القطاع الصناعي في مصر: رؤية تحويل التحدي إلى فرصة

  • 2020-07-19
  • 10:45

القطاع الصناعي في مصر: رؤية تحويل التحدي إلى فرصة

  • مغاوري شلبي علي

بات القطاع الصناعي في مصر يبحر في رحلة بلا خريطة لمواجهة تأثيرات جائحة كورونا، في ظروف غير مسبوقة لم يألفها من قبل راسموا السياسات والمستثمرون في هذا القطاع.

فمنذ حدوث هذه الجائحة والقطاع الصناعي يواجه العديد من الصعوبات الجديدة، إلى جانب التحديات التي كان يواجهها، فحدث اختلال في سلاسل التوريد وسلاسل القيمة التي تربط القطاع الصناعي بالسوقين العالمية والمحلية، وهو ما أثر على العرض والطلب، وكانت الآثار واضحة في الصناعات التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج وخصوصاً من الصين، كما أدت عمليات الإغلاق الجزئي إلى تراجع نشاط وإنتاجية المصانع، وتراجع المبيعات والإيرادات، وواجهت بعض المصانع مشاكل نقص في السيولة مما أدى إلى صعوبة الوفاء بالتزاماتها.

لكن بما أن رُبّ ضارة نافعة، فإن الآثار السلبية لجائحة كورونا على دخل مصر من العملات الأجنبية من القطاعات الأخرى، كالسياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، تجعل القطاع الصناعي مرشحاً بقوة لتعويض هذه الآثار من خلال سرعة التعافي وزيادة الصادرات الصناعية، في حال وضع الاستراتيجيات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالنهوض في القطاع، وهو ما يستعرضه هذا التقرير حول واقع وتحديات ومستقبل القطاع الصناعي في مصر.

 

أهم مؤشرات قطاع الصناعات التحويلية في مصر

المؤشر 2018/2019
المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي 16.2 %
معدل النمو الحقيقي 2.8 %
تطور الاستثمارات من دون البترول 6.55 مليارات دولار

 

 

 

عانى القطاع الصناعي ما قبل جائحة كورونا العديد من المشاكل التي تؤثر على أداء القطاع، وأبرزها اعتماد الصناعة المصرية بشكل مفرط على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج، وانخفاض نصيب الصناعات التحويلية من الاستثمارات مقارنة بقطاعات أخرى مثل الصناعات الاستخراجية والتشييد والبناء، إضافة إلى انخفاض الإنتاجية في الصناعات التحويلية مقارنة بالصناعات الاستخراجية بسبب العمالة غير الماهرة والتكنولوجيا المستخدمة، ووجود بعض المشاكل التي تؤدي إلى رفع التكلفة وإضعاف القدرة التنافسية بالقطاع الصناعي. وإذا كانت جائحة كورونا تركت آثارها السلبية على القطاع والتي تمثلت بتباطؤ نشاط القطاع الصناعي بسبب عمليات الإغلاق والإجراءات الاحترازية، وبسبب تراجع الطلب المحلي والدولي، وبسبب اختلال سلاسل التوريد العالمية التي ترتبط بها الصناعات المصرية، ومعاناة بعض المصانع من نقص مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج خصوصاً من الصين، فإنها تركت آثاراً تركزت في تسريع الابتكارات في الصناعة حول العالم وفي مصر، ورفعت سقف التوقعات في مجال رقمنة الصناعة وإدخال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في المصانع، واستفاد بعض الصناعات من الجائحة، ولاسيما صناعات الأدوات والمستلزمات الطبية، وصناعات المواد الغذائية، وذلك بسبب زيادة الطلب على منتجاتها محليا ودولياً، كما خلقت فرصة كبيرة أمام الصناعات المصرية لإنتاج بديل للمنتجات المستوردة من الخارج.

 

 

تأثير كورونا على الصادرات والواردات المصرية

خلال (يناير – أبريل 2020) مقارنة بالفترة نفسها من 2019

الصادرات (مليون دولار)
القطاع
الواردات (مليون دولار)
2019 2020 نسبة التغير  2019 2020 نسبة التغير
102 66 -35 % الأثاث 521 413 -21%
177 152 -14% الصناعات  الطبية 1256 924 -27%
210 179 -15% الطباعة والتغليف والورق 576 482 -16%
35 20 -42% جلود ومنتجات جلدية 70 58 -17%
766 650 -16% سلع  هندسية وإلكترونية 6867 5645 -18%
1203 1212 1% صناعات غذائية 2423 2040 -16%
295 259 -12% غزل ومنسوجات 1107 904 -18%
545 416 -24% ملابس جاهزة 197 124 -37%
1933 1613 -16% منتجات كيماوية وأسمدة 3939 2798 -29%
1711 2070 21% مواد بناء 3765 2585 -31%

 

 

 

مواطن الخلل

 

إن من أهم الحقائق التي كشفت عنها وأكدت عليها الجائحة بالنسبة إلى القطاع الصناعي المصري، هي تلك التي تتمثل في الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في نمط اندماج القطاع الصناعي المصري في القطاع الصناعي العالمي، وضعف سلاسل الإمداد والتوريد التي تربط الصناعات المصرية بالعالم الخارجي، مع ما يعني ذلك من أن الإبقاء على النمط الحالي لارتباط الصناعة المصرية بهذه السلاسل يحمل في طياته العديد من المخاطر. وهنا لا بدّ من تغيير الاستراتيجيات والسياسات التي تتبناها مصر في مجال تنمية وتعميق الصناعة،القائمة على التكامل في التجارة العالمية، ما يبرز أهمية زيادة الاستثمارات في الصناعات المرتبطة بالقطاع الصحي، وضرورة وجود استراتيجية مصرية محددة لتحقيق التحول الرقمي في الصناعة ولتنمية وتعميق الصناعات الرقمية، وأن تكون هناك رؤية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص، وذلك لأن الجائحة كشفت عن أن التحول الرقمي للاقتصاد ككل وللقطاع الصناعي سيكون أسرع من كل التوقعات.

وإضافة إلى ما سبق، هناك أهمية وجود قاعدة بيانات للمصانع المصرية تشمل التفاصيل الصناعية والإنتاجية والعمالة كافة، لأن هذه القاعدة في غاية الأهمية لنجاح الحكومة في إدارة أي أزمة تواجه القطاع الصناعي، فالجائحة كشفت أن التكاليف والأضرار التي يمكن أن تتحملها الصناعة بسبب السياسات والقرارات الخاطئة التي يمكن التراجع عنها، أقل بكثير من أضرار تأخر اتخاذ القرارات الصحيحة، ولاسيما في ظل تعرض القطاع الصناعي لصدمة عنيفة مثل جائحة كورونا.

 

إجراءات المدى القصير

 

 

لذلك واستناداً إلى ما سبق، فإن الفترة المقبلة أي حتى نهاية العام الحالي تتطلب تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات الحكومية لمساندة القطاع الصناعي للمدى القصير، تتمثل في الاستمرار في تقديم حزمة الحوافز الحكومية إلى القطاع الصناعي طالما لم تزل أسباب تقديمها، وذلك مع وضع شروط لاستفادة المصانع من هذه الحوافز، ولاسيما لناحية عدم تسريح العمال والاستمرار في دفع رواتبهم. كذلك، ضرورة التشدد في تفعيل قانون تفضيل المنتجات المحلية في العقود والمشتريات الحكومية، وتخصيص نسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في المشتريات والمناقصات الحكومية، والتركيز على مساعدة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على سرعة التعافي من تداعيات الجائحة خلال هذه الفترة، وسرعة إعادة توجيه الطاقات الإنتاجية المعطلة للمصانع المصرية والطاقات الإنتاجية للمصانع التي غيّرت نشاطها والمصانع المتخصصة في إنتاج المعدات والمستلزمات الطبية، وذلك من أجل إنتاج وتكوين مخزون استراتيجي من هذه المنتجات، وزيادة الصادرات بعد اكتفاء السوق المحلية، كما يتعين على الحكومة إنشاء آلية للحوار بين العمال وأصحاب المصانع للتوافق على كيفية عبور المرحلة بالتنسيق والتعاون مع اتحادات الصناعات والنقابات العمالية، كذلك يتعين عليها ضمان عدم وجود أي تأخير في دفع مستحقات القطاع الخاص لديها. ويضاف إلى ذلك، مراعاة الاتساق بين جميع القرارات الحكومية ذات التأثير الاقتصادي، بحيث تدفع جميعها في اتجاه تحفيز الاقتصاد وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة ومنها القطاع الصناعي.

 

... وسياسات الأجل الطويل

 

من بداية العام 2021، من الأجدى تطبيق الحكومة للسياسات التحفيزية بشكل انتقائي على بعض الصناعات، ولاسيما تلك الأكثر تضرراً من الجائحة، مع التركيز على الصناعات الكثيفة العمالة وعلى الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لتأهيلها للتعافي الكامل وعودة الأمور الى طبيعتها.

كما سيتطلب الأمر مراجعة أسعار البنزين والسولار والغاز لاستهلاك المصانع، خصوصاً عندما تعود الأسعار العالمية للنفط الى طبيعتها بالتوازي مع تعافي الاقتصاد العالمي، وإعادة النظر في القرارات الخاصة بحظر تصدير بعض المنتجات الصناعية التي اتخذتها الحكومة أثناء الجائحة، بالإضافة إلى أهمية الحفاظ على استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بشكل نسبي، حتى لا يعاني الاقتصاد والقطاع الصناعي من ارتفاع أسعار الصرف وعودة السوق السوداء مرة أخرى. والجدير بالذكر، في هذا السياق، أن الدولار عاد للإرتفاع أمام الجنيه خلال شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين بسبب تداعيات الجائحة على دخل مصر في العملات الأجنبية.

أما لمرحلة ما بعد كورونا، ولتحقيق هدف تنمية وتعميق الصناعة المصرية بشكل مستدام، فمن الضروري تبني استراتيجية جديدة تركز على مجموعة من المحاور أبرزها تغيير نمط اندماج الصناعات المصرية في سلاسل التوريد والإمداد العالمية، وتنويع مصادر حصول الصناعات المصرية على مستلزمات الإنتاج وتقليل اعتمادها على السوق الصينية بقدر الإمكان، وذلك للحدّ من تأثر الصناعة المصرية بالصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد الصيني وبالصراع التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً اعتماد الصناعات المحلية قدر الإمكان على مستلزمات الإنتاج التي توردها سلاسل التوريد المحلية، وهو ما يضمن استقرار ونمو هذه الصناعات، ويساهم في الحدّ من الاستيراد والتأثر بالصدمات الخارجية، ويساهم في خفض التكاليف الخاصة بالنقل والتخزين، كذلك يندرج في هذه الاستراتيجية التركيز على تعميق الصناعات المصرية الاستراتيجية وذات الأولوية للاستهلاك وللتصنيع المحلي، مثل الصناعات الغذائية، والصناعات الدوائية، وصناعة قطع الغيار والمكونات الصناعية، والربط بين سياسات وجهود جذب الاستثمارات الصناعية وسياسات تسهيل التجارة، وذلك لأن المستثمرين يفضلون الأسواق التي يمكنهم الاستيراد والتصدير فيها بسهولة، أي أن هناك أهمية لتعزيز تنافسية الصادرات والواردات معاً وليس تنافسية الصادرات فقط، بالإضافة إلى استخدام برامج التوازن الاقتصادي وعقود "الأوفست" مع الموردين للمشتريات الحكومية من الخارج من أجل استقدام الاستثمارات الأجنبية، وتوطين التقنيات الصناعة الحديثة.

 

التحول الرقمي

 

بالإضافة إلى ما تقدم، فإن الخطوة الأهم تكمن في الإسراع بالتحول الرقمي للصناعة ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة وفق استراتيجية شاملة من خلال توفير إطار مؤسسي وتنظيمي فعّال يشرف على عملية التحول الرقمي وتنمية وتعميق الصناعات الرقمية في مصر، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وتركيز جهود الحكومة لتهيئة المناخ الاستثماري في القطاع الصناعي على توفير البنية التحتية للثورة الصناعية الرابعة، وتوفير الخدمات الرقمية، والعمالة ذات المهارة الرقمية، وتوفير منصات للبيانات عن القطاع الصناعي والصناعات التحويلية. كذلك، فإن هذا التحول يجب أن يترافق مع تبني سياسات وآليات تشجع الإنتاج في قطاع الصناعة والصناعات التحويلية وفق التقنيات الحديثة، وتشجع الاستثمار في توطين هذه التقنيات وتطويرها، وتشجع الابتكار والبحث العلمي في الصناعات التحويلية، وتطوير مؤسسات التعليم المرتبطة بقطاع الصناعات التحويلية، لمواكبة الصناعات المعرفية والصناعات الرقمية الحديثة، بالإضافة إلى تسهيل نفاذ قطاع الصناعة والصناعات التحويلية للتكنولوجيا الحديثة في مجالات الإنتاج والتصنيع، وكذلك تسهيل النفاذ لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لجميع أصحاب المصالح في هذا القطاع. كذلك فإنه على الصناعات التحويلية المصرية القيام بإعادة النظر في أساليب وتقنيات التصميم والإنتاج والتسويق التقليدية التي تتبعها، والاهتمام بخطط واستراتيجيات التحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال، وقيام الحكومة بالتعاون مع المستثمرين في الصناعات التحويلية بزيادة الاستثمارات في مجال الرقمنة الصناعية، وزيادة الإنفاق على البحوث والتطوير، وتدريب القوى العاملة لتلبية احتياجات التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، وأيضاً اهتمام الصناعات التحويلية بالمنتجات الجديدة والمنتجات الذكية، التي سيكون هناك طلب متزايد عليها، مثل السيارات الكهربائية، والسيارات الذاتية القيادة، والمنتجات الحربية، ومنتجات الفضاء، والمكونات التي تحتاجها هذه الصناعات.