كورونا يحيي قطاع المعقمات في لبنان

  • 2020-03-19
  • 09:00

كورونا يحيي قطاع المعقمات في لبنان

  • رانيا غانم

لطالما تلقت الصناعة اللبنانية ضربات متتالية موجعة في الآونة الأخيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية وأزمة الدولار، لكن رب ضرة نافعة، فقد جاءت أزمة فيروس كورونا المستجد لتنعش قطاع الصناعات الكيميائية وتحديداً صناعة المعقمات والمطهرات. فحالة الذعر التي خلقها المرض التاجي حثت الناس على اتخاذ أقصى إجراءات الوقاية فتدافعوا إلى شراء منتجات التعقيم بمختلف أنواعها، ما أدى إلى ارتفاع الطلب وإنعاش القطاع.

فالقطاع الذي كادت الأزمة الاقتصادية أن تقضي عليه أحياه وباء كورونا. وبهدف تلبية الطلب المتنامي على معقمات اليدين والمطهرات ومواد التنظيف، باشرت المصانع بتشغيل عجلة آلاتها 24 ساعة في اليوم سبعة أيام في الأسبوع. وأدى هذا الواقع إلى إنعاش قطاع الصناعات الكيميائية الذي يشكل ثالث أكبر مساهم في الناتج الصناعي المحلي بعد قطاع الصناعات الغذائية وصناعة منتجات المعادن، بحسب أرقام وزارة الصناعة. ويبلغ عدد الشركات المصنعة لمنتجات التنظيف والتعقيم نحو 150 مصنعاً، وفقاً للوزارة. وبلغت قيمة الصادرات من مستحضرات التنظيف فقط، باستثناء باقي الصناعات الكيماوية، 37 مليون دولار في العام 2019، وفقاً لإحصاءات الجمارك اللبنانية.

تضاعف الطلب 50 مرة

إن تصاعد وتيرة انتشار فيروس كورونا في لبنان، يرافقها ارتفاع غير مسبوق في الطلب على المعقمات. ويشير فادي فياض، المدير العام في شركة Sanita Persona التابعة لشركة Indevco، تضاعف الطلب 50 مرة في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس عن الفترة التي سبقتها. وبهدف تلبية هذا الطلب، عمدت الشركة إلى تحويل جزء كبير من آلاتها الصناعية، التي كانت تنتج أصنافاً مشابهة إلى إنتاج معقم اليدين. تضاعف الطلب أيضاً لدى Indevco على منتج معقم الأسطح الذي يستخدم في المستشفيات والعيادات نحو 30 مرة، وهذا دفع الشركة إلى زيادة إنتاجها لتلبية الطلب.

هذه هي أيضاً حال معظم مصانع المعقمات والمطهرات اللبنانية، إذ ارتفع الطلب ثلاثة أضعاف على المعقمات وتحديداً السبيرتو ومعقم اليدين لدى شركة ساداباك اللبنانية، المصنعة للمنتجات الكيماوية. ويقول المدير العام في شركة ساداباك سامي ضاهر: "لم نشهد طلباً مماثلاً على منتجات التعقيم في تاريخ الشركة".

شركة أوتري المتخصصة في إنتاج معقمات اليدين ومواد تعقيم أخرى للمستشفيات والفنادق والمطاعم قررت زيادة إنتاجها، ويقول رئيس الشركة هاني عريف في هذا الإطار إن "الطلبيات على هذه المنتجات زادت بنسبة كبيرة، أقله عشرة أضعاف، وذلك بعد وصول فيروس كورونا المستجد إلى لبنان".

كذلك، استفاد مصنعو المناديل المعقمة والمعطرة وتحديداً المضادة للبكتيريا من أزمة كورونا. ويشير ميشال دياب، المدير في شركة Lebanese Enterprise for Engineering Novelty (LEEN) المصنعة للمناديل الورقية إلى ارتفاع الطلب بنسبة 30 في المئة على المناديل المعقمة.  

للمعقمات المحلية حصة الأسد

وتستحوذ المعقمات المصنعة محلياً على حصة لا بأس بها من السوق، مدعومة بالمواصفات والمعايير العالية التي تتميز بها تلك المنتجات. وتصنع Sanita persona معقم اليدين وفقاً للمواصفات الأوروبية، إذ تفحص عينة من منتجها في مختبرات ألمانية، علماً ومنتجات Sanita للتعقيم حائزة على شهادات لقدرتها على قتل فيروسات عدة مثل الكورونا وH1N1 والإيبولا وغيرها، ويتوافر في السوق الكثير من الشركات الحاصلة على رخص من شركات عالمية للتصنيع محلياً مثل شركة هنكل وشركة سبارتن.

هامش أرباح أقل لكن مبيعات أكثر

أدى الارتفاع في الطلب على منتجات التعقيم إلى تصاعد أسعار المواد الأولية الخام التي تدخل في هذه الصناعة، وقد بلغت نسبة الزيادة ما بين 30 ومئة في المئة وفق ضاهر من ساداباك. فأسعار الإيثانول مثلاً تضاعفت ثلاث مرات في غضون شهرين. ودفع هذا الواقع بعض الشركات إلى زيادة أسعار المنتج النهائي، لا سيما أن الجزء الأكبر من المواد الأولية يستورد من الخارج. ويلفت عريف من أوتري النظر إلى أن "أسعار معقمات اليدين وسواها من المعقمات زادت بنسبة ربما تصل إلى 50 في المئة، بسبب ارتفاع الطلب على المواد الأولية وارتفاع أسعارها، علماً أننا بدأنا نفقد بعض هذه المواد".

تفتقد السوق المحلية إلى المواد الأولية التي تدخل في صناعة المعقمات، ويشير دياب من LEEN إلى أن 50 في المئة من المواد الأولية التي تدخل في صناعة المناديل الورقية تستورد من الخارج وارتفاع أسعارها عالمياً دفع إلى زيادة الأسعار بنسبة 35 في المئة. ويقول دياب: "لا يمكن للشركة أن تتحمل وحدها الزيادة في أسعار المواد الأولية، لأن صناعتنا قد تلقت أصلاً ضربات موجعة مع ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية". وتضطر الشركات إلى شراء الدولار من الصرافين بهدف تأمين الدولار لاستيراد المواد الأولية. من هنا، تطرق عريف إلى أزمة الدولار التي بدورها "تعيق عملية استيراد المواد الأولية"، مضيفاً: "علينا تأمين الدولار من سوق الصرافة لتحويل الإعتمادات إلى الخارج لاستيراد المواد الأولية وتصدير إنتاجنا، وهذا بدوره ينعكس على أسعار المنتجات في السوق المحلية وأسواق التصدير على حد سواء".

في مقابل هذا التوجه لرفع الأسعار، ثمة شركات رفضت رفع الأسعار بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الأولية، إذ يؤكد فياض من Sanita أن الشركة قررت إبقاء الأسعار على ما هي عليه للوقوف إلى جانب المستهلك في هذه الأزمة. ويتابع: "لقد انخفض هامش أرباحنا بنسبة كبيرة نتيجة ذلك، لكن عوضت الشركة الخسائر بفضل ارتفاع حجم المبيعات وتمكنت من تحقيق أرباح لا بأس بها".

ورداً على سؤال عن توفر المواد الأولية لدى المورّدين، يوضح عريف: "بدأوا يضعوننا على لوائح الانتظار نتيجة ارتفاع الطلب العالمي عليها، لذا، في حال شحّت هذه المواد فإن تزويد المستشفيات بالمعقمات التي تنتجها الشركة سيكون أولوية".

ممارسات تتحول إلى ثقافة

في المحصلة، يبقى السؤال:إلى متى ستظل الشركات تستفيد من واقع أزمة كورونا وهل ستظل المبيعات على الوتيرة ذاتها؟ وفي سياق الأجوبة يتوقع فياض أن تنخفض وتيرة الطلب على هذه الأصناف بعد الانتهاء من أزمة كورونا، لكنه يعول على أن تصبح هذه الممارسات ثقافة، بحيث يستمر المستهلك في استخدامها لما لها من أهمية في القضاء على الفيروسات. ويختم بقوله: "سيصبح استخدام المعقم توجهاً تعتمده شريحة كبيرة من المستهلكين مثل طلاب المدارس والموظفين، لا سيما أنه فعال ويقضي على الفيروسات المتوافرة على أسطح الطاولات والهواتف المحمولة والحواسيب".