كورونا يقلب سوق الاستهلاك رأساً على عقب

  • 2020-04-17
  • 21:07

كورونا يقلب سوق الاستهلاك رأساً على عقب

البقالة والإنترنت والترفيه المنزلي أبرز التحولات

  • رشيد حسن

أدى وباء كورونا والخطط العالمية لاحتوائه إلى تبديل شامل في الطريقة التي بها نعمل أو نمارس نشاطنا الاستهلاكي اليومي، ويظهر التاريخ أن ما تفرزه الأزمات الكبرى من تغييرات أساسية لا يزول بالضرورة مع زوال الأزمة، إذ إن الأزمات العميقة، حتى وإن بدت مؤقتة، يمكن أن تبدّل قناعات الناس وسلوكهم، لذلك فإن التحدي الأساسي للشركات سيكون قريباً في كيفية التخطيط لعالم ما بعد كورونا بدل الاكتفاء بعودة المياه إلى مجاريها.

من أجل محاولة فهم الوضع الجديد بدأت معاهد الأبحاث تركز على دراسة التغييرات التي أحدثها الفيروس حتى الآن في السلوك وفي القناعات والتي قد تمهّد بدورها لوضع سياسات وأساليب جديدة في العيش والعمل والحاجات الاستهلاكية الجديدة التي برزت خلال الأزمة، وقد يستمر بعضها لوقت طويل.

توقف الباحثون عند بعض الأحداث الإنسانية الكبرى مثل طاعون القرن الرابع عشر الذي قضى على نحو 25-30 مليوناً أو ثلث سكان أوروبا لكنه كان العامل الأهم في القضاء على الإقطاعية والتمهيد لعصر التنوير من خلال تزايد وزن القوة العاملة. بالمعنى نفسه فإن الحرب العالمية الثانية لعبت دوراً أساسياً في تمكين المرأة بسبب تشجيع النساء على ملء الوظائف التي تركها الرجال الذين توجهوا إلى جبهات القتال، وعلى الأرجح فإن خروج المرأة إلى سوق العمل، كان من العوامل التي أذكت حركة التحرر الاجتماعي والتحولات السلوكية للستينات وما بعدها.

كذلك، كان لهجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر تأثير أساسي في إعادة تعريف مفهوم الطيران وأمن المجتمع، وأسفرت تلك الهجمات عن تشدد كبير في البيئة الأمنية في الدول المتقدمة وبقية أنحاء العالم.

أما وباء SARS الذي ضرب الصين بصورة خاصة في العام 2003 فقد كان بدوره العامل الأهم وراء الإحجام المتزايد من قبل الصينيين عن التسوق في الخارج والذين اتجه قسم كبير مهم نحو التسوق على الإنترنت، وسيساهم وجود شبكات للتسوق على الشبكة مثل "علي بابا" و "إي باي" و"أمازون" في التشجيع على هذا النهج. وعلى الرغم من أن أزمة "سارس" لم تمتد إلى أكثر من بضعة أشهر، فإن العديد من الصينيين لم يعودوا إلى النمط السابق، بل زادت نسبة استخدامهم للتسوق عبر الإنترنت وعززت القفزات الكبيرة التي تحققها الصين في تقنيات الهواتف الذكية والإنترنت والربط الرقمي في دفع المجتمع الصيني أكثر فأكثر نحو الاقتصاد الرقمي بجوانبه كافة.

بالمعنى نفسه، فإن الـ BCG يرون أن وباء كورونا سيحدث تغييرات عميقة ودائمة في المجتمعات الحديثة وفي أنماط السلوك والاستهلاك، ومن أهم الاتجاهات التي قد تبرز من الأزمة:

  1. المزيد من سرعة الاستجابة والمرونة في التعامل مع الأزمات ولاسيما الأوبئة.
  2. تغييرات دائمة في أنماط العمل والاستهلاك والتعليم وغيرها باتجاه اتساع نطاق العمل والتعليم عن بُعد، وتطبيق هذا الأسلوب على عدد كبير من أوجه النشاط اليومي في الاقتصاد والحياة المدنية.
  3. نظرة جديدة إلى التوازن بين العمل وبين حياة الأسرة ونوعية الحياة.
  4. تركيز أكبر على الفوارق الاجتماعية وأهمية التضامن المجتمعي ووجود نظام صحي للجميع.
  5. تراجع العولمة وتعزز التوجهات القومية كما سينعكس في الرقابة على الحدود والتجارة والجهوزية لمواجهة الأزمات والاهتمام بدور التطور الرقمي في زيادة الفعالية في إدارة الحالات الطارئة.

 

أخيراً، يشير الباحثون إلى أن المثال الصيني يعطي الأمل في إمكان العودة بالمجتمعات إلى الوضع الطبيعي، وإن تدريجياً، ذلك أن الصين، وعلى الرغم من استمرار ظهور الإصابات، تمكّنت من العودة إلى العمل فعاد استهلاك الطاقة إلى 80 في المئة من مستوى ما قبل الأزمة، بينما عادت حركة البضائع والأشخاص إلى نحو 70 في المئة عمّا كانت عليه قبل الأزمة.