دول الخليج بحاجة إلى تسريع التوطين لتحقيق استقرار سوق العمل

  • 2020-05-18
  • 17:26

دول الخليج بحاجة إلى تسريع التوطين لتحقيق استقرار سوق العمل

  • الياس بارودي

سلّطت إجراءات التعطيل الشامل للأعمال الذي فرضته جائحة كورونا، الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه العمالة الأجنبية (غير الماهرة في غالبيتها) في تشغيل الاقتصاد الخليجي.

فبحسب المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن العمالة الأجنبية تمثل ثلثي حجم العمالة في الخليج، وهي تمثل ما بين 40 و50 في المئة من حجم العمالة السعودية، لكنها تصل إلى 90 في المئة من العمالة الإجمالية في دولة الإمارات العربية المتحدة. 

يعيش أكثر من 17 مليون أجنبي في دول الخليج الست، ويرتفع العدد الكلي إلى 23 مليوناً أو أكثر، بعد إضافة أفراد أسر العمالة الوافدة، أي قرابة نصف السكان، البالغ عددهم 48.8 مليون، بحسب أرقام المركز الإحصائي لدول المجلس.

إن الدور الكبير للعمالة الأجنبية في دول الخليج كان ولا يزال ظاهرة ذات وجهين، فالعمّال الأجانب باتوا جزءاً أساسياً من سوق العمل والنسيج الاقتصادي بحيث لا يمكن تصور استمرار أي بلد خليجي بصورة طبيعية من دونهم، لكنهم من ناحية أخرى يمثلون عبئاً كبيراً على مروحة الخدمات العامة وعلى موازين المدفوعات من خلال التحويلات السنوية التي يقومون بإرسالها إلى بلدانهم، والتي وصلت في العام الماضي، بحسب البنك الدولي، إلى 124 مليار دولار، كما إن هناك تقديرات بأن حجم التحويلات التي أرسلها العاملون الهنود وحدهم إلى بلدهم من بلدان الخليج في العام 2018 بلغ نحو 78 مليار دولار. في الوقت نفسه، فإن المملكة العربية السعودية أصبحت اليوم وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، بين أكبر الدول التي تقصدها العمالة المهاجرة في العالم بمرتبة مماثلة لألمانيا، وأن الإمارات العربية المتحدة الذي يبلغ عدد مواطنيها نحو مليوني شخص، استقبلت في العام 2019 عدداً من العمالة المهاجرة أكبر مما استقبلته فرنسا وكندا.

 

تناقص طبيعي

لكن في جميع الظروف وكل الحالات، فإن حجم العمالة الأجنبية في الخليج يتجه إلى الانخفاض منذ سنوات نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة، لكن التناقص الطبيعي لن يغير على الأرجح، المعادلة العامة القائمة بين العمالة المحلية والأجنبية، لأن هذه المعادلة تستند إلى عوامل بنيوية تتعلق بطبيعة الاقتصاد ونوع توزيع العمل الذي استقر بين عمالة غير ماهرة ومهن دنيا لن تجد من يقوم بها من المواطنين، وبين مهن أخرى مثل العمل الحكومي وعدد متزايد من الوظائف في القطاع الخاص، وهذا التوزيع في الأدوار يمكن إمالته نحو العمالة الوطنية عبر تطوير المهارات والتدريب لكن فقط بنسبة معينة وذلك لأسباب ثقافية في الدرجة الأولى. لذلك، فإن على دول الخليج القبول بهذا الواقع على مستوى المهن الدنيا مع محاولة اجتذاب وتوطين المهارات العليا والكفاءات العلمية والتكنولوجية ومهارات الأعمال والاستثمار.  

تأكيداً لهذا الاتجاه، سارعت حكومات الخليج إلى إصدار قرارات بضرورة توفير الرعاية والعلاج من وباء كورونا للوافدين أسوة بالمواطنين. ففي المملكة العربية السعودية أقرّت الحكومة برنامجاً بقيمة 32 مليار دولار لدعم قطاع الأعمال بما قد يساعد على دفع تكلفة الاحتفاظ بالعمّال والموظفين، وفي الكويت تعمل الحكومة على توجيه حزم اقتصادية لدعم المواطنين في القطاع الخاص، والذين يقارب عددهم نحو 72 ألف موظف مقيدين على البابين الخامس والثالث في سجلات مؤسسة التأمينات الاجتماعية. وتهدف هذه الحزم إلى ضمان محافظة المواطنين على وظائفهم في القطاع الخاص وعدم المساس برواتبهم. وتقدر قيمة هذه الحزم بنحو 220 مليون دينار (711 مليون دولار)، وهي تمتد لـ 6 أشهر وبأثر رجعي، إذ بدأت في آذار/مارس الماضي وتستمر حتى شهر آب/أغسطس المقبل. أمّا في الإمارات، فقد عملت الحكومة عبر وزارة الموارد البشرية والتوطين في نهاية آذار/مارس الماضي على إطلاق برنامج وطني لدعم استقرار سوق العمل في القطاع الخاص بما يضمن استمرارية تأدية الأعمال، وتضمن البرنامج حزمة من الإجراءات لدعم أصحاب العمل والعاملين في القطاع من مواطنين ومقيمين بما يتكامل مع حزم الدعم الاقتصادي التي قدمتها الدولة، هذا فضلاً عن حزم الدعم المالية للقطاع والتي وصلت إلى 26.5 مليار درهم.

وأعلنت قطر عن برنامج لدعم القطاع الخاص بقيمة 24 مليار دولار يستهدف المحافظة على وظائف العمالة الأجنبية، كما ألحقت ذلك ببرنامج قروض للمؤسسات بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 865 مليون دولار لمساعدتها على دفع الرواتب والأجور وإيجارات العمال والموظفين. 

كذلك أعلنت مملكة البحرين عن برنامج تدعم من خلاله أجور مواطنيها العاملين في القطاع الخاص والذين يبلغ عددهم بحسب التقديرات نحو مئة الف موظف بكلفة 570 مليون دولار لتغطية أجور أشهر نيسان/أبريل وايار/مايو وحزيران/ يونيو بمعدل شهري يبلغ 190 مليون دولار.

أضف إلى ذلك، أن عدداً من بلدان الخليج يتحمل نفقات الكثير من العمال الراغبين في العودة ويسعى إلى تسهيل عودتهم بالتنسيق مع دولهم، بل إن بعض الدول الخليجية يتحمل كلفة العودة للمغادرين.

إنعكاسات خروج العمالة الوافدة على المصارف

لكن على الرغم من هذه الإجراءات التشجيعية، فإن منظمة العمل الدولية تتوقع أن تكون أعداد العاملين الأجانب المغادرين لبلدان الخليج أعلى بكثير هذه المرة مما حدث في السنوات 2014-2015 مع فارق هو أن الأعداد الجديدة تشمل نسبة كبيرة من كبار المدراء والكوادر الفنية والمالية والمصرفية، والذين قرروا المغادرة وهذا فارق نوعي ولا شك، كما إن هناك مخاوف بأن ينعكس الخروج الكثيف هذا على القطاع المصرفي في الخليج من حيث إنه سيترافق مع سحوبات وإقفال الحسابات وإن كانت صغيرة وربما تخلف عن تسديد الديون وكذلك تراجع في العمليات اليومية ومنها تحويلات إلى الخارج التي تشكل جميعها مصدر دخل مهماً للمصارف.

في الختام، فإن دول الخليج تأخذ الآن من جائحة الكورونا درساً مهماً للمستقبل وهو أهمية أن تحقيق المزيد من الاستقرار في سوق العمالة خصوصاً من خلال تحول هذه الدول إلى نقاط جذب للمهارات والكفاءات الأجنبية من خلال برامج التشجيعات والحوافز التي بدأ العمل بها خلال العامين الماضيين أم عبر تطوير تلك البرامج وزيادة نطاق المستفيدين منها، فالواضح أن الوافد أو الأجنبي الذي يتم ضمه إلى المجتمع عبر الإقامة الدائمة أو حتى التجنيس يصبح عنده انتماء للبلد ويصبح بالتالي حريصاً على المساهمة في المجهود العام خلال الأزمات بل وتحمل بعض الثمن كجزء من واجبه المدني.