برغم ارتفاع معدلات التضخم واستمرار تراجع الليرة: أداء لافت للاقتصاد التركي

  • 2022-09-01
  • 14:58

برغم ارتفاع معدلات التضخم واستمرار تراجع الليرة: أداء لافت للاقتصاد التركي

  • "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"

 

لا يوجد رئيس دولة تعرّض لحملات الصحافة الأجنبية  و"خبراء السياسات النقدية"  كما تعرّض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصوصاً منذ أن قرر اتباع سياسة في المجال النقدي تخالف أهم المبادئ المعتمدة من قبل البنوك المركزية، والتي يعتمدها أيضاً صندوق النقد الدولي في معالجة الأزمات النقدية.

هذه السياسة المغايرة تماماً لتوصيات البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي قلبت أوليات السياسة النقدية لتجعلها مسخَّرة لتنمية الاقتصاد والصادرات، وليس للجم التضخم ودعم استقرار النقد الوطني. 

وهذه السياسة التي يسميها أردوغان "النموذج التركي" أصبحت تمثل تحدياً كبيراً للسياسات الاقتصادية الراسخة في العقود الاخيرة  
ولـ "إجماع" البنوك المركزية والخبراء النقديون والذين يعتبرون مقاربته للأزمة النقدية في بلده بمثابة "هرطقة نقدية" تناقض كل مبادئ السياسات النقدية المعمول بها في العالم. إذ كيف يمكن لحكومة تواجه تدهوراً في عملتها المحلية تجاه الدولار وغيره من العملات القوية بدلاً من الدفاع عنها عبر رفع الفائدة عليها أن تقوم بما يعاكس ذلك تماماً أي بخفض أسعار الفائدة، وهو ما يتسبب بطبيعة الحال بسقوط سعر هذه العملة مع ما يرافق ذلك من تسارع معدلات التضخم التي تعدت نسبتها أخيراً الـ 80 في المئة في تركيا والمتوقع بقائها في مستويات عالية خلال العام 2023.  لكن يبدو ان أردوغان لديه كما هو واضح أولويات أخرى تخالف أولويات "النقديين" فهو أولاً يرى فوائد كبيرة في العملة التركية الضعيفة (والفوائد المنخفضة بل السلبية عليها) في مجالات مثل نمو الاقتصاد والصناعة والصادرات والسياحة وكلها تحقق تدفقات وفيرة بالعملات الاجنبية وتعزز بالتالي ميزان المدفوعات ومن باب خلفي قدرة الدولة على تطبيق سياسات تدعم الليرة وتقنع الجمهور التركي بعدم التخلي عنها وخصوصاً سياسة ضمان قيمة بعض الحسابات وسياسة إجبار الشركات على عدم الاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد الأجنبي (عبر سلاح تقييد الإقراض)، كما ان عين اردوغان هي على الساحة السياسية التركية المنتظر ان تشهد انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام المقبل وعلى سياسة المشي على الحبل الذي يمارسها في الازمات الدولية ولاسيما في ازمة اوكرانيا حيث يوازن بين دور تركيا كعضو في حلف الناتو وعلاقاتها وحساباتها السياسية والاقتصادية مع روسيا.

 خارج السرب النقدي

ومن المرجح أن استراتيجية أردوغان المالية لا تقوم فقط على فلسفة مختلفة حول دور البنك المركزي والسياسة النقدية، بل هي تستند إلى رؤيته لعالم اليوم. وقد  شاهد أردوغان كيف أدى التدفق الكبير للأموال على الأسواق الآسيوية في العام 1997 ثم الهرب السريع لتلك الرساميل إلى انهيار شامل في تايلاند وإندونيسا وكوريا الجنوبية، وكيف أدت الشروط الصعبة التي فرضها صندوق النقد الدولي على تلك الدول إلى مفاقمة الازمات الاقتصادية والاجتماعية في بعض هذه الدول.

في المقابل تابع أردوغان تجربة رئيس حكومة ماليزيا السابق مهاتير محمد الذي رفض الاستعانة بصندوق النقد الدولي وتمكن عبر برنامج خلاق من إنقاذ الاقتصاد الماليزي من الأزمة التي كادت تطيح بالاقتصادات الآسيوية الناشئة.

حصاد طيب مفاجئ

لكن بينما يستمر المحللون في انتقاد السياسات النقدية المعتمدة في تركيا حالياً، فإن الإحصاءات التي نشرت في اليومين الأخيرين حملت أنباء جيدة لـ اردوغان تتناقض مع التوقعات السلبية السائدة منذ مطلع العام الحالي حول الاقتصاد التركي. وهذه المؤشرات التي حملها تقرير لوكالة بلومبرغ  الأميركية أخيراً أظهرت أن الاقتصاد التركي حقق في السنة المنتهية في آخر حزيران/يونيو 2022 ثاني أعلى نسبة نمو بين دول مجموعة العشرين (7.4 في المئة) وذلك بعد المملكة العربية السعودية التي سجلت معدل نمو بلغ في الفترة نفسها 11.8 في المئة في الفترة نفسها. وبحسب اقتصاديي بلومبرغ، فإن العاملين الأساسيين في تسارع نمو الاقتصاد التركي هما أولاً الزيادة الكبيرة في الاستهلاك في مناخ فوائد منخفضة، أما العامل الثاني فهو النمو الكبير في الصادرات والذي ساهم بنحو 3 في المئة من أصل معدل النمو الشامل الذي بلغ نحو 7.4 في المئة.

إلا أنه من العوامل المهمة التي ساهمت في تحقيق معدل النمو المرتفع الزيادة الكبيرة في تدفقات السياح من كل أنحاء العالم إلى تركيا إذ قفز عدد السياح إلى تركيا بنحو 53 في المئة في شهر تموز/يوليو ليصل إلى 6.67 ملايين سائح في ذلك الشهر، كما إن الحكومة تتوقع أن تبلغ العائدات من السياحة للعام 2022  نحو 37 مليار دولار وهو ما يقدم دعماً كبيراً لميزان المدفوعات التركي ويساعد أردوغان على تدعيم مواقعه على أبواب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام المقبل. وبالطبع، فإن التدفق الكبير للسياح إلى تركيا ساهمت فيه عوامل عدة أبرزها انخفاض سعر صرف الليرة التركية وغياب قيود كورونا.

في هذه الأثناء، توقعت وزارة المال التركية أن يستمر التضخم في الارتفاع حتى حدود الـ 80 في المئة قبل أن يبدأ بالتراجع في أواخر العام الحالي، وقد برر وزير المال التركي قرار وزارته الأخير بخفض الفائدة على الليرة التركية إلى 13 في المئة (من 14 في المئة) بتزايد المؤشرات على تباطؤ الاقتصاد التركي مما يبرر الإجراء كوسيلة للحفاظ على اندفاعة النمو الحالية. ويعتبر سعر الفائدة في تركيا سلبياً في حال احتساب معدل التضخم لا بل هي الاعلى فائدة سلبية مسجلة في العالم. ويبقى ان ازدهار التركي معرضاً لمخاطر اهمها الركود الذي يقض مضاجع اوروبا خصوصاً وان اوروبا هي السوق الاكبر للصادرات التركية.