الأزمات تحاصر العالم: انتهى من كورونا وابتلى بأوكرانيا!

  • 2022-09-22
  • 14:52

الأزمات تحاصر العالم: انتهى من كورونا وابتلى بأوكرانيا!

  • أحمد عياش

لم تكن جائحة فيروس كورونا، على الرغم من أنها منعت قادة العالم من التجمع لمدة عامين، نقطة مركزية للنقاش في أعمال الدورة العادية للأمم المتحدة هذه السنة. لكن وجودها لا يزال محسوساً عند مسؤولي الأمم المتحدة الذين يحاولون إقناع المسؤولين من مختلف أنحاء العالم الذين تقاطروا الى نيويورك حتى بالحد الأدنى من التعاون. ودعا رئيس الجلسة، كسابا كوروسي، الجمعية إلى النظام، وناشدهم الانتباه إلى القواعد. وقال: "أودّ أن أذكر الأعضاء بأن الأقنعة يجب أن يرتديها الحاضرون في جميع الأوقات عندما يكونون في الداخل، باستثناء عند مخاطبة الاجتماع مباشرة"، بينما كان الرؤساء والوزراء والدبلوماسيون يتجولون، ومعظمهم من دون أقنعة.

إذاً، بدأ العالم عملياً يطوي صفحة الوباء، لكنه فتح قبل ذلك صفحات من الأزمات التي تدافعت بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير الماضي، أي قبل نحو سبعة أشهر.

يقول دبلوماسي يعمل في الأمم المتحدة في نيويورك، وأعطته الإندبندنت البريطانية اسماً مستعاراً هو، "أمين باشا"، إن الأصوات التي تطالب بالتركيز على عملية التعافي الاقتصادي من تبعات الوباء تواجه التهميش، بسبب الضجة التي يثيرها قادة العالم، وشجبهم المستمر، لما يجري على الساحة الأوكرانية، وبالتالي انقسم الدبلوماسيون حول ماهية الملف الأكثر أهمية، وإلحاحاً، بين الملفين.

من جهتها، دعت أكثر من 200 منظمة غير حكومية قادة العالم المشاركين في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إلى اتخاذ إجراء حازم لمعالجة أزمة الغذاء العالمية، قائلة إن شخصاً واحداً يموت من الجوع كل أربع ثوان.

وفي رسالة مفتوحة، حثت المنظمات قادة العالم المجتمعين على إنقاذ أرواح الناس. وقالت تلك المنظمات إن قرابة 350 مليون شخص يعانون الآن من جوع حاد، وهو ضعف العدد الذي سُجل قبل ثلاث سنوات، وهناك 50 مليون شخص يعيشون على حافة المجاعة. وتقول الرسالة إن عوامل مشتركة من الفقر وعدم المساواة والصراع والتغير المناخي والصدمات الاقتصادية تفاقمت بفعل وباء كورونا، والحرب في أوكرانيا.

غير إن جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قال إن "أوكرانيا تتصدّر جدول الأعمال. لا مفرّ من ذلك. نحن نعلم أن هناك الكثير من المشاكل الأخرى، لكن الحرب في أوكرانيا تصدر موجات صدمة حول العالم".

لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعا قادة العالم إلى عدم نسيان الأولويات الأخرى كالتعليم، الذي كان موضوع النقاش في قمة خاصة الاثنين الماضي. وقال غوتيريش مخاطباً القمة إن "التعليم يعاني من أزمة عميقة، وبدلاً من أن يكون أداة تمكين عظيمة، يتحول التعليم سريعاً إلى أداة انقسام".

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن وباء كورونا كان له تأثير مدمر على التعليم، وكان للوضع تأثير سلبي خاص على الطلاب الفقراء الذين يفتقرون للتكنولوجيا، كما إن الصراعات أدت إلى تعطيل المدارس. وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير نشر في وقت سابق من هذا الشهر، إن وباء كورونا أعاق تقدم الإنسانية بمقدار خمس سنوات.

لكن بقدر ما لاحت الحرب الاوكرانية في الأفق في الجمعية العامة، تطرق قادة العديد من الدول الصغيرة لفترة وجيزة فقط إلى الصراع في خطاباتهم، ما يعكس تردد العديد من الدول في التورط في المنافسات، والعقوبات الاقتصادية، المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب. ومن وجهة نظرهم، فإن التركيز على الحرب قد أخذ الاهتمام العالمي بعيداً عن الأزمات التي يواجهونها، بما في ذلك تغير المناخ ونقص الغذاء والصراعات الداخلية. ومن نماذج هؤلاء القادة رئيس غانا أكوفو-أدو الذي ركز على مسألة التحديات الاقتصادية العالمية والحاجة إلى حلول أدائية للاقتصادات الأفريقية. وأشار إلى أن "كوفيد 19" دفع أفريقيا إلى أسوأ ركود منذ نصف قرن، وقال: "لاحظ البنك الدولي، أن الاقتصاد العالمي يعاني من أشد تباطؤ له منذ العام 1970. قبل عامين، توقف عالمنا بشكل مدوي، بينما كنا نرتعد من جائحة صحية من فيروس خبيث مجهول، إلى جانب وباء اقتصادي عالمي مدمر، ولم يعد العجز المرتفع في الميزانية مصدر قلق للدول النامية فقط. وارتفعت معدلات التضخم في العديد من البلدان الأفريقية بثلاثة إلى أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل عامين فقط. "وقال "إن غانا تشهد أعلى معدل تضخم منذ 21 عاماً".

في موازاة ذلك، ما زالت نتائج الحرب الاوكرانية تلقي بثقلها على أسواق الطاقة في القارة الاوروبية. وبحسب تقرير لوول ستريت جورنال، فإن أسعار الغاز الطبيعي تدفع المصنعين في أوروبا إلى التحوّل إلى الولايات المتحدة. وبحسب ديفيد أوبرتي الذي كتب تقريراً في الصحيفة الاميركية فإن الرابح الأكبر من أزمة الطاقة في أوروبا هو الاقتصاد الأميركي. وقال: "بعد أن تضررت من الارتفاع الهائل في أسعار الغاز، فإن الشركات في أوروبا التي تصنع الصلب والأسمدة وغيرها من المواد الأولية للنشاط الاقتصادي تتجنب عملياتها إلى الولايات المتحدة، حيث تجذبها أسعار الطاقة الأكثر استقراراً والدعم الحكومي القوي، في الوقت الذي تهدد فيه التقلبات الجامحة في أسعار الطاقة ومشاكل سلسلة التوريد المستمرة أوروبا بما يحذر بعض الاقتصاديين من أنه قد يكون حقبة جديدة من تراجع التصنيع، كشفت واشنطن النقاب عن مجموعة من الحوافز للتصنيع والطاقة الخضراء. ويقول المسؤولون التنفيذيون إن النتيجة هي ملعب يميل بشكل متزايد لصالح الولايات المتحدة، خصوصاً بالنسبة للشركات التي تراهن على مشاريع لصنع المواد الكيماوية والبطاريات وغيرها من المنتجات الكثيفة الاستهلاك للطاقة".

بالعودة الى أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، فإن ما يقدمه الدبلوماسيون من حجج حول ماهية الملف الأكثر أهمية، هل هو الازمات الاقتصادية أم حرب أوكرانيا تبدو مقنعة في وقت واحد، الامر الذي يستدعي العمل على إيجاد الحلول على المستويين معاً.

ويمضي الدبلوماسي الذي استندت اليه الإندبندنت البريطانية في تقريرها الى القول، أنه طوال الأعوام السبعة والسبعين الماضية، كانت الأمم المتحدة "تحصّن نفسها خلف سلاسل من الإجراءات البيروقراطية البطيئة، لكنها ناجحة في الوقت نفسه في التأكد من أن تقاطع الطرق بين الإنسانية والعنف يستمر واضحاً، لكن الآن يصبح الأمر أكثر صعوبة". ويختم قائلاً إنه "لدينا بالفعل الطاولة في منتصف الغرفة، فدعونا نستخدمها لما صنعت له، وهو ما يتوق له الموظفون، لكن لا توجد رؤية سياسية. فليساعدنا الرب جميعاً إن لم نحظ سريعاً برؤية مناسبة، لحل هذه الأزمات".

لو تخيّل المرء ان حرب أوكرانيا لم تنشب، كيف كانت ستبدو الصورة في نيويورك هذه الأيام؟ من الأجوبة السريعة على هذا السؤال الافتراضي، ان زعماء العالم قاطبة كانوا سيحضرون اعمال الدورة الـ 77 للأمم المتحدة. لكن عدداً من هؤلاء، وفي مقدمهم الرئيسان الصيني شي جين بينغ  والروسي فلاديمير بوتين كانا من ابرز الغائبين بسبب الشرط التي وضعته الأمانة العامة للأمم المتحدة وهو الحضور فعلياً كيف يعطى المسؤول حق الادلاء بكلمة باستثناء الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي القى كلمة عن بعد. لكن لو لم تقع الحرب واكتمل حضور زعماء العالم لكانت هناك مناسبة للاحتفال بزوال رعب وباء كورونا. لكن للأسف هذه الفرحة لم تحصل.