مصارف لبنان تودّع قبرص.. قريباً جداً

  • 2022-03-13
  • 13:13

مصارف لبنان تودّع قبرص.. قريباً جداً

الدولة تحاصر القطاع المالي داخلياً بالاتهام والقضاء

  • علي زين الدين

​  

يعتزم مصرف لبنان إصدار تعليمات مباشرة او تعميم قريب، يعلم المصارف اللبنانية المتواجدة في جزيرة قبرص بعدم امكانية الوصول الى تفاهم مع البنك المركزي القبرصي بالرجوع عن شرط ايداع مبالغ ضمانات احتياطية لديه تماثل 105 في المئة من اجمالي الودائع المسجلة في ميزانية فروع المصارف اللبنانية العاملة في الجزيرة.

ويقتضي فشل الاتصالات التي تولاها مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف نيابة عن البنوك التي لم تفلح بدورها في زحزحة البنك المركزي القبرصي عن موقفه واصطدام المحاولات الثنائية لاداراتها بالتصلب عينه، تقييم الجدوى الضئيلة لقاء الكلفة العالية لحفظ الوجود المباشر عبر الفروع العاملة، وبالتالي ضرورة اتخاذ قرارات بالخروج المنظم عبر بيع الاصول العائدة لهذه الفروع، بحيث يبقى الوجود المصرفي المباشر بالبنوك المملوكة والحاملة للهوية القبرصية او الاوروبية، والتي تضم ثلاثة بنوك عاملة تعود غالبية اسهمها لبنوك لبنانية او مستثمرين لبنانيين.

ومع ترقب سريان هذا الخيار القسري خلال اسابيع قليلة تلي صدور التعليمات رسمياً، تكون قبرص ببعدها الأوروبي المهم، البلد الرابع، بعد العراق والأردن ومصر، الذي تغادره البنوك اللبنانية تحت وطأة تداعيات انفجار الأزمتين المالية والنقدية وتفاقم الضغوط الداخلية على البنك المركزي والجهاز المصرفي معاً، والبلد السادس من خريطة انتشارها الاقليمي، بعدما غادرت "قسراً" السودان وسوريا او قلصت تواجدها فيهما الى أدنى الحدود بفعل الاستجابة للعقوبات الاميركية على البلدين.

ومع رصد اشارات مستجدة تشي بامكانية تمدّد العدوى القبرصية الى اسواق اوروبية اضافية، حيث علم ان البنك المركزي الفرنسي يتجه الى طلب ضخ احتياطات استثنائية لتغطية مطلوبات تعود لفروع مصرفية لبنانية، فإنه من البديهي ان تبلغ مجموعة المصارف اللبنانية العاملة في قبرص، مرحلة القرار بالتخلي نهائياً عن شبكة وحداتها المنتشرة في الجزيرة، ولاسيما ان الضغوط الداخلية المتفاقمة تحول دون تعهدات او التزامات من شأنها تبديد مخاوف البنك المركزي القبرصي من ارتفاع حدة المخاطر الناتجة عن الازمات المتفاقمة في البلاد وارتفاع حدة الاتهامات السياسية الداخلية والقضائية في لبنان على القطاع المالي، وما تنتجه من تفشي الشكوك وحال "عدم اليقين" لدى السلطات النقدية الأجنبية حيال الوجود المباشر لمؤسسات مصرفية لبنانية.

ومن شأن الاستجابة لطلب البنك المركزي القبرصي تكوين احتياطات الزامية لديه تماثل 105 في المئة من اجمالي الودائع المدرجة في ميزانيات الفروع القبرصية للبنوك اللبنانية، وفرض رسم سنوي بنسبة 5 بالالف على هذه الضمانات، التسبب بانعدام فرص النشاط الائتماني او التمويلي من خلال الموارد المتاحة، وتحميل الخسائر والاكلاف المترتبة على ميزانيات المراكز الرئيسية للبنوك، ولاسيما لجهة تلبية شرط ضخ تحويلات جديدة بالعملات الصعبة لقاء الاحتفاظ بموارد غير قابلة للتشغيل.

وبمعزل عن الامكانات المتاحة لدى كل مصرف على حدة، حيث استجابت مصارف محدودة الى طلب تغطية المتوجبات "الاحتياطية" على فروعها، فإن مصرف لبنان يؤثر تحقيق جدوى ملحة عبر ايداع اي امكانات متاحة من العملات الصعبة في مجمع الأموال الخاصة أو لدى البنوك المراسلة التي تستمر بالتعاون مع البنوك المحلية في تغطية اعتمادات لصالح المستوردين اللبنانيين.

واكد مسؤول مصرفي معني لموقع "أولاً – الاقتصاد والأعمال"، أن مراسلات البنك المركزي القبرصي مع نظيره اللبناني ومع ادارات البنوك المعنية، تتضمن مرفقات تحتوي مقتطفات من تقارير دولية ومؤسسات تصنيف بشأن ارتفاع حدة المخاطر المحيطة بالقطاع المالي اللبناني، وتنويهات منشورة في وسائل اعلامية، وشفهية خلال الاتصالات والمحادثات المباشرة، تظهر القلق الكبير من مغبة حملات الاتهامات السياسية المحلية الموجهة للبنك المركزي وللجهاز المصرفي، فضلاً عن الملاحقات القضائية الملتبسة التي تخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورؤساء اكبر البنوك العاملة في لبنان.

وينوّه مسؤول مصرفي كبير بالكلفة المعنوية والمالية، وغير القابلة للتعويض، للتقلص الحاد في خريطة الانتشار الاقليمي والدولي للقطاع المالي اللبناني بنتيجة انفجار الازمتين المالية والنقدية بداية، وتحت وطأة الاتهامات من قبل جهات سياسية فاعلة بتبديد اموال المودعين عبر الاستثمار في توظيفات لدى البنك المركزي وفي محافظ ديون الدولة بالليرة وبالعملات الاجنبية، لتكتمل دوامة الضغوط بتكاثر الملاحقات القضائية ضد البنك المركزي والجهاز المصرفي معاً.

وفي المقابل، يفتقد القطاع المالي الى المظلة القانونية الحامية جراء التمادي بتأخير اصدار قانون تقييد التحويلات والرساميل (كابيتال كونترول) لمعاونته في جبه الشروط التعجيزية التي تلجأ اليها السلطات المالية في بلدان انتشار القطاع المالي اللبناني، وفي درء توليد شكاوى ضده لدى المحاكم الاجنبية على منوال الحكم الاخير الصادر عن محكمة بريطانية، في حين اقدمت الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب على اخراج لبنان تماماً من اسواق التمويل الدولية بقرارها في ربيع العام 2020  بتعليق دفع سندات دين، ليستحق بالتالي اجمالي محفظة سندات " يوروبوندز" حكومية مجدولة سنوياً حتى العام 2037 وبقيمة تناهز حالياً 35 مليار دولار.

ويؤكد المسؤول "ان كثرة الدعاوى القضائية المقدّمة من قبل المودعين ضدّ المصارف، أمام المحاكم اللبنانيّة والأجنبّية، هي نتيجة مباشرة لسوء إدارة الأزمة اللبنانّية منذ اكتوبر (تشرين الأول) 2019، وإنّها، وبشكل خاّص، نتيجة العجز عن إصدار قانون لضبط التحويلات المالّية إلى الخارج وفي وضع خطة إصلاح شاملة. وقد دفعت أوجه القصور هذه لبنان نحو أزمة اقتصادّية ومالية ونقدّية حادّة وأزمة ثقة عميقة بين النظام المصرفي اللبناني والمودعين ترافقت مع تهافت المودعين على سحب الأموال، الأمر الذي فرض على القطاع المصرفي وضع عدد من القيود بشأن سحب الأموال النقدية والتحويلات إلى الخارج كبديل حتمي لقانون ضبط التحويلات المالّية إلى الخارج".

ويلاحظ، ان المصارف تستمر بالحدود الممكنة من انشطتها وحفظ الحقوق للمستثمرين والمودعين والتزام القوانين الدولية والسيادية كافة ذات الصلة، رغم تفاقم الأزمات في البلد والارتفاع الحاد للمخاطر، بينما هي تتعرض في الوقت عينه، لحملات تشويه وضغوط من الداخل والخارج قد يؤدي تراكمها الى بعثرة ما تبذله من جهود وتوظفه من امكانات ريثما تنخرط مع الحكومة وسائر السلطات بتنفيذ خطة الانقاذ واعادة هيكلة الدين العام عبر برنامج تمويلي نأمل تسريع مفاوضاته ايضاً وايصالها الى مرحلة ابرام الاتفاقية الموعودة مع صندوق النقد الدولي.

وليس بمنأى عن هذا المشهد وخلفياته، سلسلة الدعاوى المتحركة ضد سلامة وعدد من البنوك خارج لبنان، والتي تعدّت في بعض الدعاوى التحقق من شكوك بشبهة تحويلات اموال فساد تخص سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال، لتتطور الى اتهامات بتغطية عمليات تبييض أموال. وتتنقل هذه الموجة من الدعاوى بوتيرة لافتة ومن دون نتائج واضحة وصريحة بين بلدان أوروبية تشكل عملياً وتاريخياً المدى الحيوي دولياً للمعاملات والتحويلات المصرفية للبنوك ولتجارة لبنان الخارجية، ولاسيما في فرنسا وبريطانيا وسويسرا ولوكسمبورغ وسواها.

وتعرب مصادر مالية متابعة عن خشيتها من تفاقم التداعيات التي يحدثها تطور هذه الملفات الدقيقة والحساسة من دون تحقيق تقدم نوعي في تبيان او إشهار حقيقة هذه التهم والتوصل الى أدلة توجب تحويلها الى المحاكم للبت فيها والفصل بين الخيطين الأبيض والأسود، كما تتخوف من البعد "السياسي" الذي يطغى على مقيمي الدعاوى في الداخل ويتمدد بصيغ ملتبسة في الدول الخارجية، فيما يظهر بعد مماثل قضائي وسياسي لدى الاطراف المعترضة على هذا السلوك، باعتباره يستهدف تحقيق مصالح آنية ضمن لعبة المحاصصات والسيطرة على مراكز النفوذ والقرار في مجالات اساسية.