كيف تأثّرت تحويلات المغتربين خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية؟

  • 2020-06-10
  • 19:00

كيف تأثّرت تحويلات المغتربين خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية؟

  • حنين سلّوم

تشكل تحويلات المغتربين جزءاً لا يتجزأ من اقتصادات البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل لا وبل هي ركن أساسي لبعضها، وقد تبيّن على مرّ السنوات أنّ التحويلات بطبيعتها counter cyclical أي أنّها معاكسة للدورة الاقتصادية فهي ترتفع خلال فترات الركود الاقتصادي وذلك على عكس تدفقات رأس المال التي تميل إلى الانخفاض. لكن، وفقاً لتقرير نشرته (Institute of International Finance IIF)، ستنخفض تحويلات المغتربين بشكل كبير خلال العام الحالي بشكل أساسي بسبب التداعيات الاقتصاديّة لتفشّي وباء كورونا في العالم.

تتأثّر تحويلات المغتربين من بلد الاغتراب إلى بلد المنشأ بعوامل عدة منها النمو الاقتصادي في بلد الاغتراب، تغيّر سعر الصرف، أسعار الفائدة، القدرة على تحويل الأموال عبر الحدود وتكاليف إتمام هذه التحويلات.

أدّى تفشّي وباء كورونا إلى تراجع قطاعات عدّة يُرجح فيها توظيف المهاجرين وهي الطعام والضيافة، تجارة التجزئة والجملة، السياحة والنقل، ويميل المهاجرون أيضاً إلى العمل في القطاعات التي تأثّرت جزئياً ولكن حيث تكون مخاطر العدوى أعلى بشكل ملحوظ مثل الزراعة، تجهيز الأغذية، والرعاية الصحية. وفي ظل هذه الأحداث ونظراً إلى محدوديّة خبرات المغتربين يصعب عليهم التحول عبر القطاعات لضمان فرص عمل وهو ما أثّر سلباً على تحويلاتهم إلى بلد المنشأ، فقد توقّعت IIF أن تنخفض التحويلات بنحو 20 إلى 30 في المئة بينما انخفضت بنسبة 5 في المئة فقط خلال الأزمة الماليّة العالميّة ما بين العامين 2008 و 2009، فضلاً عن ذلك، إنّ حمل النقود إلى بلد المنشأ هو الطريقة المفضلة لتوصيل النقود لتفادي التكاليف الإضافيّة التي تتوجّب إثر تحويل النقود إلكترونياً.

التحويلات: من أين وإلى من؟

يأتي الانخفاض الكبير في تدفقات التحويلات سنة 2020 بعد أن وصلت التحويلات في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إلى رقم قياسي بلغ 551 مليار دولار سنة 2019 أي نحو 78 في المئة من إجمالي التحويلات العالميّة التي وصلت إلى 706 مليارات دولار. إنّ الاقتصادات التي تمثل الجزء الأكبر من تدفقات التحويلات العالمية هي من بين الأكثر تعرضاً لتداعيات الوباء وأسعار النفط، وتمثل الولايات المتحدة معظم التدفقات إلى أميركا اللاتينية، كما تعدّ أوروبا مصدراً مهماً للتحويلات المالية إلى أفريقيا وأوروبا الشرقية، وأخيراً يرسل المغتربون من دول مجلس التعاون الخليجي الأموال إلى أهلهم في أفريقيا وآسيا.

من بين البلدان المتلقية الرئيسية، تمثل الأسواق الناشئة مثل الهند، الصين، المكسيك، الفيليبين، مصر ونيجيريا ما يقرب 40 في المئة من جميع التحويلات بعملة الدولار.

ما أهميّة هذه التحويلات؟

يساعد نحو مليار مهاجر حول العالم أسرهم في بلدانهم الأم عن طريق إرسال تحويلات مالية، ويُعتقد أن أكثر من ربع هؤلاء المهاجرين يعملون خارج بلاد المنشأ، في حين أن ثلاثة أرباعهم هم من المهاجرين الداخليين. وفي المتوسط، يعيل كل مهاجر يرسل الأموال إلى الوطن نحو ثلاثة أفراد من أسرته، وفقاً لـ Dilip Ratha المؤلف الرئيسي لتقرير البنك الدولي الجديد حول تأثير وباء كورونا على التحويلات.

من أفريقيا إلى آسيا فأميركا اللاتينية، تشكّل تحويلات المغتربين مصدراً أساسياً للدخل، فغالباً ما تشكل هذه التحويلات 60 في المئة من دخل الأسرة وتقدر إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة أن 75 في المئة من هذه الأموال تستخدم لتغطية الأساسيات مثل الطعام والرسوم المدرسية والنفقات الطبية. في الواقع، ليس لدى العديد من متلقي التحويلات أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، لذا فهم غير قادرين على سد أي فجوة في الدخل ناجمة عن انخفاض التحويلات وهو ما قد يؤدّي إلى ارتفاع عدد العائلات التي تعيش ما دون خط الفقر.

ومع ارتفاع الهجرة في العقود الماضية، ازدادت أهمية التحويلات المالية إلى التنمية أيضاً، فالتدفقات إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أكبر بثلاث مرات من المساعدة الإنمائية وتساوي تقريباً الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفي 66 دولة شكلت هذه التحويلات الدولية 5 في المئة أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2019.

ماذا عن التكلفة؟

اعتباراً من آذار/مارس 2020، بلغ متوسط التكلفة العالمية لإرسال 200 دولار 6.79 في المئة أي 13.58 دولار وهو أعلى من أهداف التنمية المستدامة SDG التي حدّدت هذه النسبة عند 3 في المئة. في الواقع، إن جزءاً كبيراً من هذه التكلفة سببها أن التحويلات عبر الحدود تفرض في بعض الدول تحويل الأموال من عملة بلد الاغتراب إلى العملة الوطنيّة أو الدولار الأميركي، ومع ذلك، فإن التقلبات الاقتصادية الناجمة عن الوباء جعلت من الصعب على مقدمي خدمات التحويلات تحديد أسعار الصرف مما أدى إلى ارتفاع الرسوم المتعلقة في بعض البلدان.

من جهة أخرى، أحد أبرز العوامل التي قد تعوض ارتفاع هذه الرسوم هو انخفاض قيمة عملات الدول المتلقية مما سيزيد من قيمة ما يرسله المهاجرون إلى بلادهم كما هي الحال في لبنان مثلاً. في هذا السياق، تشير تقديرات البنك الدولي أن تدفقات التحويلات إلى لبنان قد ارتفعت بنسبة 7.6 في المئة سنة 2019 لتصل إلى 7.5 مليارات دولار مشكّلة ما يقرب 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2019 وهي ثاني أكبر نسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعّد تكاليف إرسال التحويلات إلى لبنان من ألمانيا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا من بين الأعلى في المنطقة، وتوقّع البنك الدولي أن يشهد لبنان انخفاضاً بنسبة 17 في المئة سنة 2020 في تدفقات التحويلات المالية، لكن في المقابل سيساهم تراجع قيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي بالتخفيف من وطأة تراجع التحويلات.

مصر: أبرز البلدان العربيّة المتضرّرة

تعتمد مصر بشكل أساسي على تحويلات المغتربين التي وصلت إلى نحو 34 مليار دولار سنة 2019، وفقاً للبنك المركزي المصري، أي مرتفعةً بنسبة 33 في المئة على أساس سنوي وقد شكّلت التحويلات نحو 12 في المئة من الناتج الإجمالي المحلّي للبلاد، وبما أن مصر تحتل المركز الخامس عالميّاً من حيث حجم التحويلات التي تتلقّاها، توقّع تقرير IIF أن تكون من بين البلدان الأكثر تضرّراً إثر تراجع التحويلات.

تسعى مصر منذ سنوات إلى تحسين الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة في البلاد وتشكّل تحويلات المغتربين جزءاً أساسياً من خطتها فهي تساهم في نمو الاقتصاد وتثبيت الاحتياطات الأجنبيّة للبلاد ولا شك أنّه من المرجّح أن تكون لتراجع التحويلات تداعيات سلبيّة على الاقتصاد المصري ككل.

السعوديّة والكويت أبرز مصادر التحويلات عربياً

شكّلت المملكة العربيّة السعوديّة والكويت المصدر الثاني والثامن على التوالي للتحويلات العالميّة سنة 2018 حيث سجّلت التحويلات 33.6 مليار دولار من المملكة و14.3 مليار من الكويت، وبما أنّ هذه البلاد تأثّرت ليس فقط بوباء كورونا بل أيضاً بتراجع أسعار النفط، من المتوقّع أن تتأثر هذه التحويلات بشكل كبير وهو ما سوف ينعكس على بلاد العمالة الأجنبية في آسيا وأفريقيا خصوصاً، هذا، ومن المتوقّع أن تنخفض هذه التحويلات في السنوات المقبلة لأسباب أخرى أبرزها سعي هذه البلاد إلى توطين معظم الوظائف وذلك لخفض نسبة البطالة في البلاد.