما الحقه إنفجار بيروت بعاصمة لبنان بنداً مستعجلاً خصوصاً أن هناك نحو 300 ألف نسمة من سكان المدينة قد أصيبوا بخسائر فادحة في الممتلكات وهم يحتاجون، بعد تلقيهم مساعدات عاجلة، إلى المساعدات الضرورية التي تمكنهم من ترميم أو إعادة بناء منازلهم ومؤسساتهم في نحو 10 آلاف مبنى متضرر وفق تقديرات صرّح بها إلى "أولاً-الاقتصاد والاعمال" الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير.

في موازاة هذه الحاجة الملحة على مسافة قصيرة من إنقضاء فصل الصيف، وما يتطلبه فصل الخريف من استقرار في المدينة قبل حلول فصل الشتاء، صدر تقرير قبل أيام عن المركز اللبناني للدراسات، وهو مؤسسة بحثية خاصة جاء فيه: "في حين يحتاج اللبنانيون إلى المساعدات والدعم لإعادة بناء مساكنهم وأحيائهم، لا يقدر ذوو الإمكانات المالية منهم على سحب مدخرات عمرهم من البنوك".

في موازاة ذلك، دقّت لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا) ناقوس الخطر الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، معلنة أن نسبة الفقراء وصلت إلى 55 في المئة وتآكلت الطبقة الوسطى بعد انفجار بيروت الذي شلّ البلاد، في موازاة تزايد كبير في أعداد إصابات فيروس كورونا، وبحسب تقديرات "إسكوا" التي أعلنتها في دراسة بعنوان "الفقر في لبنان: التضامن ضرورة حتمية للحدّ من آثار الصدمات المتعددة والمتداخلة"، فإن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون بحسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولاراً في اليوم).

 

إقرأ أيضاً:

لبنان على المفترق ولا مستقبل بلا إصلاحات

 

كيف سيتم الانتقال من الإغاثة إلى إعادة الإعمار؟

 

في ظروف إستثنائية يمر بها لبنان، تقول أوساط دبلوماسية إن هناك تدابير إستثنائية لا بدّ من إعتمادها كي يجتاز هذا البلد، ولاسيما عاصمته، مرحلة الدمار التي يقبع فيها الآن، وأشارت إلى أن نموذجاً لهذه التدابير، ما أعلنته قبل أيام وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي من مرفأ بيروت، عن "وجود نحو 700 عسكري فرنسي على متن حاملة الطائرات الفرنسية "تونير" يستعدون لتقديم الدعم لبيروت لديهم مؤهلات كثيرة، هناك أيضاً مهندسو الجيش المتخصصون في البناء".

كيف سيتم الانتقال من مرحلة الإغاثة العاجلة التي بدأت مع انفجار بيروت إلى مرحلة الترميم وإعادة إعمار ما تهدم؟

يستعيد الرئيس فؤاد السنيورة، يوم كان رئيساً لمجلس الوزراء تجربة حرب العام 2006 التي كلفت لبنان خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات، فيتوقف عند مرحلة إعادة إعمار ما تهدم في تلك الحرب قائلاً: "كما هو معلوم، جرى تنفيذ أسرع وأفضل عملية إعادة إعمار وترميم للقرى والبلدات والأبنية والمرافق المدمرة والمتضررة بشهادة المؤسسات الدولية، وفي هذا الصدد، تم البدء بالعام الدراسي الجديد في كل مدارس لبنان ومن ضمنها في المناطق المدمرة مطلع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2006".

 

أهمية الدور العربي الخليجي

 

في سياق متصل، تستعيد أوساط دبلوماسية المساهمة العربية عموماً والخليجية خصوصاً في ورشة إعادة الاعمار بعد تلك الحرب، والتي لولاها لما تمكّن لبنان من إزالة آثار تلك الحرب. وتقول إن في محفوظات الهيئة العليا للإغاثة التابعة لرئاسة الوزراء تفاصيل الهبات الخليجية التي انتشلت لبنان من الدمار في سرعة قياسية قلّ نظيرها، ومن هذه التفاصيل على سبيل المثال لا الحصر، مساهمة المملكة العربية السعودية والكويت والامارات وقطر بإعادة تأهيل قرى وبلدات جنوب لبنان التي تضررت كلياً أو جزئياً في الحرب.

بالطبع، تغيّرت الظروف كلياً على كل المستويات في لبنان والمنطقة ما بين العامين 2006 و2020، ومن اهم هذه المتغيرات، أن زمن الوفرة ولّى بعد تراجع أسعار النفط الذي كان يمنح دول الخليج القدرة للمساهمة في أعمال الاغاثة وتقديم المساعدات على نطاق واسع في المنطقة والعالم. لكن هل هذا يعني ان قدرة دول الخليج على مدّ يد العون للبنان هذه المرّة دونها هذا التراجع في القدرات المالية لهذه الدول؟

وفق معلومات أوساط سياسية بارزة ان هناك توجهاً خليجياً سيتبلور دولياً قريباً من أجل تكرار تجربة مد يد المساعدة في العام 2006. وترى هذه الأوساط أن نطاق الأضرار المحصور في بيروت وضمن بيئة متعاطفة الى ابعد الحدود مع العالم العربي عموماً والخليج خصوصاً يشجع على تكرار تجربة العام 2006، لأسباب لا تتعلق بالنواحي الانسانية فحسب، بل تتعلق أيضاً بمعطيات إستراتجية تتصل بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً الذي تتجه رياح عربية وغربية الآن لمنحه مظلة مؤازرة ودعم.