قانون قيصر: هذا ما سيأخذه من لبنان

  • 2020-06-08
  • 23:00

قانون قيصر: هذا ما سيأخذه من لبنان

خطأ حسابات بيروت في التعامل مع موجبات القانون قد يكون مكلفاً

  • أحمد عياش

قبل أن تتخذ الحكومة اللبنانية موقفاً رسمياً من "قانون قيصر" الذي شرعت وزارة الخزانة الأميركية في تطبيقه اعتباراً من الأول من حزيران/ يونيو من العام الحالي، بدأت دوائر رسمية تتحدث عن معطيات تتصل بعقوبات قد يلقاها لبنان على المستويين العام والخاص في حال قررت واشنطن تطبيق القانون بحذافيره. لذلك، جاء القرار بتوزيع نسخ بالعربية على أعضاء الحكومة بعد بدء سريان مهلة تطبيق القانون كي يتم تدارس سبل تفادي هذه العقوبات. فما هي هذه المعطيات؟

 

"فرض العقوبات".. النسخة العربية

 

أبرز هذه المعطيات، ما يتصل بما جاء في النسخة العربية التي تسلّمها الوزراء ضمن فقرة حملت عنوان " فرض العقوبات". وفي تفاصيل هذه الفقرة، أن رئيس الولايات المتحدة له صلاحيات فرض عقوبات على "شخص أجنبي" إذا ما تبيّن للرئيس أن هذا الشخص "يوفر عن علم، دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو ينخرط عن علم، في صفقة كبيرة مع الحكومة السورية، بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه الحكومة السورية، أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية"، كما تشمل العقوبات كل من "يبيع أو يقدم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية"، وأيضاً تشمل العقوبات كل من "يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية"، وأخيراً يعاقب القانون الأميركي كل من "يوفر عن علم، سلعاً أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة موصوفة (بتبعيتها للنظام السوري)، أو يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسية مهمة إلى الحكومة السورية".

 

تأثيرات القانون على المشاريع قيد الإعداد

 

قبل أن تحدد الحكومة اللبنانية مناطق العقوبات التي تعنيها مباشرة، بدأت تتسرّب معلومات حول تأثيرات القانون على مشاريع كانت قيد الإعداد ينخرط فيها رجال أعمال محسوبين على جهات رسمية وسياسية بارزة في البلدين. وبين هذه المشاريع، مشروع ضخم لإعادة إعمار سورية بدأ الجانب اللبناني الذي يضم رجل أعمال بارزاً قريباً من مرجع حكومي سابق ورجل أعمال معروفاً بعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري منذ عقود، كما يضم عن الجانب السوري قريباً للرئيس السوري بشار الأسد بتحضير الأعمال التي يتطلبها المشروع بأن أوصى على مئات المركبات والرافعات والمعدات كيّ يستوردها عند بدء مرحلة الإعمار في سورية، لكن قانون العقوبات الأميركية تسبب في تعليق هذا التحضير بعد أن تبيّن أن المشروع سيخضع لعقوبات هذا القانون.

في موازاة هذا الانكفاء عن مشاريع ستطالها العقوبات، بدأت مؤسسات وشركات تعمل في قطاعات مالية وتقنية ونفطية مرحلة قطع كل الصلات التي كانت قائمة قبل سريان تطبيق "قانون قيصر" مع سورية. وأفاد خبراء أن إجراء قطع مثل هذه العلاقات أتى على خلفية بنود صريحة في القانون تشير الى هذه المؤسسات. ومن هذه البنود على سبيل المثال لا الحصر والواردة في "المادة 101: التدابير المتعلقة ببنك سوريا المركزي"، ففي هذه المادة نص صريح على أنه "في موعد لا يتجاوز 180 يوماً من تاريخ سن هذا القانون، يحدد وزير الخزانة، بموجب المادة 5318A من العنوان 31 من قانون الولايات المتحدة، ما إذا كانت هناك أسباب منطقية للإستنتاج بأن البنك المركزي السوري هو مؤسسة مالية تعنى أساساً بغسل الأموال"، ويلفت الخبراء النظر إلى أن هذه المادة في حال التوسع فيها ستصل إلى كل الأنشطة المالية للبنك السوري مع مؤسسات مالية خارجية بينها مصارف وشركات أموال لبنانية أسست لها أعمالاً في سورية.

 

قانون قيصر يتطلب مراقبة منافذ الإستيراد اللبنانية

 

وفي تصور لأحد مراكز الابحاث في لبنان والتي تعدّ دراسات لمصلحة جهات رسمية خارجية مثل الاتحاد الأوروبي، فإن تطبيق قانون قيصر يتطلب مراقبة منافذ الاستيراد إلى لبنان وتحديداً مرفأ ومطار بيروت، لتتبع وجهة المواد المستوردة النهائية، وما إذا كانت ستمضي إلى سورية وتحديداً المواد التي يعاقب القانون الأميركي على وصولها الى الداخل السوري الذي يخضع لسيطرة النظام السوري وحلفائه. وهذه المواد تشمل، كما سلف، سلعاً تكنولوجية وما له صلة بالغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية وقطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية. ومن المقترحات في هذا المضمار، أن تكون هناك رقابة مباشرة داخل حرميّ المرفأ والمطار، لكن الخبراء استبعدوا اللجوء إلى الرقابة المباشرة في هذيّن المرفقين نظراً إلى ما قد يعترض هذا الإجراء من عقبات على المستويين الرسمي والسياسي اللبناني. ورجح الخبراء أن تتم المراقبة بوسائل خاصة تتمتع بها السفارة الأميركية في بيروت بالتعاون مع أجهزة رسمية وفق برتوكولات تعاون مشترك مبرمة سابقاً بين البلديّن، وأعطى هؤلاء الخبراء مثل ما أنجزه التعاون الأميركي-اللبناني في مجال مكافحة تبييض العملات والاتجار بالمخدرات. ويلفت الخبراء الانتباه أيضاً إلى أن المصارف اللبنانية بدأت تحضّر نفسها لكي تتفادى أي تعاملات مع شركات أو أفراد قد تطالهم العقوبات من خلال الاستعداد لإنهاء هذه التعاملات في الوقت المناسب.

 

هل يعيد  قانون قيصر التباين

بين الخارجية الأميركية والكونغرس إلى الواجهة؟

 

على مستوى ديبلوماسي، لا تكتم أوساط رسمية حذرها من أن يعيد "قانون قيصر" إلى الواجهة، التباين بين الخارجية الأميركية والكونغرس. ففي الوقت الذي ركّز ديفيد شينكر مساعد ​وزير الخارجية​ الأميركي لشؤون ​الشرق الأوسط في أحدث تصريحات له على سلوك المسؤولين في لبنان درب الإصلاحات التي تفتح الأبواب أمام هذا البلد للحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي، بقي حاضراً في الأروقة الديبلوماسية مشروع السناتور الجمهوري تيد كروز من ولاية تكساس الذي قدّمه سابقاً مع ثلاثة أعضاء في المجلس من الحزبين، ويقضي بحسم 20 في المئة من المساعدات العسكرية للبنان. وإذا كان هذا المشروع يعود إلى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على خلفية مواجهة أنشطة "حزب الله"، فإن الأوساط الرسمية ترى في "قانون قيصر" ما يجدد الجدل حول فعالية الأجهزة الرسمية في لبنان في مواجهة هذه الانشطة التي تتعارض مع احكام هذا القانون. وأشارت إلى أن القانون الذي أبصر النور بقرار من الحزبيّن الجمهوري والديموقراطي، لا يعطي هذه المرة هامشاً لمرونة تمارسها وزارة الخارجية الأميركية، كما فعلت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ما أدى إلى إلغاء قرار تجميد المساعدات العسكرية الأميركية للبنان، بما في ذلك مساعدات بقيمة 105 ملايين دولار لتمويل شراء معدات للجيش. وجاء الغاء القرار بعد أن أعلنت الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة "تعزيز القوات اللبنانية المسلحة ودعمها خصوصاً في مرحلة الاضطرابات الحالية في لبنان".

يقول ديفيد بولوك وهو كبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن "قانون قيصر" لم يأت وفق حسابات داخلية أميركية، بل جاء نتيجة تفاعل مع دعوات من ملايين السوريين الذين صاروا خارج وطنهم، ما يجعل تطبيقه خارج الحسابات الخاصة.

 

لبنان: الخطأ في الحسابات مكلف

 

في لبنان، هناك من بدأ يشعر بدقة المرحلة التي انطلقت بداية الشهر الحالي مع تنفيذ القانون، ويدرك هذا الطرف الذي يتصف بأنه يتحمّل المسؤوليات في القطاعيّن العام والخاص، أن هامش الخطأ في الحسابات بالتعامل مع موجبات هذا القانون سيكون مكلفاً في الزمن اللبناني الصعب.