متحف باردو الوطني: رحلة عبر التاريخ وما قبله

  • 2023-08-01
  • 14:00

متحف باردو الوطني: رحلة عبر التاريخ وما قبله

  • الجزائر - "أولاً - الاقتصاد والأعمال"

يستحيل المرور بجانب المتحف الوطني باردو، أحد أجمل العالم الأثرية في العاصمة الجزائرية، من دون ملاحظة حديقته الواسعة ببوابتها الكبيرة المشرّعة على مصراعيها لاستقبال الزوّار. وإذا كان هذا المتحف يحتوي من التحف ما لا يحصى أو يُعدّ، فإنه بحد ذاته تحفة بمساحة تتجاوز الـ 1600 متر مربع.

 

إقرأ:

نمو أرباح "الدار العقارية" الإماراتية بنسبة 52% في الربع الثاني

 

 

بداية الحياة والإتنيات

 

يتالف بناء المحتف من قسمين، الأول، وهو حيث تبدأ رحلة الزائر، مدفوعاً بحشرية وحماسة لاستكشاف تاريخ الجزائر، بقاعات صغيرة تحوي آثار بداية الحياة البشرية والإتنيات التي تحتضنها أفريقيا، كما صل بعض الحيوانات فيها، بالإضافة إلى ثقافات شعوبها، لاسيما الموسيقية منها، إذ تستوقفك الآلات الموسيقية المتعدّدة التي قد تتشابه أسماؤها، على الرغم من تباعد أشكالها إلى حد ما، ولا شك أنغامها أيضاً.

 

 

عند نهاية هذا الجزء الثري يمحتوياته، بداية رحلة من نوع آخر، إذ يقود الزائر درج متوسط الطول إلى رحلة داخل القسم الثاني، وهو قصر باردو المبني على الطراز الأندلسي. وتعني كلمة باردو بالإسبانية المكان المغطى بالورود، لذا لا عجب من احتواء القصر على إناء معدني قديم جداً لتقطير الورد كما تدلّ اللوحة بجانبه.

 

من قصر إلى متحف

 

من باحته الرئيسية التي تحيط بها جدران عالية مغطاة بالخزف المزيّن برسوم مختلفة مفعمة بالألوان على طريقة الفسيفساء. ويروي أحد موظفي المتحف مستقبلاً الضيف الزائر إن هذا القصر يرجع بناؤه إلى القرن الثامن عشر، وهو كان المقر الثانوي للأمير عمر بن مصطفى المنفي من تونس، ويشتمل على حديقتين، واحدة عند الجهة اليسرى، للأسف مغلقة، والثانية على الجهة اليمنى.

 

 

تضمّ الحديقة اليمنى ملحقات أضيفت إلى القصر لاحقاً من قبل من شغلوه، لاسيما خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، مع احترام الخصوصية التي ميّزت المنازل والبيوت الجزائرية آنذاك ولا تزال ولو بنسبة أقل إذ ترتفع اليوم الأبنية السكنية الحديثة. وبعد وفاة آخر قاطنيه ومالكه بيير جوري Pierre Joret، منحت شقيقته القصر إلى الحكومة الفرنسية في العام 1926 والتي بدورها حولته إلى متحف أطلقت عليه تسمية متحف ما قبل التاريخ والإتنوغرافيا وافتتحته في العام 1930، لمناسبة مرور مئة عام على الاستعمار الفرنسي للجزائر، كما تقول بعض التدوينات. وفي العام 1985، بات يعرف بالمتحف الوطني باردو مع احتفاظه باسمه الأول.

 

 

بعد تمعّن بالرسومات المختلفة على جدران الباحة والشجرة الشاهقة في إحدى زواياها القريبة من الوسط حيث بركة ماء ونافورة رخامية مزخرفة، حان الوقت للانطلاق برحلة استكشاف طريقة عيش من مرّوا بهذا المكان بدءاً بالأمير عمر نفسه.

 

اندماج الأنماط الهندسية

 

لدى ولوج بوابته الرئيسية، تطالع الزائر قاعة صغيرة الحجم  نسبياً، إنما تتوزع حولها غرف أخرى صغيرة بعضها يصلح للإقامة وأخرى لتوضيب الاغراض، قبل الانتقال عبر درج ليس بالطويل إلى الطابق العلوي حيث قاعة تضم تحفاً موزّعة في أنحائها كافة، بما في ذلك إناء تقطير الورد، وإناء نحاسي لامع، على النسق التركي، بغطائه الشبيه بالقبعة العثمانية والذي يستخدم للتدفئة. ويمكن ملاحظة لمسات هندسة عثمانية كذلك في بعض الديكورات وتوزيع الأجنحة داخل القصر.

 

 

من هذه القاعة، بالإمكان الانتقال إلى جناح النساء (الحريم) حيث تعرض بعض الملابس والمقتنيات القديمة الخاصة بهن والرائجة في حقبة الأمير عمر، إلى جانب اثاث وأوان تقليدية منها مثلاً أقداح وفناجين لشرب الشاي والقهوة وأدوات لتناول الطعام. إلى جانب الجناح، تقع غرفة الأمير بسريرها الخشبي الذهبي ذي الأعمدة الأربعة السقف المزدان بنقوش تدلّ على مركز شاغل القصر، والذي تتدلّى منه الستائر. وداخل هنا االقسم، يدعوك موظّف آخر لاستكمال الجولة في الطابق العلوي بعد عبور ممر ضيّق قصير حيث يقع الحمام والذي يبدو أنه كان حماماً مصمماً على النمط المغربي.

 

 

قد لا تكون مساحة القصر كبيرة قياساً بما اشتهرت به قصور الامراء عبر العصور، لكن التنقّل في أرجائه قد يأخذ منك ساعات لتفحص جميع مقتنياته وقراءة تاريخه الذي يُعدّ جزءاً لا يتجزّأ من تاريخ الجزائر نفسها العريق والممتدّ عبر أزمنة خَلت.

وفيما يهمّ الزائر بالمغادرة، يُفاجأ بدرج يقود إلى طابق سفلي يضمّ المطبخ بأوانيه القديمة يلفت الانتباه منها إناء فخاري مع غطاء من الفخار أيضاً، ربما استخدم لحفظ الحبوب أو الزيت أو أي نوع من الماكولات منعاً لفسادها.

 

 

الأسلوب الفرنسي

 

في الحديقة الملحقة بالقصر حيث الملحقات من توقيع جوري كما يُروى، تظهر بعض اللمسات الفرنسية على الرغم من المحافظة على أسلوب بناء القصر الأصلي. فاللمسات الفرنسية جليّة بهندسة الحديقة وأحواض الزهور الفخارية البيضاء على شكل مزهريات والتي تزيّن حدائق القصور الفرنسية التاريخية الشهيرة، تماماً كتلك الموجود في الحديقة المصصمة وفق النمزذج الفرنسي في حديقة الزهور أوJardin d’essaie  الشهيرة في العاصمة الجزائرية إنما بحجم أصغر.