الاقتصاد في 2024: الفوضى تصنع الحلول احياناً

  • 2024-01-02
  • 12:56

الاقتصاد في 2024: الفوضى تصنع الحلول احياناً

  • أحمد عياش

قبل ان تنتهي سنة 2023 الميلادية بأيام، هبطت أسعار النفط نحو 1 في المئة مع تراجع المخاوف في شأن تعطل الشحن على طول طريق البحر الأحمر حتى مع استمرار التوترات في الشرق الأوسط في التفاقم. فهل يشير هذا الهبوط إلى مسار في أسواق الطاقة سيستمر في العام 2024؟

بحسب رويترز، لا يبدو أن هناك مسار انخفاض سيرافق الأسواق في العام الجديد، وهي نقلت عن هيرويوكي كيكوكاوا، رئيس NS Trading، وهي وحدة تابعة لشركة نيسان للأوراق المالية، قوله: "من المرجح أن تحاول السوق الاتجاه الصعودي مرة أخرى .. ربما في أوائل العام الجديد، أيضاً على توقعات بانتعاش الطلب على الوقود بفضل اشارات التساهل النقدي التي أطلقها أخيراً بنك الاحتياط الفدرالي في الولايات المتحدة وارتفاع الطلب على الكيروسين خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي".

ولا تبتعد قراءة موقع "أويل برايس" عما أوردته رويترز بشأن أسعار الطاقة. فتحت عنوان "ما الذي يخبئ لأسواق الطاقة في عام 2024؟" كتبت إيرينا سلاف في الموقع تقول :"من المتوقع أن يكون سوق النفط في العام 2024 متوازناً، وأظهر العام الماضي أهمية أمن الطاقة وحل مؤقتاً محل التحول بوصفه الأولوية الأولى لجزء كبير من العالم المتقدم النمو، أي الاتحاد الأوروبي. وفي أعقاب هذا التطور، ظهر نوع من النقاش غير الرسمي حول التوازن بين الانتقال والأمن، وكيفية تحقيق التوازن بينهما. ومن المحتمل أن يستمر النقاش في العام 2024، على الرغم من أن الأمن يبدو أنه يتفوق على اعتبارات الانتقال حيثما كان ذلك مهما. وجاء أوضح دليل على ذلك مؤخراً، عندما رفضت الصين والهند التوقيع على تعهد COP28 بمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول العام 2030، واختارتا بدلاً من ذلك أمن الطاقة من الهيدروكربونات. كانت هناك أيضا ألمانيا، التي اضطرت بعد إغلاق آخر محطات الطاقة النووية، إلى زيادة استهلاكها من الفحم لإنتاج ما يكفي من الكهرباء".

وإذا كانت نتائج قمة المناخ الأخيرة التي استضافتها دولة الامارات العربية المتحدة قد رسمت خريطة طريق الطاقة ليس للعام 2024 فحسب، وانما لاعوام عدة مقبلة، فإن ما حملته الانباء الأخيرة من الولايات المتحدة الأميركية، جدير بالتأمل لما ستؤول اليه الأمور في أسواق الطاقة في المستقبل القريب. ففي نبأ لرويترز في 26 كانون الأول/ ديسمبر الأخير من هيوستن، عاصمة النفط الأميركية أشار الى ان الشركات العملاقة هناك "تدخل عام 2024 معززة بعمليات دمج في اوساط صناعة النفط والغاز الاميركية"، واتى هذا التطور بعد ان شهدت هذه الصناعة موجة من عمليات التملك بقيمة 250 مليار دولار في 2023 مستفيدة من ارتفاع أسعار أسهم الشركات لتأمين احتياطات منخفضة التكلفة والاستعداد للاضطرابات التالية في صناعة من المرجح أن تشهد مزيداً من الاندماجات، وأدى ارتفاع الطلب على النفط مع تخلص الاقتصادات العالمية من الانكماش الوبائي إلى إثارة حماس المستحوذين.

وهناك المزيد من المعاملات في الأفق. وتوقع ثلاثة أرباع المديرين التنفيذيين في مجال الطاقة الذين استطلعهم بنك الاحتياطي الفدرالي في دالاس في كانون الأول/  ديسمبر حصول المزيد من صفقات التملك في القطاع بقيمة 50 مليار دولار أو أكثر في العامين المقبلين.

وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تكون أسعار النفط العالمية مستقرة إلى حد كبير في العام 2024 بعد أن بلغ متوسطها نحو 83 دولاراً للبرميل في العام 2023، انخفاضاً من 99 دولاراً في العام 2022. ويرى المحللون أن النفط في العام 2024 سيتم تداوله ما بين 70 دولاراً للبرميل و 90 دولاراً، أعلى من متوسط 64 دولاراً للبرميل في العام 2019.

ومن أسواق الطاقة الى صورة الاقتصاد العالمي بأسره. وهنا قال غسان سلامة الخبير في السياسات الدولية لصحيفة "الشرق الأوسط":"ان العام 2023 كان إجمالاً إيجابياً بعد سنة 2022 التي كانت سلبية للغاية بالنسبة للاقتصاد العالمي. فقد شهدنا عودة الصين إلى السوق العالمية، ورأينا نمواً ولو ضعيفاً في الدول الغربية بالتوازي مع محاربة كثيفة للتضخم في مختلف اقتصادات العالم. واللافت أن الدول النامية لم تتأثر كثيراً بحرب أوكرانيا، لأن موسم 2023 من الحبوب كان جيداً للغاية. لذلك، فإن عدم تمكن روسيا، خصوصاً أوكرانيا من تصدير الحبوب بصورة كافية لم يؤثر كثيراً على أسعار الحبوب، ولاسيما أسعار القمح. وبالطبع، هذا أمر مهم لأن عدم توافر القمح وارتفاع أسعاره يفضيان، في كثير من الدول، إلى انتفاضات وثورات واضطرابات بالشارع. إذن، أعتقد أن الحكومات نجحت في تجنب هذا الهم الكبير باعتبار أن موسم الحبوب في السنتين الماضيتين كان جيداً في كل أنحاء العالم".

تحت عنوان "حربان و50 انتخاب: الاقتصاد يواجه مخاطر جيوسياسية متزايدة"، توقعت باتريشيا كوهين في تقرير نشرته النيويورك تايمز يشهد العام 2024 "تقلباً متزايداً حيث تؤثر الصراعات العسكرية المستمرة وعدم اليقين الاقتصادي على خلفية التصويت في الانتخابات الوطنية في عدد كبير من بلدان العالم ".

وجاء في التقرير: "أن خطر تصاعد الصراع في الشرق الأوسط هو الأحدث في سلسلة من الأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، التي هبطت مثل ضربات دب على الاقتصاد العالمي، وحوّلته عن مساره وتركت عليه ندوباً".

وأضاف: "قد تدفع سلسلة من الانتصارات الانتخابية التي تحمل الشعبويين الغاضبين إلى السلطة الحكومات نحو التشدد في سياساتها بما يخص التجارة والاستثمار الأجنبي والهجرة". وقالت ديان كويل، أستاذة السياسة العامة في جامعة كامبريدج، إن مثل هذه السياسات يمكن أن تدفع الاقتصاد العالمي إلى "عالم مختلف تماماً عن العالم الذي اعتدنا عليه".

وقارن العديد من الاقتصاديين الأحداث الاقتصادية الأخيرة بأحداث سبعينات القرن العشرين، لكن العقد الذي قالت السيدة كويل إنه كان ثلاثينات القرن العشرين، عندما لعبت الاضطرابات السياسية والاختلالات المالية "دوراً في الشعبوية وتراجع التجارة ثم السياسة المتطرفة".

أكبر انتخابات العام المقبل ستجري في الهند، وهي حالياً الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، وهي تنافس الصين كمركز للتصنيع في العالم. من المحتمل أن تؤدي الانتخابات الرئاسية في تايوان في كانون الثاني/ يناير المقبل إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. وفي المكسيك، سيؤثر التصويت على نهج الحكومة في التعامل مع الطاقة والاستثمار الأجنبي، ويمكن لرئيس جديد في إندونيسيا أن يغير السياسات المتعلقة بالمعادن الحيوية في عملية الانتقال الى الطاقات البديلة مثل النيكل.

بطبيعة الحال، ستكون الانتخابات الرئاسية الأميركية هي الأكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي. والمنافسة الوشيكة تؤثر بالفعل على صنع القرار. وفي الأسبوع الماضي، اتفقت واشنطن وبروكسل على تعليق التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم الأوروبي والدراجات النارية الأميركية إلى ما بعد الانتخابات.

في أي حال، تبدو التوقعات الاقتصادية العالمية للعام 2024 حتى الآن مختلطة. ولا يزال النمو بطيئاً في أغلب أنحاء العالم، ويواجه العديد من البلدان النامية خطر التخلف عن سداد ديونها السيادية تحت وطأة ارتفاع اسعار الفائدة والحاجة الى تخصيص المزيد من مداخيلها لخدمة هذه الديون على حساب الانفاق على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليم. وعلى الجانب الإيجابي من دفتر الحسابات، فإن الانخفاض السريع في التضخم يدفع محافظي البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة أو على الأقل وقف ارتفاعها، ويعدّ انخفاض تكاليف الاقتراض عموماً حافزاً للاستثمار وشراء المنازل.

في موازاة القراءة الاقتصادية العريضة، تطل في موازاتها قراءة من أسواق الأسهم وتحديداً من وول ستريت. ويقول  جو رينيسون  في مقال نشرته النيويورك تايمز :"كان المحللون المتفائلون بشأن العام 2023 على حق إلى حد كبير ويتوقعون المزيد من الشيء نفسه في العام 2024 ولاسيما بعد المؤشرات المشجعة التي صدرت اواخر العام الماضي عن الاحتياطي الفدرالي عن الانتهاء من موجة رفع اسعار الفائدة بعد الهبوط المتواصل الذي شهدته معدلات التضخم واستعداده للبدء بتخفيض الفائدة خلال العام الحالي، الامر الذي استقبله المستثمرون بموجات قوية من الشراء والتي ساهمت بوصول اسعار الاسهم والسندات وغيرها من الاصول المالية الى مستويات قياسية.

وفي الوقت نفسه، يؤكد المحللون في Morgan Stanley و JP Morgan وغيرهم أن عدم وجود انكماش حاد في العام 2023 لا يعني أنه تم تجنبه تماماً، لأن التأثير الكامل لارتفاع أسعار الفائدة لا يزال يعمل من خلال الاقتصاد".

ويخلص المقال الى القول: "يحاول الناس أن يكونوا نظريين للغاية بشأن سوق الأسهم. قبول الفوضى هو طريقة أكثر صحة للتعامل مع السوق".

الى اي مدى يمكن اعتماد فكرة "الفوضى" لرسم التوقعات في العام 2024؟ وسط هذا الاشتباك الكبير على مستوى التطورات العالمية، ربما تكون هذه الفكرة مقبولة من ناحية إيجابية، اذا ما خرج العالم الى ابتداع حلول ولو انتقالية، كما رأينا في قمة COP28 الأخيرة.