لبنان في واشنطن بغياب قيادات المصارف: خلافات الرؤى ومقاربات الانقاذ

  • 2024-04-17
  • 16:11

لبنان في واشنطن بغياب قيادات المصارف: خلافات الرؤى ومقاربات الانقاذ

الاتفاق مع الصندوق "معلّق" على مشابك هيكلة السلطات

  • علي زين الدين


تنطبق مقولة "بيت بمنازل كثيرة" على المشاركة اللبنانية في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن. وان طغى الطابع الرسمي على "الوفود" بأزيائها الحكومية والنيابية والنقدية، برز بالتوازي الغياب المتوالي وشبه التام للقطاع المصرفي الخاص، بعدما استثمر بسخاء في هذه المناسبات الدولية، حضوراً ومنتديات خاصة وولائم تجتمع استهدافاً تحت لافتة "العلاقات العامة".

وبالوهم وحده، يشي الحشد الرسمي اللبناني الذي يؤم بلاد العم "سام"، بأن لبنان قيد ابرام اتفاق ناجز مع الادارة المركزية لصندوق النقد يطلق صافرة رحلة الاصلاحات البنيوية والفوز ببرنامج تمويل مباشر يناهز 3 مليارات، ومعزّز باسناد موعود يكفل فتح الأبواب المغلقة لتدفق المدد الاقليمي والدولي، بعد انقضاء سنتين كاملتين على توقيع الاتفاق الأولي على مستوى فريقي العمل.

 فتشكيلة الوفد وفي طليعته نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير الاقتصاد أمين سلام ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان وكتلة من نواب قوى المعارضة وحاكم البنك المركزي وسيم منصوري، تعكس في الواقع  تمثيل السلطات ومراكز صناعة القرارات التنفيذية والتشريع وادارة النقد والقطاع المالي.

بالتالي تكفل هذه المشاركة "النوعية" بالحد الأدنى وضع العالم في صورة البلد المنهك واقتصاده المترهل بفعل ازمة نظامية عاتية دخلت عامها الخامس على التوالي، واستطراداً طلب العون الاستشاري والمالي لتمكينه من الانطلاق مجدداً على مسار الانقاذ والتعافي.

لكن ما يبدو موحداً في ظاهره، ينكره تباعد الجماعة الواحدة وتوجههم فرادى الى العاصمة الأميركية وبقناعات متباينة الى حد التناقض. ولن يطول الوقت حتى تتوالى جولات المباهاة بعقد اجتماعات ولقاءات "منفردة" حتماً مع كبار المسؤولين ليس في ردهات الاجتماعات المالية الدولية فحسب، بل في الادارة الأميركية من وزارة الخارجية الى وزارة الخزانة، وبالتواصل مع مديرين معنيين في البنوك الأميركية المراسلة للمصارف المحلية.

 

ترقبات سلبية

 

ويزيد في طين الترقبات السلبية بلّة، ما يمثله انكفاء القيادات المصرفية اللبنانية عن دوائر صناعة القرار المالي اقليمياً ودولياً، والذي يعكس تلقائياً عمق الأزمات الحاضرة في البلد واقتصاده بعد انحدار الناتج المحلي من نحو 55 الى نحو 20 مليار دولار وبمرآة عاكسة تتجلى بتحول البنوك الى منافذ "صرافة" للسحوبات حصراً. 

وفي الوقائع، يرجح ان الوفد الحكومي يحمل معه الأفكار والقناعات ذاتها المترجمة بمسودات مشاريع قوانين واجراءات، توجّها أخيراً محاولة فاشلة لتعويم أوراق مالية ومصرفية مبعثرة وإعادة صياغتها تحت عنوان "اعادة هيكلة المصارف"، وحيث سعى الفريق عينه لتمرير تشريعها بعدما فشلت منفردة ببلوغ صالات اللجان النيابية، لكن سرعان ما تحولّت "لقيطة" بعدما تم نفي تبنيها من قبل السلطة النقدية، لتعود ادراجها الى "رفوف" البنود المعلقة.

في المقابل، سيظهر المعارضون من عديد الوفد غير الموّحد وفي اجتماعات منفصلة حتماً، الدلائل الحسية لمخاطر المقاربات العلاجية التي تعتمدها السلطة التنفيذية، وبما يكرس استراتيجية الامعان في اعتماد سياسات تفضي بالنتيجة الى الانحراف عن طريق اصلاح ما أفسدته "الدولة" ذاتها بكساد متعمد وافلاس مقصود وفق وصف مطابق اطلقه البنك الدولي مبكراً.

ويتوافق الرأي لدى النواب وسلطة النقد بوجوب قناعة الداخل والخارج بأن انخراط "الدولة" في اعتماد وتنفيذ اصلاحات هيكلية للمالية العامة، مشروط حكماً، وقبل التزام شروط الصندوق، بإعادة تكوين السلطات كافة وتعبئة الشغور من اعلى الهرم الى حكومة منتظمة وادارات عاملة.

اساساً، ينبغي الاقرار بأن الحكومة القائمة غير مستقرة دستورياً كونها مستقيلة وتحت ضوابط تصريف الأعمال بعيد ايام قليلة من توقيع الاتفاق الأولي مع بعثة الصندوق، وهي ورثت من سابقتها اشهار افلاس الدولة في ربيع العام 2020، والمستتبع زمنياً بالانفجار الكارثي الذي ضرب مرفأ العاصمة، ووصولاً الى الفراغ الرئاسي المستمر منذ خريف 2022، والشلل الاداري المتفشي في مجمل المؤسسات العامة.

وسيركز الفريق النيابي (الرسمي والتغييري)، بحسب ترقبات مسؤول معني، على ان مجمل الخطط المرفوضة تقوم على فرضية تحاكي "الشبهة" بالاصرار الحكومي وفريقها الاقتصادي على انكار مسؤولية "الدولة"، ليس في ايفاء ديونها والتزاماتها فحسب، بل لموجبات حضورها السيادي لادارة البلد وشؤونه، ودورها المركزي في احتواء الأزمات وفرض ما يلزم من قوانين وقرارات مستمدة من خطة متكاملة للانقاذ والتعافي.

 

لا ثقة ولا تعافي من دون دور رقابي

 

وبالفعل، يبلغ النائب كنعان في اجتماعاته الأميركية، "انه لا ثقة ولا تعافي من دون دور رقابي من قبل مجلس النواب في مكافحة الفساد وفضح وكشف الجرائم المالية، والضغط على السلطة القضائية للقيام بواجبها في المحاسبة، ولاسيما أن صندوق النقد الدولي وكما قالت ممثلته في النقاشات، يعتبر أن السلطة التنفيذية معنية بشكل أساسي في جرائم الفساد وتغطيتها من خلال غياب الحوكمة والشفافية وعدم الالتزام بالقوانين".

ويلفت النظر الى أن "صندوق النقد الدولي يشدد على دور المجالس النيابية ويدعمه في مراقبة الموازنات وحسن تتفيذها، وهو عمل اساسي للاصلاح بالمعنى الحقيقي لا النظري، وقد أكد صندوق النقد العمل على مضاعفة امكانات المحاسبة من خلال المجالس النيابية في موضوع الموازنات والتدقيق في الانفاق لتحقيق الشفافية، وهو ما سنتابعه مع مسؤولي الصندوق في المرحلة المقبلة".

كما لن يتردّد الحاكم منصوري بتوضيح الابهام حول ان البنك المركزي عمل على اعداد الخطة الحكومية الأحدث، وبأن البنك المركزي عمل على صياغتها من "ألفها الى يائها" وفق الزعم التبريري لعرض البند على جدول اعمال مجلس الوزراء. وفي واقع الأمر، ان رئيس الحكومة قدم اليه خطة لإعادة هيكلة المصارف وهو تولى عكسها على الارقام، ليستنتج "هذا المشروع لا يمكن تطبيقه في الوقت الحاضر لسبب بسيط، هو أن الارقام الناتجة عن هذه الخطة تفتقر الى الوضوح".

 

تأخر القوانين الاصلاحية يضعف مكانة لبنان المالية

 

ويؤكد البنك المركزي، بحسب مطالعة استباقية، ان استمرار التأخر في إنجاز القوانين الإصلاحية، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، من شأنه ان يُضعف المكانة المالية للدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف. وهذا الوضع في حال استمراره، "يأتي بالضرر على المودعين الذين تتآكل حقوقهم مع مرور الزمن"، كذلك فإن استمرار التأخير في معالجة الأزمة المصرفية له تبعات جسيمة على المجتمع اللبناني ككل وعلى الاقتصاد الوطني.

وإنطلاقاً من ذلك، كما ورد في الاستناج ، "نشدد على أهمية الإسراع في وضع خطة واقعية وعلمية، لإعادة هيكلة وإصلاح النظام المصرفي والمالي وإقرار القوانين الخاصة بها والبدء بالتفاوض مع الدائنين مع التأكيد مجدداً على ان مصرف لبنان على أتم الاستعداد للقيام بكل ما تفرضه عليه القوانين المرعية الاجراء لإتمام ما تقدم".

ايضاً، وفي سياق متصل، يشكل تصنيف مجلس شورى الدولة في مندرجات قراره المرجعي بمنع الغاء التزامات البنك المركزي لصالح المصارف، مرتكزاً على التصحيح الضروري والواعد لمعادلة التوزيع العادل للأعباء وفقاً لدرجات المسؤوليات على ثلاثي الدولة والبنك المركزي والجهاز المصرفي، حيث لحظ القرار القضائي أنّ تلك المبالغ، والتي تزيد على 60 مليار دولار، كما جاء في متن قرار الإبطال، استدانتها الدولة، وبالتالي يجب أن تردّه للمصارف وبالتالي للمودعين.