نمو الشراكة الصينية السعودية يعزز التوجه إلى عالم متعدد الأقطاب

  • 2023-06-16
  • 09:09

نمو الشراكة الصينية السعودية يعزز التوجه إلى عالم متعدد الأقطاب

  • رشيد حسن

 

الحلف الاقتصادي السعودي الصيني يتسع نطاقه ويتوطد، ويحمل مع مرور كل يوم سمات تحالف عضوي طويل الأمد ويمتلك كل مقومات الاستمرار والإثمار في مختلف المجالات. وقد أنشأ هذا التحالف الاستراتيجي في المنطقة موازين جديدة، جعلت الدبلوماسية الأميركية تتنبه، وإن متأخرة، إلى محاولة مواجهة الخلل، فجاءت الزيارة الرسمية لمدة أربعة أيام لوزير الخارجية الأميركية ديفيد بلينكن إلى السعودية فيما كانت المملكة تتحضر لانعقاد مؤتمر الأعمال العربي الصيني في دورته العاشرة، والإعلان عن عشرات العقود في مجالات النفط والبتروكيماويات وصناعة السيارات الكهربائية والبنى التحتية.

 

قد يهمك:

"طريق الحرير" العصري ينطلق من الرياض الى بكين

     

    واشنطن والحصاد المرّ

     

     

    وبالطبع مجرد المقارنة بين المناسبتين والزائرين تكفي لإظهار حجم الهوة التي تتسع كل يوم بين الولايات المتحدة وبين الواقع السعودي والعربي.  فهنا وفد دبلوماسي رسمي يحاول تقديم التطمينات وإصلاح ما أفسدته السياسة الأميركية الغامضة والمتقلبة، لكنه لا يحمل شيئاً جديداً إلى العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تراجعت باستمرار، وعلى الجهة المقابلة وفد صيني كبير من الحكومة والشركات يضع كل ثقله في خطط تطوير التعاون الاقتصادي بين الصين والمنطقة، ويتمكن حسب تقرير لوكالة الأنباء السعودية الرسمية من توقيع أكثر من 30 اتفاقاً بقيمة تقارب الـ 10 مليارات دولار غطت مجالات الصناعة والبنى التحتية والذكاء الصناعي والقطارات والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والتعدين والسياحة وتصنيع الأغذية وحلول سلاسل الإمداد التجارية وغيرها.

     

    اختراق صناعي

     

    من أصل الاستثمارات الصينية التي تم الإعلان عنها في مؤتمر الرياض، فإن أكثر من نصف هذه الاستثمارات (نحو 5.6 مليارات دولار)، حصلت عليه شركة "هومان هورايزون" المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية، وذلك لغرض مساندة الجانب السعودي في تطوير وتصنيع وتسويق السيارات الكهربائية، وهذا الاتفاق سيدعم الطموح السعودي القائم عبر شركة "لوسيد" ومشروع شركة "سير" السعودية لتطوير صناعة السيارات الكهربائية السعودية.

    وتتولى شركة "هومان هورايزون" الصينية تصنيع السيارات الكهربائية الفخمة تحت اسم "هايفي" وهي تأسست في العام 2017 كشركة خاصة صغيرة الحجم عند مقارنتها بالشركات الصينية العملاقة لصناعة السيارات الكهربائية، إلا أن الشركة التي لا تنشر بيانات عن حجم إنتاجها أو دخلها السنوي، كانت أعلنت عن أن هدفها للعام 2021 هو إنتاج 50,000 سيارة. ويعتبر اختيار هومان مناسباً للسعودية التي تمتلك غالبية شركة "لوسيد" المتخصصة أيضاً في تصنيع السيارات الكهربائية الفخمة.

    وتمثل الاتفاقية مع شركة تصنيع السيارات الصينية تحولاً مهماً في العلاقات السعودية الصينية التي كانت مركزة على التجارة النفطية أو صناعة المشتقات النفطية  والبتروكيماويات إلى التعاون لتنفيذ مشاريع استثمارية في القطاعات غير النفطية، وذلك ضمن خطة المملكة لتنويع اقتصادها بعيداً عن القطاع النفطي، وهذا التحول لم يغب عن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح الذي شدد في حديث إلى قناة CNBC الأميركية على تطور الشراكة السعودية مع الصين من المجال النفطي والتجاري إلى التعاون في المشاريع الاستثمارية غير النفطية سواء في المملكة أو في الأسواق الدولية.  ويلبي الاتفاق مع شركة "هومان هورايزون" خطة السعودية لتطوير سوق السيارات الكهربائية وذلك كجزء من خطتها الرامية لتنويع قطاعات الاقتصاد السعودي بعيداً عن الاعتماد النفط. وتقدر الاستثمارات الصينية في المملكة العربية السعودية حالياً بنحو 3.5 مليارات دولار (مقابل نحو 23 مليار دولار لمجموع الدول العربية).

     

    نمو الاستثمارات السعودية في الصين

     

    في موازاة العرض اللافت لتقدم المصالح الصينية في السعودية ومنطقة الخليج، تشهد السوق الصينية تقدماً متزايداً للمصالح السعودية في الصين عبر الاتفاقات التي عقدتها أرامكو مع شركتي نفط وبتروكيماويات صينيتين في شهر مارس الماضي كان من بين نتائجهما اتفاقات على قيام أرامكو بتزويد المؤسستين بنحو 690,000 برميل من النفط الخام يومياً، وهو ما يزيد بصورة ملموسة حصة المملكة من السوق الصينية ثم إعلان أرامكو عن شرائها حصة 10 في المئة من شركة بتروكيماويات صينية خاصة بنحو 3.6 مليارات دولار.

    يذكر أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والصين التي وقعت في ديسمبر من العام الماضي نصّت على زيادة مشتريات الصين من النفط السعودي، وقد تبع الإعلان عن الاتفاقية تصريح من الرئيس الصيني مفاده أن بلاده تعتزم زيادة مستورداتها من النفط السعودي في "السنوات المقبلة". ونتيجة لهذه السياسة، تحولت المملكة إلى المصدر الأول مشتريات الصين من النفط، أضف إلى ذلك، أن السعودية أجرت مؤخراً أول صفقة لبيع النفط في مقابل النقد الصيني (اليوان) بدلاً من الدولار.

     

     

    نتائج بعيدة الأمد

     

    بات ممكناً القول إن التطور السريع في العلاقات الاقتصادية السعودية الصينية يؤسس لتوازنات جديدة في منطقة الشرق الأوسط تلعب فيها الصين دوراً متزايداً ومحورياً، وقد كان اتفاق المصالحة الذي جمع السعودية وإيران في بيجنغ في 10 آذار/مارس من العام الحالي أكبر شاهد على الدخول القوي للصين على الساحة الخليجية والعربية وتمكنها من تحويل ثقلها الاقتصادي المتعاظم إلى عامل أساسي ومرجح في الموازين السياسية الإقليمية.  

    ومما لا شك فيه أن توطد وتنامي المصالح الاقتصادية المشتركة بين الصين والسعودية ودول المنطقة يعزز الدور الصيني والقوة الناعمة الصينية في معادلة السلام والتعاون التي افتتحها الاتفاق الصيني السعودي الإيراني قبل ثلاثة أشهر والذي وضع إطاراً للسلام الإقليمي يضعف الحاجة السابقة لمظلة الحماية الأميركية للمملكة ودول الخليج.

    كما إن نمو المبادلات التجارية والعقود الاستثمارية بين الصين والدول العربية سيعزز قوة اليوان الصيني ويزيد توجهات دول المنطقة لاستخدامه في المبادلات التجارية مع الصين، وقد تبنت هذا الاتجاه دولة الإمارات العربية كما تتجه المملكة العربية السعودية لإجراء المزيد من صفقات بيع النفط إلى الصين في مقابل اليوان بدلاً من الدولار.

    وبالتأكيد، فإن تبلور نوع من التحالف السعودي الصيني بدعم من دول الخليج الباقية يضع لبنات جديدة وازنة في مشروع مجموعة الـ BRICS لعالم متعدد الأقطاب يمكنه إطلاق خطة متوسطة الأجل لخلق عملة تبادل واحتياط مشتركة بديلة عن الدولار وتنويع الشراكات السياسية والاقتصادية.