لبنان: تثبيت أسعار المحروقات ضريبة مُقنّعة أم إجراء مُقنِع؟

  • 2020-03-20
  • 08:20

لبنان: تثبيت أسعار المحروقات ضريبة مُقنّعة أم إجراء مُقنِع؟

من المستفيد الأكبر وهل "تصبّ" الحكومة البنزين على النار؟

  • مازن مجوز

ينعكس انخفاض أسعار النفط عالمياً سلباً على العديد من اقتصادات الدول المنتجة والمصدرة، لكنه بالنسبة إلى أخرى قد يشكل ثغرة في جدار الفاتورة المرتفعة.

ومن الدول المستفيدة من هذا الإنخفاض قد يكون لبنان الذي يعتمد في استهلاكه من المحروقات على الاستيراد، الأمر الذي يرجّح، وفي ظل تراجع أسعار النفط عالمياً، انخفاض فاتورة استيراده من 3 إلى نحو ملياري دولار سنوياً، أي ما نسبته 30 في المئة، وعليه يمكن للدولة أن تستفيد من هذا الواقع في تخفيض نفقاتها وزيادة حجم الواردات الى الخزينة، وذلك من باب أن صفيحة البنزين قد توفر للدولة نحو ملياري ليرة أسبوعياً.

قرار أناني وحكومة انتهازية

مما لا شك فيه، أنّ قرار التثبيت الذي اتخذته الحكومة في 12 من الشهر الحالي، خلق جدلاً كبيراً وواسعاً بأبعادٍ متنوعة، وفي هذا السياق تُعلق مصادر متابعة بالقول: " القرار أناني، وتنظر إليه الحكومة كفرصة انتهازية توفيرية لزيادة المداخيل والإيرادات، وبدلاً من أن توفر أكثر على جيب الشعب الذي تعصف به أزمة اقتصادية ومعيشية ومالية ونقدية كبيرة، حوّلت الفرصة الراهنة إلى عبء إضافيٍ ثقيل".

وتؤكد المصادر أن "هذا يعزز الفكر الانتفاعي لدى الحكومة، وكأنها تفرض قانونياً وأيضا حسابياً ضريبة إضافية مقنعة، مذكرةً بأن المادة 81 من الدستور، في الباب الرابع والمتعلقة بالأمور المالية العامة واضحة، وتفيد بعدم جواز إحداث ضريبة وجبايتها إلا بموجب قانون يصدر عن المجلس النيابي وعدم الاكتفاء به كقرار هذا من حيث الشكل"، لافتةً الانتباه إلى "أن الحكومة متناسية أنها تفرض أساساً على كل صفيحة رسماً ب5000 ليرة بالإضافة الى 11 في المئة  ضريبة مضافة، يُضاف إليها تكاليف النقل والمكاسب الجعالية لمصلحة المحطات والشركات المستوردة".

أين ستصرف هذه المداخيل ؟

وإذ توضح المصادر بأن سعر صفيحة البنزين خاضعٌ لا محالة لعوامل واعتبارات عالمية كثيرة وتقلبات عديدة، تكشف أن الحكومة "لعبتها نظيفة" إذ إنها لم تفرض ضريبة إضافية، مستغلةً الهامش من التفويض التشريعي الممنوح لها من البرلمان بُغية التعامل مع الأمور الملحة والطارئة.   

ومن هنا تتجلى الصورة أكثر بأن الحكومة "ضربت عصفورين بحجر واحد" فمن جهة نجحت "وبسرعة" في تأمين موارد مستحدثة للخزينة، ومن جهة ثانية تجنبت فرض ضريبة إضافية على البنزين، وهو أمر يُقال إنه كان بند من سلة البنود التي اقترحها وفد صندوق النقد الدولي خلال اجتماعاته الأخيرة مع الحكومة للخروج من المأزق الاقتصادي الكبير الراهن، هذه الموارد التي ستأتي حتما من جيوب المواطنين، ليصبح المواطن والحالة هذه الخاسر الأكبر، والذي من حقه أن يسأل أين ستصرف هذه الأموال التي ستدخل خزينة الدولة؟ وما هي أولويات صرفها؟

لا يختلف اثنان حيال اعتبار المرحلة الحالية حساسة وخطيرة خصوصاً إثر إعلان الحكومة يوم الأحد الماضي حالة التعبئة العامة في مواجهة فيروس كورونا إلى29 من الشهر الحالي، فيما لا يزال يعيش حالة طوارئ صحية، وقد شهدنا إعلان عدد من الوزراء والنواب تقدمهم بمخصصاتهم الشهرية إلى عدد من المستشفيات الحكومية وعلى رأسها مستشفى رفيق الحريري الحكومي، انطلاقا من مفهوم التضامن الوطني والإنساني، فهل ستبادر الحكومة إلى تخصيص هذه المداخيل للقطاع الطبي والصحي (لا سيما الوقائي) لتعزيز قدراته في مواجهة هذا الفيروس القاتل؟ أم ستلجأ إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي من خلال المساعدات الاجتماعية للعائلات الأكثر فقراً وعوزاً؟ أم سيكون لها خيار آخر، علماً أن المرحلة لا تنتظر وصول المساعدات من الخارج، وتتطلب منها بالتأكيد الوقوف أكثر إلى جانب الشعب اللبناني. 

الضريبة ما بين 26 و36 في المئة

ومقابل التثبيت هناك التطبيق، إذ إن اللافت للانتباه أن استهلاك مادة البنزين سيتراجع نسبياً في حالتي التعبئة العامة و" الحجر الذاتي " التي فرضتها الحكومة، لاعتبار التزام الناس بشعار " خليك بالبيت والتشجيع الحاصل على مستويات عدة عليه".

وفي مقاربة يقدمها أمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية،  وعميد كلية ادارة الأعمال في الجامعة اللبنانية الالمانية البروفسور بيار الخوري،  لما سيحققه تثبيت سعر صفيحة البنزين الخاضع لا محالة لعوامل واعتبارات عالمية كثيرة وتقلبات عديدة( كما سبق وذكرنا)،  قام من خلالها خوري باحتساب علاقة سعر الصفيحة ( نوع 95 أوكتان )  للمستهلك بالاستناد إلى سعر مرجعي واحد هو "برميل برنت"،  وهنا يكشف عن " معادلة لسعر النفط تعتمدها وزارة الطاقة غير معلن عنها وهي تأتي بفارق زمني 3 أسابيع عن تحرك الاسعار العالمية"،  ليشرح: "اذا ما اخذنا السعر للمستهلك وحسمنا منه الجعالة 1900 ثم حسمنا تكاليف النقل نحو 1100 ثم ضريبة ال 5000 ليرة،  ثم حسمنا ضريبة ال 11 في المئة على سعر الأساس،  فإن سعر الأساس يتحرك دائما بحدود 15 في المئة من سعر النفط كما هو موضح أدناه ".

ويتابع خوري :" هذا قبل قرار التثبيت،  لكن بعد قرار التثبيت وباستخدام  المعادلة نفسها سترتفع حصة الضريبة بما يؤول إلى أن تكون علاقة سعر الأساس بسعر برميل البرنت هي بين 26 و36 في المئة بحسب محاكاة simulation  لأسعار النفط العالمية ".

الدولة رابحة

ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا تبين لغة الأرقام أن الدولة ستكون الرابح الأكبر من قرار التثبيت على المديين القريب والمتوسط، خصوصا في ظل إستبعاد الوكالة الدولية للطاقة في 9 من الحالي تحسن أسعار النفط التي سجلت بعض التعافي بعد تدهورها الى أدنى مستوى منذ 12عاما، وأعلنت الوكالة في تقريرها الشهري أنه "من الصعب تصور كيف يمكن لاسعار النفط ان ترتفع بصورة ملحوظة على المدى القصير، في حين أن السوق متخمة بالنفط، لافتة إلى ان مخاطر تراجع الاسعار على المدى القصير باتت أكبر".

وفي ظل ترجيح كفة التراجع على كفة الإرتفاع في سعر برميل البرنت يتبين أن نسبة الأرباح التي تجنيها الدولة ترتفع مع كل إنخفاض في هذه الأسعار وفقا للمعادلة الآتية التي وضعها الخوري ويوضحها الرسم التالي:

 


وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحاكاة، لا تأخذ بعين الاعتبار تراجع نسبة الاستهلاك اليومي عن معدلها الطبيعي البالغ ( 200 الف صفيحة يوميا ) ، بعد إعلان حالة التعبئة العامة بسبب فيروس الكورونا. ويرجح خوري لجوء الحكومة الى إعادة تحرير السعر في حال ارتفع سعر البرميل فوق المستويات التي كانت سائدة قبل انهيار أسعار النفط، أي مستوى 60- 65 $ وتقول للمواطن عندها ( دبر حالك ).

وفي الختام رُبّ ضارة في انخفاض أسعار النفط عالمياً، تكون نافعةً عندنا في لبنان الذي يتأزم وضعه يوماً بعد يوم على كافة المستويات، ولا أمل إلا برجال سلطة يتحملون مسؤولية ويتمتعون بقدر كبير من الحكمة والوعي في إدارة أزماته.