بين حربيّ الكويت وأوكرانيا ... بوتين يرفض أن يعامل كما عومل صدام حسين

  • 2022-07-15
  • 06:00

بين حربيّ الكويت وأوكرانيا ... بوتين يرفض أن يعامل كما عومل صدام حسين

  • أحمد عياش

في 28 حزيران/يونيو الماضي، قال مسؤولون في مجموعة السبع إن زعماء مجموعة السبع اتفقوا على دراسة الحدود القصوى المحتملة لأسعار النفط والغاز الروسيين في محاولة للحدّ من قدرة موسكو على تمويل غزوها لأوكرانيا.

وقال المسؤولون في المجموعة، ومن بينهم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، إن الإجراء سيحدّ من السعر الذي تتلقاه روسيا مقابل الطاقة مع السماح للمستهلكين الغربيّين بمواصلة الحصول على الإمدادات.

في 14 تموز/يوليو الحالي، أي بعد مرور أكثر من أسبوعين، وقفت الوزيرة الأميركية تعلن من إندونيسيا، إن وضع حدّ أقصى لأسعار النفط الروسية سيكون حاسماً للمساعدة في خفض التضخم مع ارتفاع تضخم المستهلكين الأميركيين إلى أعلى مستوى في 40 عاماً عند 9.1 في المئة هذا الأسبوع.

وفي حديثها قبل بدء اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية في بالي، قالت يلين إنه يجب بذل الجهود لكبح جماح اثنين من التداعيات الاقتصادية الرئيسية للأزمة الروسية الأوكرانية، وهما ارتفاع أسعار الوقود وارتفاع انعدام الأمن الغذائي اللذان يجتاحان الولايات المتحدة والعالم.

هل بالإمكان الوصول الى وضع حدّ أقصى لأسعار النفط الروسية؟ وهل ستستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين بلوغ هذا الهدف؟

يقول ستانلي ريد في الـ"نيويورك تايمز"، عندما بدأ التفكير الغربي في شأن تحديد الحد الأقصى لأسعار نفط روسيا بدا انه "من غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه الخطة يمكن أن تنجح"، ولفت الى انه على الرغم من العقوبات التي فرضها الغرب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال موسكو تجني عائدات كبيرة من النفط.

أين تكمن الصعوبة في وصول الغرب عموماً والبيت الأبيض خصوصاً إلى "إيجاد حلّ سحري من شأنه معاقبة روسيا من دون رفع أسعار النفط وممارسة المزيد من الضغط على المستهلكين في الولايات المتحدة وأماكن أخرى" كما قال ريد؟

هناك بعض الأسئلة الأكثر شيوعاً حول الحدّ الأقصى للسعر، والتحديات التي قد تواجهها. فهل تمّ ذلك من قبل؟ تجيب "رويترز": أنشأت الأمم المتحدة آلية مماثلة إلى حدّ ما كجزء من برنامج النفط مقابل الغذاء في العام 1995 للسماح للعراق ببيع النفط مقابل الغذاء والدواء. وكان الهدف من البرنامج الذي قدمته إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون هو تلبية الاحتياجات الإنسانية للعراقيين العاديين مع منع حكومة صدام حسين من تعزيز القدرات العسكرية. وقد دفع مشترو النفط أموالاً في حساب ضمان يديره بنك "BNP Paribas"، واستخدمت الأموال لدفع تعويضات الحرب للكويت، وسمح لعمليات الأمم المتحدة في العراق بشراء سلع خاضعة للتنظيم مع أي أموال متبقية. وعانى البرنامج من انتشار الفساد وسوء المعاملة.

وبينما اتحدت الأمم المتحدة في معارضة حكومة صدام حسين، فإن هذه الهيئة منقسمة في شأن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي تصفه روسيا بأنه "عملية عسكرية خاصة".

والصين والهند وباكستان من بين 35 دولة رفضت إدانة روسيا، وأصبحت الصين والهند أكبر مشترين للنفط الروسي الذي تمّ تخفيضه بشدّة مع خفض أوروبا للواردات.

من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس الماضي إن محاولات مجموعة السبع وضع حدّ أقصى لأسعار النفط قد تؤدي في الواقع إلى ارتفاعها، وأضافت :"هذه الخطط معادية للسوق ومحفوفة بالمخاطر".

وقد تمّ بيع النفط الروسي بالفعل بخصم كبير على الدرجات العالمية وسط صعوبات في التمويل والخدمات اللوجيستية. ويبلغ سعر مزيج الأورال الروسي نحو 75 دولاراً للبرميل، مقارنة بالعقود الآجلة لخام "برنت" القياسي للشهر الأمامي التي تقلّ قليلاً عن 100 دولار، وكانت روسيا قد صاغت في البداية ميزانيتها لعام 2022 باستخدام متوسط سعر الأورال البالغ 62.2 دولار للبرميل.

هناك توجّهان في شأن سعر النفط الروسي، روسي وغربي. بالنسبة للتوجه الأول، يقول ديفيد ويسل في بحث نشره موقع معهد "بروكينغز" إن روسيا قد توافق على حدّ أقصى قدره 50 دولاراً للبرميل على سبيل المثال، لكنها لا تسلم النفط إلا إذا وافق المشتري في الهند أيضاً على شراء حمولات سفن من الأحذية المستعملة أو خردة الورق بقيمة 50 دولاراً أخرى للبرميل، أو يمكن لبعض الدول أن تعرض سرّاً شراء النفط الروسي بسعر 51 أو 52 دولاراً للبرميل. وهذا من شأنه أن يضعف صرامة الحد الأقصى للسعر، ولكن المشترين سوف يتفاوضون من 50 دولاراً للبرميل على سبيل المثال بدلاً من التفاوض على خصم أقلّ من السعر العالمي الحالي البالغ 100 دولار، كما يفعلون الآن.

في المقابل، تقول "رويترز": "مع أسعار خام برنت القياسي عند 110-120 دولاراً للبرميل، يبيع النفط الروسي بخصومات كبيرة تتراوح ما بين 30 و40 دولاراً للبرميل، ويقوم المشترون الصينيون والهنود باقتناصه. وتريد دول G7 خفض عائدات النفط الروسية وهذا يعني ضمناً حدّاً أقصى للأسعار أقل بكثير مما يدفعه المشترون حالياً. ويدعو بعض الناشطين إلى خفض قوي للغاية، مشيرين إلى انخفاض تكاليف الإنتاج في روسيا وجادلوا بأنها ستواصل بيع النفط بأي سعر أعلى من هذا المستوى".

تتراوح تكاليف الإنتاج الروسي ما بين 3 و4 دولارات للبرميل، وربما يمكن للشركات الروسية أن تربح حتى لو كانت أسعار النفط تتراوح ما بين 25 و 30 دولاراً للبرميل.

قبل الوصول الى خاتمة لقضية تحديد السعر الأقصى للنفط الروسي، هذا إذا كانت هناك من خاتمة، لا بدّ من توضيح الوسيلة التي يتطلع الغرب الى استخدامها كي يصل إلى هدفه هذا. وحسبما قالت لويز ديكسون من "ريستاد وبرونز"، يمكن فرض سقف سعري على مبيعات النفط الروسي من خلال تأمين الشحن. وتغطي المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض في لندن نحو 95 في المئة من أسطول شحن النفط العالمي، ويمكن أن يحصل مشترو النفط الروس على إعفاء من الحظر المفروض على التأمين على الشحن الأوروبي، والذي يدخل حيّز التنفيذ في أوائل كانون الاول/ديسمبر، إذا كانوا يدفعون عند أو أقل من الحدّ الأقصى للسعر.

ومع ذلك، هناك العديد من العقبات حسب ديكسون التي قالت :"الأكثر وضوحاً هو أن روسيا قد لا توافق على البيع بهذه الأسعار، خصوصاً إذا كان الحد الأقصى منخفضاً جداً وقريباً من تكلفة الإنتاج". وأضافت "في الواقع، أظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل استعداده لحجب إمدادات الغاز الطبيعي عن دول الاتحاد الأوروبي التي رفضت تلبية مطالب الدفع. أما العقبة التالية فستكون الصين التي يمكن أن تقبل التأمين الروسي، وأصبحت شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية (RNRC) التي تسيطر عليها الدولة شركة إعادة التأمين الرئيسية للسفن الروسية".

وتسأل "رويترز":هل ستتعاون الصين والهند؟ قدمت الهند شهادة سلامة لعشرات السفن، ما مكن وصول صادرات النفط الروسية. وتجد روسيا وبعض المشترين بالفعل بدائل لأسواق التأمين الأوروبية، باستخدام مزيج من شركات التأمين المحلية والضمانات السيادية. لذا، فإن هذه الآلية لن تفرض المشاركة الكاملة في سقف الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، قد لا ترغب شركات التأمين الأوروبية في أن تكون مسؤولة عن مراقبة الحدّ الأقصى للأسعار ويمكن أن تقرّر تجنّب تغطية مثل هذه الصفقات حتى لو كانت الإعفاءات متاحة. وسيحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى تعديل العقوبات التي أقرّها في نهاية أيار/مايو، الأمر الذي سيتطلّب دعماً بالإجماع.

وتقول الـ"نيويورك تايمز" إنه "إذا كانت الولايات المتحدة مصمّمة حقاً، فقد تكون قادرة على المضي قدماً في نسخة مخفّفة من "مخطط الحد الأقصى للسعر"، كما قال ريتشارد برونز، رئيس الجغرافيا السياسية في "Energy Aspects"، وهي شركة أبحاث السوق، "لكن من غير المرجح أن يكون لذلك تأثير حقيقي كبير على التدفقات".

ويقول مسؤولون غربيون إنهم يريدون تشجيع مبيعات النفط الروسي عند مستويات أعلى قليلاً من تكاليف الإنتاج لضمان خفض أرباح روسيا بينما تحافظ على الإنتاج.

واليوم، تتلقى روسيا إيرادات أكثر مما كانت عليه قبل بدء الغزو لأوكرانيا في 24 شباط /فبراير، حيث عوّضت زيادات الأسعار العالمية تأثير العقوبات. 

وقال تاماس فارغا من شركة "بي في إم" لوساطة النفط إن فكرة الحد الأقصى للأسعار ترقى إلى دليل على أن الحظر الصريح على النفط الروسي كانت له نتائج عكسية مع زيادة الإيرادات الروسية. ويخلص الى القول :"المجهول الكبير هو رد فعل فلاديمير بوتين".

حرب الكويت العام 1990، عرفنا كيف انتهت. لكن أحداً لا يعرف كيف ستنتهي حرب أوكرانيا 2022. ولا يبدو حتى الآن ان بوتين سيكون صدام حسين آخر؟