أوبك والولايات المتحدة وثمار الاتفاق السعودي الإيراني

  • 2023-03-23
  • 12:05

أوبك والولايات المتحدة وثمار الاتفاق السعودي الإيراني

  • أحمد عياش

 

سيظل الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعت توقيعه الصين في 10 آذار/ مارس الحالي، تحت مجهر المراقبة الإقليمية والدولية، حتى العاشر من أيار/مايو المقبل، أي عند انتهاء مهلة الشهرين التي وردت في الاتفاق كي يجري تنفيذ بنوده وفي مقدمها عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلديّن قبل قطعها في العام 2016. فما هي المعطيات التي تكشفت خلال الأيام التي تلت توقيع الاتفاق؟

لم يغب عن الاذهان أن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية هما عضوان في منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) والتي يعتمد عليها العالم لتزويده بالطاقة التقليدية. فهل يمكن ربط مستقبل عمل هذه المنظمة منذ اليوم بما سيؤول اليه تنفيذ ما صار يعرف باسم "إتفاق بكين"؟

إقرأ أيضاً:

الاتفاق السعودي الإيراني: لكي ينتج الشرق الأوسط الطاقة وتصديرها بسلام


     من هذه الزاوية التي تطل على نتائج إعادة تطبيع العلاقات بين الجارين الكبيرين في الخليج، جاء في "تقرير الاتفاقية السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الديبلوماسية" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية في 14 آذار/ مارس الحالي انه "لكون السعودية وايران تعدّان معاً من اكبر منتجي النفط داخل منظمة الأوبك، قد يزيد التعاون والتنسيق بينهما حول حجم الإنتاج والصادرات وتقلّ فرص الخلافات في حال عودة العلاقات لطبيعتها الكاملة".

     

     

    أوبك والاتفاق

     

    وفي سياق متصل بمنظمة "أوبك"، وتحت عنوان: "كيف ملأت أوبك فراغ النفط الأميركي الروسي" كتب بقلم أليكس كيماني في موقع  Oilprice.com الالكتروني يقول: "في حين أن الولايات المتحدة لم تكن قريبة من الاعتماد على سلع الطاقة الروسية مقارنة بالدولة الأوروبية، إلا أنها لا تزال تستورد كمية كبيرة من النفط الخام والزيوت غير المكتملة، ما يجعل مهمة استبدال هذه الإمدادات في غضون مهلة قصيرة تحدياً لشركات الطاقة"، وأضاف: "في الواقع، كانت بصمة روسيا في الولايات المتحدة تنمو باطراد في السنوات التي سبقت الغزو، ولكن لحسن الحظ، تمكّن المنتجون والمصافي في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية من التدخل وملء الفراغ الذي خلفته إزالة النفط والغاز الروسيين". وتابع  الكاتب :"لعبت أوبك دوراً كبيراً في ملء الفراغ الذي خلفه الحظر. نمت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام من الكارتل بمقدار 101000 برميل في اليوم من العام 2021 إلى العام 2022، مع زيادة التدفقات من المملكة العربية السعودية والعراق بمقدار 100000 برميل في اليوم و92000 برميل في اليوم على التوالي، كما لاحظت شركة Energy Intelligence، كذلك لعبت الدول الأعضاء في أوبك دوراً حاسماً في استبدال المنتجات النفطية الروسية، وزادت شحنات البلاد من النفط غير المكتمل من أوبك بمقدار 136،000 برميل في اليوم إلى 190،000 برميل في اليوم من 2021 إلى 2022، مع كون المملكة العربية السعودية والعراق مرة أخرى أكبر المصدرين".

    وخلص مقال موقع  Oilprice.com الى القول: "من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن صادرات المنتجات النفطية الأميركية ارتفعت أيضاً العام الماضي بعد أن أصبحت البلاد مورد الطاقة الملاذ الأخير بعد غزو روسيا لأوكرانيا، حيث تجاوز إجمالي شحنات النفط 11 مليون برميل يومياً، ولا يزال الطلب على النفط الأميركي قوياً في العام الحالي".


    يمكنك المتابعة:

    الاتفاق الصيني السعودي الإيراني يخلط الأوراق في المنطقة


    ظروف واعدة على مستوى أسواق الطاقة

     

    إذاً، يأتي الاتفاق السعودي الإيراني في ظروف واعدة على مستوى أسواق الطاقة، لكنه يأتي أيضاً في ظروف مشابهة على مستوى العلاقات الثنائية عند عودتها الى طبيعتها. وبالعودة الى ما ورد آنفاً حول "تقرير الاتفاقية السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الديبلوماسية" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، جاء أيضاً:" على الرغم من محدودية التبادل التجاري بين البلديّن نظراً لتشابه هياكل التصدير والاستيراد، إلا ان عودة العلاقات بين البلديّن قد تزيد من إستفادتهما من فرض تجارية وتطورات إيجابية تشكّلت خلال السنوات السبع الماضية. فالجانب السعودي يمتلك منتجات خدمية حصرية كالحج والعمرة و"السياحة الدينية" والترفيهية، وفي حال إستعادة حركة الطيران المباشر بين البلديّن ستتعاظم إيرادات السياحة الدينية والترفيهية، كما بدّلت السعودية خطوات غير مسبوقة في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية في مجالات التصنيع والتكنولوجيا وفق مستهدفات رؤية 2030  لتنويع مصادر الدخل ما يزيد فرص الإنتاج الصناعي غير النفطي ويجعله محلاً محتملاً للتبادلات الخارجية مع ايران خصوصاً وأنها تستورد المنتجات الصناعية التكنولوجية بكثافة. أما ايران فتمتلك منتجات غذائية تقليدية لها مكانة كالزعفران والمكسرات والكافيار والسجاد ومنتجات زراعية متنوعة، الى جانب امتلاك رأس مال صناعي في بعض المجالات كالتصنيع الغذائي والميكانيكي والهندسي وقطع الغيار وما شابه يتم تصديرها لبعض دول الجوار، كما إن تراجع قيمة عملتها المحلية يقلل من سعر منتجاتها في الأسواق الخارجية، وتمتلك ايران مقومات سياحية تجذب السائحين من دول الخليج اليها". 

    وينتهي التقرير الى القول:" تحتاج ايران لاستثمارات ضخمة في قطاعات نفطية وغير نفطية قد تكون محلاً للتعاون بين البلديّن اذا ما رفعت العقوبات الأميركية عن ايران. وعلى الجانب الجيو-اقتصادي، فالسعودية وايران معاً محاور أساسية لطريق الحرير الصيني الواصل الى أوروبا، وتسعى الصين لتأمينه وتقليل الخلافات بين الدول الواقعة عليه حتى تقلّ تكاليف المرور وتتعاظم مكاسب كل الأطراف".

     

     

    من الخسارة إلى وضع مربح للجانبين

     

    وتنلقل النيويورك تايمز عن علي أكبر بهمانيش، المحلل السياسي في طهران المقرب من الحكومة قوله: "نحن ننتقل من استراتيجية كانت خاسرة لجميع الأطراف إلى وضع مربح للجانبين"، قال علي أكبر بهمانيش، المحلل السياسي في طهران المقرب من الحكومة: "لقد أدركنا أنه من أجل حل العديد من مشاكلنا، كان علينا أن نصنع السلام مع الأخ الأكبر للعالم العربي، وهو المملكة العربية السعودية. السنوات السبع من الأعمال العدائية لم تفد مصالحنا على الإطلاق".

    في الوقت نفسه، توقفت المفاوضات بين إيران والقوى العالمية لإحياء الاتفاق النووي الذي انهار في العام 2018 عندما سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق مع احتمال ضئيل لإحيائه، ومن دون التوصل إلى اتفاق، ستظل العقوبات المفروضة على عائدات النفط الإيرانية ونشاطها المصرفي سارية، مما يساهم في التدهور المطرد للاقتصاد الإيراني، كما حاولت الولايات المتحدة وأوروبا عزل إيران لتزويد روسيا بطائرات من دون طيار استخدمت في الحرب في أوكرانيا.

    وبحسب النيويورك تايمز، تحتاج إيران إلى "جميع الأصدقاء - أو على الأقل غير الأعداء - الذين يمكنها الحصول عليهم". ولفتت الى ان المملكة العربية السعودية "لاعب إقليمي قوي، ولديها علاقات وثيقة مع الغرب".

    وقال محللون إن إيران تعتبر المصالحة مع السعودية انتصاراً وجزءاً أساسياً من استراتيجية لخفض درجة الحرارة محلياً وخارجياً كما قال سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وهي مجموعة بحثية مقرها لندن.

     

    طهران: انفراجة مالية؟

     

    على الجانب الإيراني، قدم أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني أخيراً، تطمينات للإيرانيين بـ"انفراجة مالية" بعدما توصلت طهران إلى تفاهمات إقليمية، بما في ذلك الاتفاق مع السعودية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.

    أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قد كتب في مقال رأي نشرته وكالة "إرنا" الرسمية الإيرانية، أن اتفاق طهران والرياض على استئناف العلاقات الدبلوماسية، قد يشكل القوة الدافعة وراء تحقيق الاستقرار لصالح المنطقة بأسرها.

    إنها رحلة الالف ميل التي انطلقت في العاشر من آذار/ مارس الحالي، وعلى ما يبدو ان الاقتصاد كان الخطوة الأولى في الرحلة، التي تستحق ان تواكب بكل إهتمام، وطبعاً من دون احكام مسبقة.