لبنان يستدير مجدداً إلى صندوق النقد الدولي

  • 2020-03-16
  • 21:27

لبنان يستدير مجدداً إلى صندوق النقد الدولي

  • علي زين الدين

 تعود الحكومة اللبنانية إلى الهموم الاقتصادية والمالية الثقيلة، بعد أن اعتمدت "الطوارئ الصحية" ومقتضياتها سبيلاً للتعامل مع همّ كورونا الذي يشغل العالم أجمع ويفرض إيقاعه على أنماط الحياة وانعزال الناس في منازلهم، ويضرب خبط عشواء في اقتصادات الدول وأسواق الرساميل والبورصات والسياحة ومجمل مفاصل العمل والإنتاج.

وتشير معلومات من مصادر الفريق الاقتصادي الحكومي، إلى أن عربة صوغ خطة تتماهى مع "رؤى" صندوق النقد الدولي قد انطلقت فعلاً. ومن المرتقب تتويجها، خلال أسبوعين أو أكثر قليلاً، بمسودة عناوين خطة اصلاحية متكاملة، مستمدة من مضمون المشاورات التي جرت مع بعثة الصندوق التي زارت بيروت بناءً على طلب حكومي. وسيتم إرسال "الملخص" إلى إدارة الصندوق في واشنطن، تمهيداً لوصول بعثة جديدة تشارك في إعداد خطة متكاملة تحظى بالموافقة وتفتح النقاش الأهم والأكثر جدية حول برنامج دعم مالي يراعي "الخصوصيات اللبنانية".

وتتلاقى هذه الأجواء مع إشارة المتحدث باسم الصندوق جيري رايس إلى أنه "نظراً إلى خطورة الظروف الاقتصادية في لبنان، من المهم أن تضع الحكومة وتنفذ بسرعة مجموعة كاملة من الإصلاحات للتصدي بفاعلية للتحديات الاقتصادية وتحسين الآفاق الاقتصادية"، مستدركاً بأن "وفداً من صندوق النقد زار لبنان قبل بضعة أسابيع، وعاد إلى واشنطن بانتظار أن تسلم السلطات اللبنانية خطتها بشأن طريقة مواجهة التحديات الاقتصادية".

وتجزم المصادر بأن تسريع وضع ملف البرنامج مع الصندوق على نار حامية، يشي بحقيقة بلوغ الأزمة المالية للدولة مستويات حرجة وانسداد أفق أي حلول بديلة في المرحلة الحاضرة، بما يشمل تضاؤل الآمال بإمكانية الحصول على دعم مالي خارجي وبالأخص خليجي، فيما أظهرت البيانات المسلّمة من مصرف لبنان المركزي إلى المرجعيات الرئاسية، وجود احتياطات سائلة بالعملات الأجنبية لا تتعدى 22 مليار دولار، بما يشمل الاحتياط الإلزامي للبنوك على ودائع العملاء، وهو ما لا يسمح بأي مناورات في ظل ضغوط شديدة على المالية العامة التي تعاني جفاف موارد الخزينة، وعلى الجهاز المصرفي المنخرط أصلاً بانكشاف كبير على الديون الحكومية بالدولار وبالليرة وعلى "تجميد" توظيفات وشهادات إيداع تزيد على 70 مليار دولار لدى المركزي.

ما يبدو واضحاً حتى الساعة، هو أن انعدام وجود خيارات بديلة ومشاورات على أعلى المستويات، دفع بخيار اللجوء إلى الصندوق إلى الواجهة معززاً بغطاء سياسي جامع من قبل الاغلبية الداعمة للحكومة. وليست تفصيلا، بل هي مفصلية، المواقف التي صدرت عن أمين عام "حزب الله " حسن نصرالله، وفيها : "موقفنا واضح وبعيد عن أي التباس، وهو أننا لا نمانع لجوء الحكومة إلى استشارة أي جهة، أو أن تقدم أي مؤسسة مساعدة ضمن ضوابط . وحزب الله لا يرفض مساعدة خارجية للبنان. لكنّه يرفض وضع شروط محددة لأي قرض كتوطين الفلسطينيين او زيادة الضريبة على القيمة المضافة".

ونقلاً عن مسؤول مصرفي فإنه من المبكر استنتاج مدى استجابة مديري الصندوق للأمنيات اللبنانية بالحصول على الحدود القصوى للقرض المالي والمقدّر ما بين 9 و10 مليارات دولار، موزعة على دفعات تتماهى مع التقدم بتنفيذ الخطة الإصلاحية التي يتم التوافق عليها. لكن من الواضح أن هذا الرهان سيمنح لبنان فرصة فريدة لوقف الانهيارات في المرحلة الأولى، ويلزم الدولة من خلال قوة دفع ورقابة دولية حثيثة، بالشروع في تنفيذ التزاماتها الإصلاحية، والتي يمكن أن تفتح لاحقاً كوة جديدة لإعادة الاعتبار إلى مقررات مؤتمر "سيدر" والتزامات المانحين الإقليميين والدوليين، والمتضمنة تخصيص المشاريع الاستثمارية في البنى التحتية بنحو 11.2 مليار دولار على شكل قروض ميسّرة وطويلة الأجل.

 وفي سياق ذي مغزى، كان خبر الخفض الجديد للديون السيادية، قد حجب إشارة لافتة للانتباه صدرت عن وكالة التصنيف الدوليّة ستاندرد أند بورز S&P Global Ratings، ومفادها أن المؤسسة "ستقوم بتحسين تصنيف الدين بالعملة الأجنبيّة في حال توصّلت الحكومة اللبنانيّة لاتّفاق إعادة هيكلة لديونها مع دائنيها. أما في ما يخصّ الدين بالعملة المحليّة، فإنّ الوكالة قد ترفع تصنيف لبنان في حال انخفضت احتماليّة تعثّر لبنان في سداد هذه الديون، وهو الأمر الذي قد يحصل في حال تمّ تقديم دعم كبير من قبل المانحين وهو ما قد يساعد الحكومة على تطبيق إجراءات سريعة وجوهريّة".