انفجار بيروت يعيد المشهد العقاري إلى زمن الحرب

  • 2020-08-21
  • 09:22

انفجار بيروت يعيد المشهد العقاري إلى زمن الحرب

  • رانيا غانم

من المستشفيات إلى الفنادق والمطاعم والمؤسسات التجارية والبنى التحتية لم يترك انفجار بيروت قطاعاً إلا وزاده نكبة ومأساة، ولعل للقطاع العقاري الحصة الأكبر من هذه الكارثة، إذ خلف الانفجار دماراً وخراباً شمل آلاف المباني المسكونة ومئات الشقق التي لا تزال قيد الإنجاز والتطوير.

وهكذا استفاق المطورون العقاريون، الذين استدانوا أموالاً طائلة من المصارف لتطوير عقاراتهم، على كارثة حقيقية وأضرار بملايين الدولارات، فبعض الشقق التي لا تزال قيد الإنجاز في منطقة المدور ومار مخايل والكرنتينا تضررت بالكامل، في حين اقتصرت الأضرار في مناطق الأشرفية والجميزة ووسط بيروت على تحطم الزجاج وواجهات الألمنيوم.

 

إقرأ: 

انفجار بيروت: مليارا دولار أضرار 200 ألف مسكن ومتجر

 

 

بانتظار المسح لتقييم الأضرار

 

لم يتم حتى الآن إجراء مسح شامل للشقق المتضررة من انفجار بيروت، لكن الهيئة العليا للإغاثة وبلدية بيروت بدأتا بإجراء مسح للمباني المتضررة بهدف تقييم الخسائر، وفق رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى، وقدرت الأضرار المادية المباشرة الناجمة عن الانفجار بنحو 15 مليار دولار، الجزء الأكبر منها يطال القطاع العقاري. وتتفاوت الخسائر بحسب المنطقة المتوافرة فيها المباني، لكن موسى يؤكد في حديث إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن الخسائر في شقق الجميزة والكرنتينا ومار مخايل تقدر بآلاف الدولارات، لأنه ثمة شقق مدمرة بالكامل ولم يبق شيئاً من معالمها، ويضيف موسى: "إن بعض المطورين لم يتجرأوا بعد على زيارة المباني المنكوبة لإحصاء الأضرار لأن بعض الشقق لم تعد تظهر معالمها". 

لكن في المقابل، اتخذ بعض المطورين مبادرات فردية وأجروا مسحاً لأضرار المشاريع التي يطورونها. ويشير مالك مشروع جورجيو 1 في مار مخايل جورجيو رزق، الذي يتضمن 57 شقة، إلى أن مشروعه لا يزال قيد الإنشاء وفي مراحله الأولية ولا يوجد زجاج وألمنيوم أو أبواب لذا الأضرار لم تكن فادحة، ويؤكد أنه بدأ عملية الترميم مباشرة ولم ينتظر الهيئة العليا للإغاثة.

 

 

وليد موسى: المباني السكنية قد تبقى مهدمة في حال لم تمض الحكومة قدماً بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة


أزمة تلو الأخرى

 

وتأتي هذه الكارثة بعد أن كان القطاع قد بدأ يتنفس الصعداء بعد سنوات عجاف عاناها من جراء قرارات وإجراءات اتخذها مصرف لبنان بوقف القروض السكنية المصرفية المدعومة والتي أدت إلى شلل غير مسبوق في حركة المبيعات وإلى تراكم الديون على المطورين. وقد بدأ المشهد يتحسن بعد ثورة تشرين الأول/أكتوبر وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وإجراءات ضبط تحويل الأموال إلى الخارج،
إذ شهدت السوق تهافت الكثير من المودعين إلى شراء العقارات لقاء شيكات مصرفية بهدف تحويل أموالهم إلى أصول عينية وحماية مدخراتهم. وقد بلغت قيمة العمليات العقارية منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر إلى نهاية أيار/مايو خمسة مليارات دولار وفق نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وهذا الواقع ساعد المطورين على سداد جزء كبير من ديونهم المصرفية، وأدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الشقق المسددة بشيكات مصرفية إلى حدود 40 في المئة، مقابل انخفاض أسعار الشقق عند دفعها نقداً بنسبة 60 في المئة.

 

الترميم مسؤولية من؟

 

في ما يتعلق بالمباني المسكونة، فسيعمد أصحابها حتماً وربما بمساعدات ومنح دولية على إعادة ترميمها بأسرع وقت وقبل موسم الشتاء، ولكن المشكلة تكمن في الشقق المباعة والتي لا تزال قيد الإنجاز ولم تسلم إلى أصحابها بعد. والسؤال الذي يطرح ذاته على عاتق من تقع مسؤولية الترميم على المطور أو المالك؟

وفي هذا الإطار، يتفق رئيس مجلس إدارة شركة Vertica Realty Group محمد سنو مع موسى على أن المطورين في مأزق كبير، ولا سيما أن إعادة الترميم تحتاج إلى الدولار الطازج لتأمين مواد البناء المستوردة بمعظمها من الخارج. ويضيف سنو: "هذا الموضوع سيخلق مشكلة كبيرة بين المطور والشاري"، لافتاً إلى ضرورة إجراء تسويات واتفاقات بين الطرفين بحيث يتحمل كلاهما المسؤولية.

بدوره، يؤكد جورجيو أنه سيتحمل شخصياً تكلفة الترميم لأن الأضرار كانت محدودة، قائلاً "ثمة شقق مباعة في المشروع، لكن سأتحمل التكلفة شخصياً ولن أرتب أي أعباء إضافية على الشاري، وكذلك لن أزيد الأسعار".

ولا تزال شركات التأمين وإعادة التأمين غائبة عن المشهد حتى اليوم، ويشير سنو إلى أنها تنتظر نتائج التحقيق لمعرفة ما إذا كان الانفجار عمل إرهابي أو قضاء وقدر لتأخذ قراراً في الموضوع. وسؤال آخر يُطرح في هذا الإطار وفق موسى، في حال قررت شركات التأمين تعويض الخسائر هل ستدفع نقداً وبالدولار للمطورين أم عبر شيكات مصرفية، لافتاً النظر إلى أن عملية الترميم تحتاج إلى الكثير من مواد البناء المستوردة من الخارج وبالتالي ينبغي أن تتوافر الأموال النقدية للبدء بعملية الترميم.  

 

 

إقرأ أيضاً:

كيف ستتعامل شركات التأمين اللبنانية مع تعويضات انفجار بيروت؟

 

 

 

 

 

محمد سنو: شهية المستثمرين على شراء العقار ستتراجع كثيراً بعد الانفجار

 

الأولوية للمباني المسكونة

 

وعن المساعدات المادية الدولية التي ستتدفق إلى منكوبي الأزمة، فيشير موسى إلى أن الأولوية ستكون للشقق المسكونة وتحديداً للأحياء والأسر المحدودة الدخل ولأصحاب المساكن الأكثر حاجة ولكي يتمكنوا من إنجاز عملية الترميم قبل بدء فصل الشتاء. أما بالنسبة الى الشقق الشاغرة، فيقول: "سيكون من الصعب جداً على المطورين طلب المساعدات من أجل ترميم شقق فخمة تباع للطبقة الميسورة"، ويشدد في هذا الإطار على مسؤولية الدولة والوزارات المعنية في مساعدة المطورين المتضررين من ذلك الانفجار.

 

إقرأ ايضاً:

ماذا قال رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان حول التعويضات؟ 

 

إعادة الإعمار رهن الإصلاحات

 

ويعيد سنو التأكيد أن الترقب والتريث هما سيد الموقف في المرحلة المقبلة بالنسبة الى المطورين العقاريين، موضحاً أن أحداً لن يبدأ عملية إعادة الترميم قبل أن تظهر نتائج التحقيق ويتبين ما إذا كانت شركات التأمين ستعوض الخسائر، وإلى حين تتبلور تلك الأمور ستظل المباني المهدمة على حالها. ويقول سنو: "المشهد أسوأ مما كان عليه في أيام الحرب، والمباني ستظل مهدمة في حال بقيت الأوضاع الاقتصادية على حالها".

ويخلص موسى إلى القول بأن بعض المباني المتضررة قد تبقى على شكلها الحالي لسنوات عديدة، في حال لم تتدخل الدولة لمساعدة المطورين، ولاسيما في ظل غياب القروض والتسهيلات المصرفية.

هذا الواقع المأزوم سيؤول أيضاً إلى تراجع شهية المستثمرين على شراء العقارات في ظل تلك الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم مضي الحكومة قدماً بالإصلاحات المطلوبة للنهوض بالاقتصاد من جديد. وينهي موسى أن "التطوير العقاري السكني وحتى التجاري سيتوقف لمدة من الزمن إلى حين اصطلاح الوضع الاقتصادي"، لافتاً إلى أن التطوير سيتركز في الفترة المقبلة على المشاريع الصناعية والزراعية.