خطة الحكومة اللبنانية للإنقاذ: تعافي الدولة على حساب المودعين والقطاع المالي (1)

  • 2022-04-19
  • 18:37

خطة الحكومة اللبنانية للإنقاذ: تعافي الدولة على حساب المودعين والقطاع المالي (1)

  • علي زين الدين

تداعت الجدران الحصينة التي أقامها نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي بالتعاون مع الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بهدف حجب خطة التعافي عن أنظار "المتطفلين"، بما يشمل اصحاب الشأن من أهل القطاع المالي الذين يتربصون بما سيلقى على عاتقهم من خسائر الانهيار وأكلاف المعالجة، وريثما تبلغ "سالمة" من النقد والتجريح ردهات صندوق النقد الدولي في واشنطن ليبنى على المندرجات اتفاق برنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات.

ما كشفته تسريبات المسودة الشبه النهائية والمعلقة جزئياً على حزمة مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة الى المجلس النيابي وبعض التدابير الاجرائية المكمّلة والمنوطة بالسلطة التنفيذية، يشي، وفق النسخة التي حصل عليها موقع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"، بأن ما كتب قد كتب ولا تبديل يذكر عن منهجية تنصّل الدول من مسؤوليتها إزاء دينها العام البالغ نحو 105 مليارات دولار. ولسان حالها نحن انفقنا وهدرنا وأفسدنا وعلى القطاع المالي حمل أثقال عدم تنبهه لهذه الحقائق والمضي بتمويل القطاع العام والبنك المركزي على حساب مودعيه.

واذ ستحتمي السلطة بأولوية ايقاف الانهيار لتبرير الاصرار على اعتماد سياسات هجينة على المنوال الذي دشنته الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب باقدامها على اشهار تعثر لبنان عن دفع ديونه السيادية، فإن تقديم القطاع المالي والمصرفي والمودعين "كبش فداء" لانحرافات المالية العامة واستسهال "الغرف" الجنوني من المال العام في مزاريب تضخيم القطاع العام وشواذاته ومحاصصة قالب التمويل من توظيفات البنوك لدى مصرف لبنان، سيشكل سابقة محفوفة بمخاطر جسيمة تطال هوية النظام الاقتصادي وبنيته ومؤسساته الى أمد غير معلوم لا بزمنه ولا بمشهديته المقبل عليها بإرادة من بيدهم الحل والربط.

سرعة أم تسرّع

في الصورة الظاهرة، تتطلع حكومة الرئيس ميقاتي الى "ضربة حظ " تمكّنها من تسريع الخطوات الآيلة الى طرح الملف اللبناني على طاولة المجلس التنفيذي للصندوق، ومن ثم الابرام الرسمي لاتفاقية برنامج التمويل قبل زفاف موعد الانتخابات النيابية منتصف الشهر المقبل أو بعده بقليل، حيث تتحول بعده الى حكومة تصريف أعمال.

وثمة رهان واضح بأن تتجاوب ادارة الصندوق مع الوضعية الحكومية بمنطوقها الدستوري وفق مفهوم " الحكم استمرار"، أو تصادف الحكومة " الحظ" ثانية، فيجري تكليف وتأليف يكفلان ما يشبه التمديد المعدل جزئياً للسلطة التنفيذية، ولا سيما ان توقيع الاتفاق الأولي مع بعثة الصندوق قبل اسابيع تم تعزيزه بتعهدات رئاسية ( الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء) بالدعم والتسهيل والمساهمة بتأمين الاستجابة للائحة المطالب – الشروط ذات الابعاد الاصلاحية.

لكن واقع الحال السياسي وضيق الوقت المتخم بالاعياد والعطل الرسمية، يحملان اشارات معاكسة لامكانية بلوغ التسريع خط نهاية السباق قبل زفاف موعد الانتخابات النيابية منتصف الشهر المقبل، وهو استحقاق دستوري مفصلي لجهة تجديد سلطة التشريع وسط حماوة مرتفعة بين معسكري "حزب الله" وتحالفاته والخط المقابل بزعمائه وتحالفاته، اضافة الى الخط الثالث الذي تمثله لوائح المجتمع المدني المنقسمة في ما بينها في معظم الدوائر الانتخابية.

وفي كل حال، يرجح ان يغطي الجدل الكبير كامل بنود الخطة "المسربة" بعد نشرها على مشابك الرأي العام بواسطة الاعلام . ومن مدخل المواقف المصرفية السابقة، يمكن ترصد كباش كبير بين جمعية المصارف ومودعيها من جهة، وبين شريكيها في المسؤولية الأساسية، اي الدولة ومصرف لبنان، عن الفجوة المالية المقدرة بنحو 72 مليار دولار، منها نحو 60 مليار دولار تم تقديرها كخسائر في ميزانية البنك المركزي، وتم الاقتراح باقتطاعها بالكامل من توظيفات المصارف لديه والبالغة نحو 85 مليار دولار.

وتحمل الخطة، بحسب المسودة الشبه النهائية، عنواناً لافتاً بوصفها "مذكرة بشأن السياسات الاقتصادية والمالية "، وهي بالفعل تحوي منطلقات بديهية في التقديم الموجز والممهد لدس "السم في الدسم المنزوع للمصارف"، عبر محاولة الايهام بأن الهدف الأساسي للاصلاح يتمثل في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وتخفيض معدلات الفقر وتحسين مستوى المعيشة وتوقير الخدمات الاساسية للسكان في قطاعات الصحة والتعليم والطاقة، وذلك من خلال تعزيز الانتاجية في القطاعات كافة.

القطاع المالي

اذ يقتصر المضمون الانشائي المعهود على فقرات قليلة، يجري الانتقال سريعاً الى ما خلف " الستار"، ولا سيما في جانبها المالي والأهم على الاطلاق. فتؤكد الخطة التزام الحكومة بإعادة الوضع السليم للقطاع المالي ومقومات ديمومته لتصل الى النقطة الجوهرية فتقر بأن التقديرات الحالية تشير الى ان احتياجات اعادة رسملة النظام المصرفي تزيد على 72 مليار دولار، وتبيّن انه اذا لم توضع هذه الخسائر في الحسبان واذا لم تنفذ استراتيجية هادفة الى اعادة تقوية النظام، فلن يكون ممكناً استعادة الثقة بالقطاع. وتتضمن هذه المقاربة التباساً صريحاً بتسمية النظام المصرفي فيما المقصود موضوعياً القطاع المالي.

اما البند اللاحق، فيشير بوضوح الى اولوية اعادة تكوين ميزانية مصرف لبنان المركزي لتصل الى المستوى السليم، بعدما بيّنت التقديرات ضخامة الرأسمال السلبي المتراكم والذي يصل الى حدود 60 مليار دولار، فضلاً عن خسائر اضافية مرتقبة جرّاء اعادة هيكلة الدين العام وتوحيد اسعار الصرف.

وبناء على نتيجة المراجعة الاولية التي تتولاها الشركة الدولية (KPMG)، والتي جرى مشاركة فحواها مع وفد الصندوق، تقترح الخطة شطب ما يوازي المبلغ عينه اي 60 مليار دولار من التزامات البنك المركزي ازاء البنوك التجارية، ومن ثم المساهمة باعادة الرسملة جزئياً عبر اصدار سندات سيادية بقيمة 2.5 ملياري دولار قابلة للزيادة لاحقاً، على أن يجري تذويب الرصيد الباقي للخسائر خلال فترة 5 سنوات.

ومع تحميل هذا العبء الضخم على الجهاز المصرفي والذي يرجح ان يلقى معارضة شديدة من قبله، تقرّ الخطة بوجوب اعادة رسملة البنوك التجارية القابلة للاستمرار وحل المتعثرة منها، بهدف ايجاد نظام مصرفي يتوافق مع اقتصاد قوي ويدعم تعافيه، وتتطرق الى خسائر مضافة الى التزامات البنك المركزي، وستنتج عن اعادة هيكلة الديون السيادية (اليوروبوندز) وتعثر محافظ القروض ووقع توحيد سعر الصرف على ميزانيات البنوك، وهو ما سيتطلب، وفق الخطة، اسهامات كبيرة من قبل المساهمين ومساهمات ضخمة من قبل كبار المودعين.

ولعلّ البند الأبرز الذي يترقبه المودعون من مقيمين وغير مقيمين يكمن في تحديد خط الحماية التامة، وهو ما تقترح الخطة ان يصل الى 100 الف دولار بالحد الأعلى، مع اشتراط ان لا تشمل هذه الحماية اية زيادة طرأت على حساب المودع بعد تاريخ 31 آذار/ مارس من العام الحالي، بينما ستكون الشرائح التي تتعدى خط الحماية خاضعة لسقوف السيولة بحيث يمكن السداد بالدولار والليرة او كليهما وفق سعر السوق.

وتتضمن المرحلة المكملة من اعادة رسملة البنوك ضمناً شرائح الودائع التي تتخطى سقف الحماية، بحيث يتم تحويلها الى حصص ملكية او حذف جزء منها، وتحويل جزء من الودائع المحررة بالعملات الاجنبية الى الليرة، انما بأسعار صرف ليست تبعاً لسعر سوق القطع (اقتطاع عبر سعر الصرف).

وبهدف تحديد حجم متطلبات الرسملة تكون الحكومة قد شرعت في تقييم الخسائر وبنية الودائع عن طريق لجنة الرقابة على المصارف لكل بنك على حدة من مجموع اكبر 14 مصرفاً تحوز 83 في المئة من اجمالي اصول القطاع، على ان يتم استخلاص النتائج بنهاية شهر أيلول المقبل.

تالياً، سوف يتم الطلب من المساهمين السابقين او الجدد او كليهما الالتزام بضخ رأس مال جديد في البنوك التي سيتم تصنيفها " قابلة للاستمرار" بناء على التحليل الرقابي لخطط العمل، فيما يجري حل البنوك غير القابلة للاستمرار عن طريق الاجراءات الفورية التي سوف تطبّق بمقتضى القانون الطارىء لاعادة هيكلة البنوك، مع التنويه بأن المعيار الهيكلي سيكون منجزاً بنهاية شهر تشرين الثاني من العام الحالي.

اما على المدى الأبعد، فثمة التزامات بتعزيز الاطار التنظيمي للقطاع المصرفي، بما يشمل مراجعة التشريعات المصرفية الاساسية واطر الاشراف والحل وتأمين الودائع من اجل المحافظة على سلامة النظام المصرفي واعادة الثقة فيه الى مستوياته المعهودة.

(في الجزء الثاني: سياسة المالية العامة واستدامة الدين، اصلاحات المصرف المركزي والسياسة النقدية وتوحيد سعر الصرف، الحماية الاجتماعية).