BOUCHERON: رحلة "تأمّل" بين الإبداع والأعمال

  • 2020-08-26
  • 12:03

BOUCHERON: رحلة "تأمّل" بين الإبداع والأعمال

  • برت دكاش

لدى الحديث عن مجموعة مجوهرات رفيعة جداً مثل Contemplation من Boucheron، يصبح الوصف تصويراً لمشهدية انعكاس صورة الحلم في مرآة الواقع. وتقول الرئيسة التنفيذية للدار الراقية هيلين بولي- دوكين، إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" إن "مجموعة Contemplation الجديدة هي انعكاس لقدرات الدار الإبداعية التي بدأت مع المؤسس قبل نحو 160 عاماً، ولم تنقطع على مرّ السنين"، وتعتبرها مديرة الإبداع لدى العلامة الفرنسية كلير شوازين "دعوة البعض إلى الحلم، والبعض الآخر إلى تحقيق أحلامهم".

 

من مؤسسي صناعة المجوهرات الفرنسية الراقية

 

يُنظر إلى فريديريك بوشرون اليوم، كما نُظر إليه في الأمس، على كونه أحد مؤسسي صناعة المجوهرات الرفيعة في فرنسا، والدار التي حملت اسمه واشتهرت به منذ تأسيسها العام 1858، لا تزال تحتفظ به، على الرغم من انتقال ملكيتها إلى مجموعة الرفاهية الفرنسية Kering.

والتوغّل أكثر في مسيرة الدار، يكشف أن استمرارية العلامة واحتفاظها بزخمها على مرّ السنين، لم يكن مصادفة، أو ضربة حظ، "بل بسبب القيم التي اشتهر بها المؤسس مثل الابتكار، والإنسانية وجعل المرأة محور عمله. قيم أضحت قيم العلامة نفسها وتجسيداً لهويتها، ولا تزال توجّه القيّمين على العلامة وفرق العمل فيها كافة، لتشكّل الضمانة لاستمراريتها وتجاوز كل حدود ممكنة في مجال الإبداع والابتكار"، تؤكّد بولي- دوكين، وتضيف أن "التركيز على الابتكار يخفف من عبء تحدّي الابتعاد عن هوية العلامة في ما نقدّمه. ومجموعة Contemplation تعبير فريد عن الابتكار، وقد استلزم تطويرها ثلاثة أعوام، ولعلّ هذا التعبير الفريد والقدرات التقنية في ترجمة هذه القطع من مجرّد تصوّر إلى تصميم حقيقي، يجعل من Boucheron نفسها علامة فريدة جداً في ساحة فاندوم الباريسية، أضف إليه أننا نجعل المرأة وليس المنتج نفسه محور عملنا، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلينا تماماً مثلما كان مهماً جداً بالنسبة إلى المؤسس الذي أراد أيضاً خلق أسلوب خاص بالسيدات، منطلقاً من كون المجوهرات إنما وجدت لارتدائها، وهي جزء من حياة المرأة وتعكس شخصيتها، وبالدرجة الأولى مسألة عاطفية جداً وليست للتعبير عن ثراء أو سلطة، ثم إننا علامة قريبة جداً من عملائنا يجمع بيننا العامل الإنساني بالدرجة الأولى".

 

 

طلب متزايد من فئة الشباب

 

"ومجوهرات راقية، لا تعني انحسارها ضمن حلقة ضيّقة من السيدات والتي غالباً ما يقصد بها البالغات منهن"، تشدّد بولي- دوكين، رداً على سؤال حول ما إذا كانت الدار تستهدف الشريحة الشابة من الزبائن وكيف". وتوضح: "صحيح أن عمر دارنا هو نحو 160 عاماً، وتملك من الإرث والتاريخ في صناعة المجوهرات، إلا أنها تتحرّك بسرعة شركة ناشئة، ثم إن المجوهرات بجوهرها شابة". وتتابع: "هنالك اعتقاد سائد بأن المجوهرات تُشرى فقط عندما نكبر في السن، وهو اعتقاد خاطئ تماماً تدلّ عليه إيرادات شركات المجوهرات التي جزء كبير منها تحقّقه من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً، وهو سن الزواج. والارتباط يمثّل فرصة لإقامة علاقة مع العلامة من خلال شراء "مجوهرات الزفاف" يليها لاحقاً شراء المجوهرات بشكل عام. ولهذا السبب، طوّرنا مجموعة نموذجية لفئة الشباب مثل Serpent Bohème Color مرصّعة بأنواع مختلفة من الأحجار الكريمة، وتُعدّ هذه المنتجات نموذجية للأجيال الشابة أو الـ" Millennials". وبإمكاني أن أجزم أن أعداداً متزايدة من العملاء الشباب يبدون اهتماماً كبيراً بالمجوهرات الراقية. وخلال الأعوام العشرين الماضية، بدأ معدل أعمار الذين يشترون المجوهرات، في آسيا خصوصاً، ينخفض، حيث هنالك عملاء يشترون المجوهرات بعمر العشرين من دون حتى استشارة ذويهم، لأنهم يملكون المال ليشتروا بأنفسهم، وهم يدركون أن المجوهرات الراقية تميّزهم، ويعرفون الكثير عنها وعن الأحجار الكريمة والقيمة الاستثمارية لهذه الأحجار، وعلى مستوى العلامة، لدينا قاعدة مهمة من العملاء الشباب وهي تنمو".

وعن سبب الإقبال على شراء ابتكارات الدار وعمّا إذا كان العملاء يسعون خلف اسم العلامة، تشير بولي- دوكين إلى "سعيهم خلف حرفيتنا، وتاريخنا وغيرها من القيم التي نجسّدها، ولدينا هذه الشريحة من العملاء التي تشتري قطعتنا الأيقونية ضمن فئة المجوهرات الراقية والتي هي قلادة Question Mark، إذ تطمح للدخول إلى العلامة من خلال النموذج الأكثر تعبيراً عن أسلوبنا وتقنيتنا في قطاع المجوهرات الراقية".

 

صانع ساعات أيضاً

 

إلى المجوهرات الرفيعة، تشمل عروض الدار الساعات. وتلفت بولي- دوكين إلى "أن الساعات تمثّل جزءاً صغيراً من إجمالي أعمال الدار"، مشيرة إلى "أننا صانع ساعات أيضاً، لأن ما يخلق العلاقة مع صناعة الساعات هو أيضاً هوية العلامة. لطالما كنا نصنع ساعات لدى Boucheron إذ ابتكرنا العام 1947 ساعة Reflet التي نملك براءة اختراع نظام سوارها القابلة للتبديل. لقد عملت شخصياً في صناعة الساعات على مدى 20 عاماً، وعندما كنت أتكلم عن أيقونات السوق كنت أذكر ساعة Tank من Cartier وReverso من Jaeger-LeCoultre وReflet من Boucheron. لذا أعتقد أنه في سوق صناعة الساعات، Reflet هي ساعة أيقونية. ولهذا السبب، تعتبر Boucheron صانع ساعات حقيقي، إلى جانب كونها داراً للمجوهرات الراقية، غير إننا، في الوقت الراهن، لا نركّز على قطاع الساعات إذ هنالك إمكانات ضخمة في قطاع المجوهرات الذي هو مجال لا تطغى عليه علامات معينة، وبالتالي يتمتع بمجالات كبيرة للنمو، بالإضافة إلى أن صناعة الساعات تحتاج إلى قنوات توزيع، في حين نريد أن نبقى علامة تجزئة".

وماذا عن الرجل في عالم Boucheron؟ تجيب بولي- دوكين: "تقدم الدار ساعتين للرجال وهما Reflet وEpure اللتان تحققان نتائج ممتازة، لكننا لا نسعى في الوقت الراهن إلى التوسع في هذا المجال، لكننا  نؤمن بوجود إمكانات هائلة في قطاع مجوهرات الرجال، ونطمح إلى دفع الرجل مجدداً لارتداء المجوهرات، لأنه إذا عدنا بالتاريخ إلى القدم، نجد أن الرجال اعتادوا ارتداء المجوهرات كما النساء، في حين يحجمون عن ذلك الآن، إلا أنني على ثقة من تبدّل الوضع في العقد المقبل، وهنالك بعض القطع ضمن مجموعة Contemplation تصلح للرجال تماماً كما السيدات".

 

 

المجوهرات: قيمة استثمارية رابحة

 

ولما كان قطاع المجوهرات يثبت مناعة قوية بوجه الأزمات مقارنة بصناعات أخرى راقية، تعزو بولي- دوكين السبب إلى "القيمة الاستثمارية للمجوهرات، إذ، كما هو معلوم، يقفز سعر الذهب مثلاً خلال الأزمات الكبرى، بسبب قيمته الاستثمارية. وكدار، نستخدم في عملنا بالأحجار الكريمة والذهب، وهو السبب الذي يجعل القطع التي نبتكرها تحافظ على قيمتها خلال الأزمات". وتضيف: "هنالك أمر آخر لاحظناه خلال فترة "كوفيد-19"، وهو أن الشق المتعلّق بالزواج مرن جداً، إذ يوم السبت الأول بعد إعادة فتح متجرنا في ساحة فاندوم بعد فترة الإغلاق، غصّ المتجر بالخطّاب الشباب الذين كانوا ينتظرون انتهاء فترة الإغلاق ليأتوا ويشتروا خواتم الارتباط، ولم يلغوا زواجهم".

وفي هذا السياق، تتوقّع بولي- دوكين حصول "إنفاق ثأري" Revenge Spending"، آملة أن "يحصل ذلك على مستوى جميع الأسواق كما هي الحال في الصين حيث تحقق الدار أداء جيداً جداً بعد إعادة فتح البلد والمتاجر وعودة الحياة إلى طبيعتها هناك"، لكنها، في المقابل، تلفت إلى أن "الاستهلاك المحلي وحده، مهما كان مرتفعاً كما هي الحال في الصين، غير كافٍ لتعويض غياب أو تراجع حركة السياحة العالمية بسبب القيود على السفر والمخاوف من "كوفيد-19" خصوصاً في أوروبا".

 

التجارة الإلكترونية ليست بديلاً عن المتاجر

 

وتكشف بولي- دوكين أن الدار في صدد إطلاق موقع التجارة الإلكترونية الخاص بها، وإلى حين إطلاقه، تتعاون في هذا المجال مع عدد من وكلاء التجزئة الإلكترونية العالمية وفي الشرق الأوسط، "وجميع هذه المواقع حققت أداءً ممتازاً خلال فترة الإغلاق والحجر ولا تزال تسجل أداءً جيداً جداً، وأعتقد أن الاستهلاك الرقمي سجّل قفزة كبيرة".

وعن إمكانية انضمام الدار إلى ما بات يُعرف في الصين بمراكز التسوق الإلكترونية مثل Tmall على غرار بعض دور الرفاهية الكبرى، أفادت بولي- دوكين أنه "لغاية الآن لم تنضم إلى مثل هذه المراكز التجارية، إلا أننا ندرس جميع الفرص المتاحة في الصين".

وتستبعد بولي- دوكين أن تحل التجارة الإلكترونية والرقمنة كلياً محل المتاجر التقليدية، "وشخصياً، أنا لا أؤمن بذلك، على الرغم من أنني على يقين من أن المبيعات الرقمية ستشكل جزءاً مهماً من إجمالي المبيعات في الأعوام المقبلة. على العكس، كلما نمت التجارة الإلكترونية، نمت في المقابل المتاجر التقليدية، إذ لم يعد الناس يقصدون المتجر كما قبل 20 عاماً لشراء المنتجات وحسب، إنما لعيش تجربة، وتكوين ذكريات، والقيام برحلة في رحاب العلامة".

 

الشرق الأوسط مرجع للعلامة

 

وتقول بولي- دوكين إن أسواق الشرق الأوسط حيث تملك الدار 10 متاجر لها بالتعاون مع شركائها المحليين، "منطقة مهمة جداً بالنسبة إلى Boucheron، وهي واحدة من المناطق حيث تتطور فيها العلامة تطوراً صحياً، وحيث يقّدر العملاء في المنطقة العلامة تماماً مثلما تقدّر في موطنها الأصلي فرنسا، ويعرفون هويتها الراقية جداً وصناعتها من المجوهرات الرفيعة، بل وأعتبرها مرجعاً، ونطمح لأن تتمتع العلامة بالصورة نفسها وبالتقدير عينه في جميع أسواق العالم الأخرى".

 

الإبداع والحرية صنوان

 

ولمّا كانت مجموعة Contemplation هي عنوان الحدث أخيراً بالنسبة إلى دار Boucheron، تروي مديرة الإبداع لدى الدار قصتها مع هذه المجموعة الجديدة الراقية التي تجمع بالنسبة إليها بين الدعوة إلى الحلم والدعوة إلى تحقيق الأحلام. وتروي شوازين عنها فتقول: "في الواقع، بدأت الفكرة بحلم شكل نواة مقاربتنا كفريق إبداعي لدى Boucheron لا يضع حدوداً لإبداعه، هذه الحرية في الحلم تنتقل إلى لحظة البدء بابتكار المجموعة، قبل أن تتحول إلى حقيقة عندما تصبح قطع مجوهرات".

من الشعر ولدت أسماء القطع

 

وعن اختيار اسم لكل مجموعة ثانوية ضمن المجموعة الكبرى مثل Goutte de Ciel وNuage en Apesanteur، تقول شوازين: "إنه مهم جداً، أردنا انصهاراً وانسجاماً مطلقاً في المجموعة، سواء لناحية الحلي، أو الأسماء، حتى تصوير المجموعة والفيلم المصوّر من دون المجوهرات لنظهر مصدر إلهامها. حاولنا إنجاز توليفة منسجمة قدر الإمكان، واختيار أسماء للقطع تمثل جزءاً من ذلك، لقد فكرنا ملياً بأسماء هذه القطع، حتى إننا انطلقنا في البداية بالتعاون مع شخص لابتكار قصائد Ikous (بالياباني) لكل قطعة. اسم حسي يعكس عاطفة أكثر من مجرد كونه اسماً، وأخذنا من هذه القصائد الأمور الأساسية التي منحت القطع أسماءها. صحيح إنه عمل طويل نسبياً، إنما أردناه صحيحاً، قائماً على الإحساس الذي يمكن أن تمنحنا إياه القطعة أكثر من المتعة البصرية".

وتوضح شوازين إن تطوير أي مجموعة يحتاج إلى ما بين العامين والثلاثة أعوام لأن هنالك مراحل عدة تمر بها عملية ابتكار أي قطعة. تبدأ العملية بالبحث عن موضوع، وهذا يستلزم بعض الوقت لأنه إما أن يكون ملهماً لاقتراح الرسوم والابتكارات أو لا يكون، تليها مرحلة وضع الرسومات، وكل ما يجري في الإستديو يحتاج أقله إلى ستة شهور ليتبلور، من ثم يجب منح الوقت الكافي للصائغ ولفريق الابتكار لدينا لإيجاد الحلول التقنية وتنفيذ القطع".  

 

السماء في قلادة

 

لم تقتصر المجموعة الجديدة من Boucheron على القطع المعقدة الفريدة أو سواها من الحلي الراقية، إنما كذلك استخدام مادة
الـ Aerogel الصلبة وغير الكثيفة بداخلها في آن واحد كونها مكونة بنسبة 99.8 في المئة من الهواء، والنسبة المتبقية من السيليكون، وفق ما تذكر شوازين. وتضيف: "ترمز المادة إلى جمال السماء بسبب لونها الذي يتغير تبعاً للون الذي نضعها عليه، فهي على الجلد مثلاً تكتسب لوناً أزرقاً هادئاً ونقدمها في ابتكارين هم قلادة وسوار Goutte de Ciel"، موضحة أن "هذه المادة تستخدمها الناسا على ألواح في الفضاء لالتقاط غبار النجوم".

وتختم شوازين قائلة إن فترة الحجر أعطى عمقاً إضافياً للمجموعة الجديدة المستوحاة من الفضاء الخارجي والطبيعة، مشيرة إلى أن الإغلاق وما رافقه من حجر حرم الكثيرين من الخروج وتأمل الطبيعة، مؤكدة أن "ولادة موضوع "التأمل" قبل ثلاثة أعوام والذي كان بمثابة حدث أصبح اليوم قناعة راسخة لدي، وهو الحاجة دائماً إلى الخروج إلى الطبيعة ورؤية جمالها والتقاط ما يمكنها أن تبثه من رسائل إلهام ووحي للإبداع والابتكار".