توسا دي مار الإسبانية: "القرية الكنز" على الساحل الكتالوني

  • 2022-10-26
  • 08:00

توسا دي مار الإسبانية: "القرية الكنز" على الساحل الكتالوني

  • برت دكاش

يعتقد من يزور مدينة توسا دي مار Tossa de Mar، للوهلة الأولى، بأنها مجرّد قرية بحرية مثل جميع القرى المنتشرة على شاطئ البحر المتوسط. اعتقاد سرعان ما يتلاشى عندما تبدأ جولة الزائر في أزقتها القديمة ذات الطابع الإسباني ببيوتها المتلاصقة، ويكتشف شواطئها النصف رملية والرملية الساحرة وطبيعتها الخلّابة.

لا يهم إذا كنت تزور توسا دي مار بمفردك طلباً للاستجمام والسكينة، أو ضمن مجموعات سياحية لا تتوقف القرية عن استقبالها إلى حين انتهاء الموسم السياحي فيها، أو مع العائلة والأولاد. فتوسا دي مار، رغم صغر مساحتها مقارنة بجارتها الأشهر "لوريت"، تزخر بالأنشطة الترفيهية التي تلبّي حاجات زوارها، بعيداً عن فئاتهم العمرية أو هدف زيارتهم.

قرية كتالونية

تقع قرية توسا دي مار التي يشبه اكتشافها اكتشاف كنز مصادفة، على ساحل الكوستا برافا في مقاطعة كتالونيا الإسبانية، وتحديداً على بعد نحو 103 كيلومترات شمالي برشلونة و100 كيلومتر من الحدود الجنوبية مع فرنسا، لذا فهي تعدّ المقصد المثالي للسياح الفرنسيين الذين تلتقيهم كثيراً خلال جولتك.

تبلغ مساحة القرية التي أصل اسمها تورنيسا 38.6 كلم مربع وعدد سكانها 5584 نسمة بحسب إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء للعام 2018. يتحدث سكانها اللغة الكتالونية والإسبانية. وبحكم اختلاطهم بالسياح من كل حدب وصوب، لا يجد قاصدوها صعوبة في التفاهم معهم، إذ يفهمون أيضاً الإنكليزية والفرنسية.

موسم سياحي طويل

ينطلق الموسم السياحي في توسا دي مار ذات المناخ المتوسطي الرطب شتاء والحار نسبياً صيفاً، في نيسان/ أبريل وينتهي في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الذي تبدأ معه فرصة السكان بعد موسم سياحي زاخر، كما يطلعك مالكو المتاجر والمؤسسات فيها. ويخبر أحد مالكي محال بيع التذكارات لـ "أولاً- الاقتصاد والأعمال" قائلاً: "في مثل هذا الوقت من كل عام يتراجع عدد الوافدين إلى القرية لكن من دون أن ينقطع". كلام تؤّكده أعداد الواصلين إلى الفنادق طيلة أيام الأسبوع لتبلغ ذروتها عصر الجمعة. ويضيف بمودّة، وهو يطلعك على أنه سيقفل نهاية الشهر (تشرين الأول/ أكتوبر) ليغادر القرية إلى حين انتهاء فصل الشتاء: "يعتبر أيلول/ سبتمبر شهراً جيداً جداً لزيارة توسا دي مار حيث يكون طقسها جميلاً، أي لا يزال صيفياً إنما أقل حرّاً من تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، فيما قد يشهد تشرين الأول/ أكتوبر أياماً ماطرة". ولا يتوانى عن السؤال عما إذا كنت سعيداً في إقامتك في القرية وهو يوضّب لك التذكارات التي اشتريتها من متجره في آخر يوم لك فيها، ترتسم على ثغره ابتسامة قبل أن يقول بارتياح: "جيد جداً". وقبل مغادرتك متجره، يقدّم لك تذكاراً هدية من المتجر.

ويكشف أحد أصحاب متاجر الحلي والأكسسوارات ممن تستهويهم الثقافة الشرقية واللغة العربية الفصحى لـ "أولاً الاقتصاد والأعمال" أنه في صباه كان يغادر القرية لدى انتهاء الموسم السياحي، "أما الآن فأحب تمضية فصل الشتاء فيها على الرغم من امتلاء شوارعها بالمياه وعدم القدرة على الخروج دائماً". ويوضح لدى إطلاعك على دوامات فتحه أبواب محلّه الممتلئ بالقطع الفريدة والاستثنائية وتعكس الأسلوب الإسباني: "أنا أملك المتجر، ومع تراجع أعداد السياح الذين تقتظ بهم الأزقة، أفتحه وأغلقه ساعة أشاء"، غير إن كلامه لا يلغي اهتمامه بتلبية حاجات الزبائن الذين يسترسل بالحديث معهم ويظهر استعداده للتوجه معهم إلى متجره الثاني المغلق في زقاق فرعي ليجد لهم طلبهم.    

الرياضات والجولات البحرية

تشتهر قرية توسا دي مار بشواطئها الثلاثة الرئيسية، وهي: شاطئ توسا (بلاتجا جران)، وهو أكبر شاطئ فيها بطول 380 متراً يمتد أمام وسط المدينة وينتهي غرباً عند جدران المدينة القديمة بحصنها الذي يعود تاريخه إلى القرون الوسطى. تنطلق من على ضفاف هذا الشاطئ رحلات بحرية على مدار النهار اي القرى الساحلية المجاورة مثل سانتا سوزانا أو لوريت أو بانس أو للانتقال بواسطة قارب صغير في جولة على المغاور البحرية مع إمكانية ارتياد الشاطئ المختبئ بين جنباتها.

والشاطئ الثاني هو لا مار مينودا ويضم جميع الخدمات والمرافق المعتادة للرياضات المبحرية، بما في ذلك تأجير المعدات الرياضية. ويقصد هذا الشاطئ هواة الغطس والمحترفين بشكل كبير، ولاسيما من برشلونة كما من خارجها.

يتوسط شاطئي توسا ولا مار مينودا، عند مرتفع مشرف عليها، تمثال للإلهة الرومانية مينرفا، الرديفة للإلهة أتينا عند الإغريق.

أما الشاطئ الثالث، وهو شاطئ كودولار، فيقع بين صخور عالية، خلف أسوار المدينة القديمة "فيلا فيلّا" Vila Vella.

توسا الأثرية

تعتبر "فيلا فيلّا" بمثابة نصب تاريخي فني وطني. خضعت أسوارها المبنية في القرن الثاني عشر للترميم في القرنين الرابع عشر والثامن عشر، وتحتضن في أرجائها أبراج أسطوانية أشهرها برج Can Magí المبني في القرن السادس عشر بأمر من فيليب الثاني، وهو بمثابة برج مراقبة لحماية السكان من النهب والغارات من قبل قراصنة شمال إفريقيا وتركيا آنذاك. يقع على بعد 500 متر من وسط توسا دي مار التاريخي، وكان الهدف منه إنذار السكان بوجود هجوم فيختبئون أو يستعدون للدفاع عن القرية وأنفسهم.

يضم نطاق الأسوار آثاراً ومبانٍي، منها منزل قديم من القرون الوسطى تحوّل إلى المتحف البلدي بعد ترميمه. افتتح أمام العموم العام 1935، وهو يعرض أعمالاً فنية إقليمية حديثة، وفسيفساء رومانية قديمة، وأشياء مختلفة من العصر الحجري الحديث الذي ترقى إليه توسا دي مار، وأدوات حجرية والسيراميك والعملات المعدنية. ويعد أول متحف للفن الحديث في إسبانيا.

وتختبئ كذلك بين الحصون بقايا قديمة لكنسية، كما منارة توسا التي بنيت العام 1917 على أعلى نقطة في Vila Vella في موقع قلعة قديمة. ولا تزال المنارة تعمل حتى اليوم وصنّفت كممتلكات ذات أهمية ثقافية في قائمة التراث المعماري لكاتالونيا.

ولا تتساءل إذا ما طالعك في جولتك داخل "فيلا فيلّا" تمثالاً للممثلة آفا غاردنر وسط ساحة تحمل اسمها، فمن خلال بحث بسيط تكتشف أنه بمثابة تكريم لها بعد أدائها دور البطولة في فيلم "باندورا" صُوّر في توسا دي مار وحوّل القرية البحرية إلى مدينة سياحية بامتياز.

إلى ذلك تضم توسا كنيسة مكرّسة للشهيد فنسنت من سرقسطة منذ العام 1775، وذلك بعد 20 عاماً من العمل. بالإضافة إلى مستشفى سانت ميكيل القديم الذي تأسس العام 1773 كمستشفى للفقراء ويتألف من طابقين مع ساحة فناء مركزية، ويضم الآن المركز الثقافي للقرية وتقع الى جانبه كنيسة القديس ميكيل التاريخية.

توسا السياحية

عُرفت توسا دي مار، تاريخياً باعتمادها على الفلين والنبيذ اللذين كانا معروفين في جميع أنحاء أوروبا، بينما احتلّ صيد الأسماك المرتبة الثالثة في التسلسل الهرمي لمصادر دخل القرية. أما حالياً، فتُعد السياحة المورد الرئيسي للسكان مع الإشارة إلى أن توسا دي مار من أولى المدن الإسبانية التي تخلّت عن تقليد مصارعة الثيران.

تضم Tossa نحو 60 فندقاً ومقرّ إقامة، وإذا كنت ممن يبحثون عن كبريات الأسماء في القطاع الفندقي، فلن تجد طلبك فيها من ناحية المباني الضخمة والبذخ في التصميم، لكنها فنادق راسخة في الصناعة الفندقية وأصول الضيافة والترفيه المتنوّعة، ولاسيما المستقاة من التراث الإسباني مثل أمسيات الفلامينغو، كما تحتوي القرية على العديد من الحانات والنوادي على طول الشاطئ كما في الأزقة القديمة؛ بعضها يقدم وجبات إسبانية تقليدية مثل الناتشوز والجبنة الطازجة والباييلا الشهيرة وغيرها من المأكولات البحرية واللحوم. ويقدّم بعضها وجبات أجنبية مثل البيتزا الإيطالية مثل مطعم "لا غروتا" الواقع في زقاق قديم، والذي يجمع بتصميمه الطابعين الإيطالي والإسباني، بالإضافة إلى مطاعم الكباب التركي التي قد تصادفك خلال تجوالك سواء في الجانب القديم من توسا دي مار أم في الجانب الحديث منها.

ولمحبي القهوة، باستطاعتهم ارتياد المقاهي عند أطراف "فيلا فيلّا" أو في مقاهي الشاطئ لاحتساء كوب من القهوة الإسبانية أو الـ"كورتادو" المكوّنة من قهوة الإسبرسو والحليب.