الحظر الأميركي للنفط الروسي: هل كمن يطلق النار على قدمه؟

  • 2022-03-11
  • 11:17

الحظر الأميركي للنفط الروسي: هل كمن يطلق النار على قدمه؟

  • أحمد عياش

تحت عنوان "فقدان النفط الروسي يترك فراغاً لا يمكن ملؤه بسهولة، مما يجهد السوق"، كتب كليفورد كراوس في النيويورك تايمز:"سيستغرق الإنتاج العالمي بعض الوقت لزيادته، لذلك ستطارد الولايات المتحدة والمشترون الآخرون إمدادات محدودة، ما قد يخلق اضطرابات في السوق لم يسبق لها مثيل منذ عقود".

فعلاً، ما إن قرر الرئيس الاميركي جو بايدن وسانده في ذلك الكونغرس، فرض الحظر على واردات النفط الروسي، حتى شهدت أسعار النفط تذبذباً حاداً بدءاً من الاربعاء في التاسع من شباط/فبراير الحالي، وفور صدور القرار الأميركي، تسارعت الاحداث، ما أدى الى تدخل وكالة الطاقة الدولية لتوفير المزيد من الخام في السوق لكبح جماح الارتفاع القياسي الجديد في سعر البرميل الذي تجاوز الـ 130 دولاراً، وهذا ما حدث فعلاً، إذ تراجعت أسعار النفط الى 125 دولاراً للبرميل.

ورجّح محللون أن يؤدي الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على واردات النفط والغاز الروسية إلى بقاء المزيد من الشحنات عالقة في البحار من دون مشترين، كما استبعدوا أن يكون لقرار الاتحاد الأوروبي مواصلة الاستيراد وتنفيذ خفض تدريجي لواردات النفط والغاز الروسي أثر يذكر على حالة تجارة النفط الروسية.

وتراجعت أسعار النفط بعدما وصف المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول سحب 60 مليون برميل من احتياطات النفط للتخفيف من اضطراب الإمدادات في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه "استجابة أولية"، وقوله إن الوكالة مستعدة لسحب المزيد إذا تطلب الأمر.

في المقابل، تقول النيويورك تايمز إن روسيا قبل غزو قواتها لأوكرانيا، قدمت برميلاً واحداً من كل 10 براميل من النفط يستهلكها العالم، ولكن مع تجنّب الولايات المتحدة والعملاء الآخرين للخام الروسي، تواجه سوق النفط العالمية أكبر اضطراب لها منذ اضطرابات حرب 1973 في المنطقة والتي عرفت بحظر النفط العربي، ومن المرجح أن تستمر صدمة أسعار الطاقة طالما استمرت المواجهة، نظراً الى وجود عدد قليل من البدائل لتحل بسرعة محل صادرات روسيا البالغة نحو خمسة ملايين برميل يومياً.

غير إن المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية قال في مؤتمر للطاقة في باريس: "قررت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي السحب من مخزوناتنا النفطية، ولدينا مخزون كبير... كان هذا رداً أولياً... إذا كانت هناك حاجة فيمكننا جلب المزيد من النفط" للسوق. أضاف: "الأسبوع المقبل، وكما فعلنا بالنسبة الى الغاز، سنخرج بخطة عمل من عشر نقاط حول كيفية خفض (استهلاك) النفط بسرعة... بخاصة في قطاع النقل"، لكن الرئيس التنفيذي للوكالة التي تمثل 31 دولة أغلبها دول صناعية وليس من بينها روسيا قال إن "في أسواق النفط أصعب الشهور هي شهور الصيف التي يطلق عليها (موسم القيادة) ويرتفع فيها الطلب"، مشيراً إلى شهريّ يونيو (حزيران) ويوليو (تموز).

ما هو موقف الصين، العملاق الاقتصادي، مما يجري على المسرح النفطي؟ يجيب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان على هذا السؤال قائلاً إن "التلويح بالعصا الغليظة للعقوبات لن يحقق لنا السلام ولا الأمن... لن تتسبب (العقوبات) سوى في صعوبات شديدة للاقتصاد وسبل العيش في الدول المعنية"، وأضاف: "الكل سوف يخسر في هذا السيناريو، ولن تؤدي العقوبات سوى إلى زيادة الانقسام والمواجهة".

وفي تقرير لـ (رويترز)، قال مسؤولون تنفيذيون ومحللون تجاريون، إن شركات التكرير الصينية المستقلة، من المقرر أن تخفض الإنتاج في الأسابيع المقبلة، في الوقت الذي تضغط فيه زيادة أسعار النفط التي تقودها حرب أوكرانيا على الهوامش مع قفزة فوق 130 دولاراً للبرميل، مما يثير قلق المنتجين. وفي مؤشر على انخفاض الشراء، حثت بكين بالفعل شركات التكرير الحكومية على وقف صادرات البنزين والديزل في أبريل نيسان لضمان الإمدادات المحلية.

وقالت بريطانيا إنها ستخفض تدريجياً وارداتها من النفط الروسي كما اشارت شركة شل إنها ستتوقف عن شراء الخام الروسي، وقدر جيه بي مورجان أن نحو 70 في المئة من النفط الروسي المنقول بحراً يواجه صعوبة في إيجاد مشترين.

وكانت أسعار النفط ترتفع بالفعل بسرعة مع خروج الاقتصاد العالمي من عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19 وبذل المنتجون ضغوطاً لتلبية الطلب المتزايد، وكانت شركات النفط الدولية قد قلّصت استثماراتها على مدى العامين الماضيين نتيجة حملات ضغوط منسقة من مجموعات الحدّ من آثار التغير المناخي.

ولم يحدث سوى عدد قليل من الاضطرابات المماثلة في إمدادات النفط، فقد أخذت الثورة الإيرانية العام 1978 ما يقدر بنحو 5.6 ملايين برميل يومياً من السوق، في حين أن الحظر الذي فرضته الدول العربية الأعضاء في أوبك في الفترة 1973-74 وحرب الخليج 1990-91 أزال 4.3 ملايين برميل. والآن يرفع المتعاملون أسعار النفط الخام إلى مستويات لم تشهدها منذ سنوات، متوقعين أن يتم تهميش روسيا - وهي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

يقول محللو الطاقة، ومن بين هؤلاء المحللين روبرت ماكنالي، مستشار الطاقة السابق للرئيس جورج دبليو بوش: "ما نحتاجه الآن، هو الدول التي تنتج المزيد من النفط، لكن ذلك لن يكون ذلك سهلاً. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت لديها مجتمعة طاقة فائضة تزيد قليلاً على 2.5 مليون برميل يومياً. ويمكن لفنزويلا وإيران المساهمة بنحو 1.5 مليون برميل يومياً في السوق، لكن ذلك سيتطلب رفع العقوبات الأميركية عن هاتين الدولتين. ويمكن للولايات المتحدة زيادة الإنتاج بأكثر من مليون برميل يومياً - لكن القيام بذلك سيستغرق عاماً لتحقيقه، ويتطلب من شركات النفط تسخير المزيد من القوى العاملة والمعدات".

لذا، من المحتمل أن تكون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، الأكثر أهمية، هذا مع العلم ان اوبك+ جددت التزامها بالاستمرار بتنفيذ جدول الزيادة الاخير، لكنهم أيضاً في تحالف فضفاض يسمى أوبك بلس، وهي مجموعة تضم روسيا. نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، هو الرئيس المشارك. وكان الكارتل الموسع متردداً في توسيع الإنتاج إلى ما بعد زيادة متواضعة قدرها 400 الف برميل يومياً أن تحدث في نيسان/ أبريل المقبل.

ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يأملون في أن تزيد السعودية ومنتجون آخرون في الشرق الأوسط إنتاجهم. وقال خوسيه دبليو فرنانديز، وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة، في مقابلة: "نحن في محادثات مستمرة مع تلك البلدان، وما زلنا نطلب منهم أن يفعلوا ما في وسعهم للمساعدة في الوضع، فهؤلاء حلفاء على المدى الطويل". لكنه قال: "سنشعر ببعض الألم". وأضاف "نحن وحلفاؤنا الأوروبيون لن نكون في مأمن من الألم، وفي الوقت نفسه، اتخذنا هذه الإجراءات بالتعاون مع حلفائنا".

والتقى الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) محمد باركيندو مع منتجي النفط الأميركيين في مؤتمر الطاقة الذي عقد في هيوستن بالولايات المتحدة يوم الاثنين في السابع من الشهر الجاري لكنه لم يقدم في تصريحات للصحفيين احتمالاً كبيراً بأن يخفف الكارتل من ضغوط السوق. وقال: "لا توجد قدرة في العالم" يمكن أن تحل محل الإنتاج الروسي، مضيفاً "ليس لدينا سيطرة على الأحداث الجارية والجغرافيا السياسية، وهذا يملي وتيرة السوق".

هل يمكن القول، في خلاصة للمشهد النفطي الآن، بعد قرار الحظر الأميركي للنفط الروسي، ان الامر يشبه كمن يطلق النار على قدمه؟

ما يدعو الى الأسف، الى أن هذا واقع الحال في الأسواق العالمية. لكن، في الوقت نفسه، لا بدّ من الصبر قبل إطلاق الاحكام، ما دام إطلاق النار على أشده، في حرب أوكرانيا، التي تعيد الى الاذهان كوابيس الحرب العالمية الثانية.