"طريق الحرير" العصري ينطلق من الرياض الى بكين

  • 2023-06-15
  • 16:52

"طريق الحرير" العصري ينطلق من الرياض الى بكين

  • أحمد عياش

 

مرة أخرى، أصبحت الرياض محط الانتباه في عالم الاستثمار منذ ان انطلق قطار الشراكة بين العالم العربي والصين عموماً وبين المملكة وبكين خصوصاً.

 

وجاء مؤتمر الأعمال العربي الصيني في العاصمة السعودية يوم الأحد الماضي ( 11 يونيو/حزيران) واستمر ليوميّن، ليطلق سلسلة اتفاقات، كان آخرها توقيع وزارة الاستثمار السعودية اتفاقاً بقيمة 5.6 مليارات دولار مع شركة هيومان هورايزونز الصينية لصناعة السيارات الكهربائية للتعاون في تطوير وتصنيع وبيع السيارات. وتمثل الاتفاقية، وفق ما ذكرت "رويترز" أكثر من نصف الاستثمارات التي تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار، والتي تم توقيعها في اليوم الأول من المؤتمر، في قطاعات تشمل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والمعادن والسياحة والرعاية الصحية وغيرها.

 

قد يهمك:

"سوق الكربون الطوعي الإقليمية" السعودية تبيع 2.2 مليون طن من أرصدة الكربون في كينيا

وتضمن برنامج المؤتمر، عقد 18 ورشة عمل وعدداً كبيراً من اللقاءات الخاصة والفعاليات الجانبية، الهادفة للتعريف بالمشروعات النوعية والتقنيات الحديثة المبتكرة والجهات التي تلعب دوراً مهماً في تكثيف التعاون الاستثماري والتجاري بين الصين والعرب، وتعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة الحالية والمستقبلية.

وناقش المؤتمر الرؤى الاستراتيجية، وعرض وجهات النظر حول الفرص والإمكانات التي تحفل بها مجموعة من القطاعات الواعدة مثل، الطاقة المتجددة، والتصنيع المتقدم، والخدمات اللوجيستية، والاتصالات، والتقنيات الرقمية المتطورة وغيرها، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية وفرص المواءمة مع مبادرة الحزام والطريق في مجالات الاستثمار، والاقتصاد والتجارة، والعمل على الارتقاء بها نحو مزيدٍ من الازدهار والنمو والتقدم.

وكان اتحاد الغرف السعودية، قد ذكر في تقرير في نهاية العام العام الماضي أن حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين بلغ خلال السنوات الخمس الماضية (2017-2021) 1.2 تريليون ريال، وهو ما يعكس قوة الشراكة الاقتصادية وتنوع الفرص التجارية والاستثمارية لدى البلدين.

من جانبه، قال الخبير السعودي في التجارة الدولية فواز العلمي: "في العقدين الماضيين تضاعفت التجارة بين البلدين 29 مرة، والسعودية هي أكبر مصدر نفط إلى الصين وتفوقت على روسيا الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي للصين".

في قراءة لنيويورك تايمز لهذا الحدث الاستثماري، أوردت ما أعلنه محمد أبونيان، رئيس شركة "اكواباور"السعودية للطاقة: "إذا كنت تريد شريكاً موثوقاً به في العالم - أحد أفضل الشركاء في العالم - فهو جمهورية الصين الشعبية". وقال: "الصين شريك يمكنك الاعتماد عليه".

وجاء الحدث، الذي حضره أكثر من 3000 شخص، بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى المملكة، الذي أعاد التأكيد على متانة العلاقة الأميركية -السعودية.

 

 

يمكنك متابعة:

شراكة بين وزارة الاستثمار السعودية و"نيوم" لتنمية الاستثمار في المملكة

 

 

 

وبدوره، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إنه في حين أن المملكة تقدر علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة، إلا أنها لا تخطط للنأي بنفسها عن الصين، أكبر شريك تجاري لها.

مرة أخرى، خلال فترة الأعوام القليلة الماضية، برهنت المملكة ان بالإمكان في عالم الاستقطاب السياسي الحاد الذي يسود العلاقات الدولية حالياً، ان هناك طريقاً ثالثة تتيح للدول على امتداد الكوكب ان تجد فرصاً لتبادل المنافع على الرغم من النزاعات السياسية والتي انزلقت العام الماضي الى حرب دامية ما زالت نيرانها مشتعلة حتى اليوم ونعني بها الحرب الأوكرانية.

وكي لا يجري التعامل مع هذا التطور المهم في العلاقات الاقتصادية بين الصين والعالم العربي عموماً وبين الصين والسعودية خصوصاً من منظور "الحرب الباردة"، نشر تقرير صادر عن مجلس الأعمال السعودي – الأميركي بالتزامن مع اعمال مؤتمر الأعمال العربي الصيني، يفيد ان المملكة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في صادراتها إلى الولايات المتحدة في العام 2022، حيث بلغ إجمالي قيمة التجارة بين السعودية والولايات المتحدة 130 مليار ريال سعودي (34.7 مليار دولار) وسجلت المعاملات التجارية بين البلدين زيادة ملحوظة بنسبة 39 في المئة عن العام السابق. وقد تحقَّق هذا النمو بفضل صادرات النفط السعودي والصادرات غير النفطية التي سجَّلت رقماً قياسياً؛ مما يعزِّز العلاقات التجارية بين البلدين.

من ناحية أخرى، صدَّرت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من السلع إلى السعودية، ومنها المنتجات الكهربائية والميكانيكية والصناعية والزراعية والصيدلانية. وجاءت السيارات بوصفها أكبر الصادرات من الولايات المتحدة إلى المملكة؛ حيث بلغت قيمتها 8 مليارات ريال سعودي (2.1 مليار دولار)، بزيادة قدرها 12 في المئة في العام 2022. وجاءت المواد المتعلقة بالمفاعلات النووية والغلايات والآلات والمكونات المرتبطة بها في المرتبة الثانية كأكبر فئة صادرات بقيمة 6.7 مليارات ريال سعودي (1.8 مليار دولار)، كما جاءت صادرات مثل الطائرات والآلات الكهربائية والمنتجات الكيماوية المختلفة كأبرز فئات الصادرات.

وتقول النيويورك تايمز ان المسؤولين السعوديين يسعون إلى صياغة سياسة خارجية أكثر استقلالية. وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، امام مؤتمر الأعمال العربي الصيني:"نحن نتواصل مع الجميع، وكل من يريد أن يأتي للاستثمار معنا هو أكثر من موضع ترحيب"، ورداً على سؤال حول كيفية ردّه على الانتقادات من بعض أركان العلاقات المتنامية بين المملكة العربية السعودية والصين، أجاب الأمير عبد العزيز: "أنا أتجاهل ذلك تماماً"، واعلن انه "لا يوجد شيء مثل ما يسمى بالتصميم الكبير بيننا وبين الصين"، لكن يجب أن أقول ذلك بوضوح وصراحة: نحن نعمل معهم في أشياء كثيرة".

وحمل مؤتمر الأعمال العربي الصيني الرقم 10، ولكن المرة الأولى التي تستضيفه السعودية. ويأتي المؤتمر امتداداً للزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في كانون الأول ديسمبر الماضي. وبشرت زيارته "بعصر جديد من التعاون" بين الدول العربية والصين، حسبما قال هو تشون هوا، نائب رئيس "المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني،" وأحد المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر الأخير في الرياض. وقارن العديد من المتحدثين في المؤتمر التغيرات الاقتصادية التي تمر بها المملكة العربية السعودية في عهد الأمير محمد مع التحول الذي شهدته الصين منذ عقود عدة. وقال روني تشان، وهو مطور عقاري في هونغ كونغ: "في تاريخ البشرية، كل 20 أو 30 عاماً هناك شيء كبير يحدث، وآخر شيء اقتصادي كبير حدث ربما كان انفتاح الصين، وأشهد شيئاً اليوم في المملكة ذكرني بما حدث قبل 30 أو 40 عاماً في الصين".

من جهته، قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إن رعاية ولي العهد السعودي لهذه الدورة، والمملكة ترأس هذا العام مجلس جامعة الدول العربية، "تُجسد اهتمام قيادات العالم العربي بتعزيز العلاقات العربية مع الصين الصديقة، وتوسيع قاعدة ما حققته من نجاحات في أروقة السياسة والدبلوماسية، لتشمل ساحات الاقتصاد والاستثمار والتنمية الشاملة، ولتُسهم في خلق فرصٍ جديدة لشراكاتٍ مستدامةٍ"، وأكد الفالح على التزام المملكة، كونها تشكل الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط والأسرع نمواً في العالم خلال العام الماضي، بالعمل كجسر يربط العالم العربي بالصين ويُسهم في نمو وتطور علاقاتهما، وأكد عن ايمانه بالتكامل الواسع النطاق بين الاقتصادات العربية والاقتصاد الصيني، مضيفاً: آن الأوان لتكون الصين شريكاً استثمارياً رئيساً لمسيرة التنمية الاقتصادية التي تشهدها المنطقة العربية".

في العام 1877، أطلق العالم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريتشهوفن على طريق المواصلات لتجارة الحرير بشكل رئيسي في ما بين الصين في أسرة هان وبين الجزء الجنوبي والغربي لآسيا الوسطى والهند اسم "دي سيدينستراس" والذي يعني «طريق الحرير". ويقصد بـ"طريق الحرير"، هو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها إلى المناطق القريبة من أفريقيا وأوروبا، وبواسطة هذا الطريق كانت تجري التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والاقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات.

هذا في القرن الثامن عشر، أما في القرن الواحد والعشرين، فيدعو وزير الاستثمار السعودي إلى "إطلاق طريق حرير عصرية جديدة، يكون مُحركها رؤيتنا للتعاون والتشارُك، ووقود انطلاقتها هو شبابنا، وابتكاراتنا، لنُحقق مصالحنا ومصالح شركائنا في كل أنحاء العالم".