لبنان: قلق على مصير هدية الـ864 مليون دولار من "صندوق النقد الدولي"!

  • 2021-08-27
  • 12:05

لبنان: قلق على مصير هدية الـ864 مليون دولار من "صندوق النقد الدولي"!

  • أحمد عياش

إلى أين سيؤول مبلغ الـ864 مليون دولار أميركي الذي حصل عليه لبنان في 23 آب/أغسطس من "صندوق النقد الدولي"؟ هذا السؤال كان محور جلسة حوار تحت عنوان "ضمان التخصيص المسؤول لحقوق السحب الخاصة"، أقامها "المركز اللبناني للدراسات السياسية" ومنظمة "اليونيسيف" فرع لبنان التابعة للأمم المتحدة وشارك فيه موقع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال".

أتت هذه الجلسة قبل أيام من التصريح الذي أدلى به متحدث بإسم "صندوق النقد الدولي" وجاء فيه أنّه "في 2 آب/أغسطس الحالي، وافق مجلس محافظي الصندوق على برنامج حقوق السحب الخاصة بقيمة إجماليّة بلغت 650 مليار دولار، ودخلت حيّز التنفيذ في 23 آب/أغسطس وتمّ تحويلها الى الدول الأعضاء استناداً إلى حصصها". وبحسب تصريح المتحدث، فإن لبنان قد حصل على ما قيمته 607.2 ملايين وحدة حقوق سحب خاص، أي ما يوازي نحو 864 مليون دولار أميركي. وأوضح ان "حقوق السحب الخاصة غير مشروطة، ولكن من المهمّ أن يتمّ تخصيصها لدعم احتياطات البنك المركزي، وأيّ استخدام لها يجب أن يكون بطريقة شفافة ومسؤولة، ويأتي لدعم الإصلاحات الماكرو- اقتصادية والحاجات الطارئة للشعب اللبناني".

 يقول فادي نصر، الباحث في "المركز اللبناني للدراسات السياسية" الذي أدار الجلسة إن "صندوق النقد الدولي بدأ عملية تسليم الحكومة اللبنانية حصتها من حقوق السحب الخاصة (Special Drawing Right) من دون شروط مسبقة أو رقابة على كيفية استخدامها، ويأتي هذا التدخل بالذات كجزء من جهد عالمي للتخفيف من الصدمات الاقتصادية الناجمة عن وباء "كوفيد-19"، وفي حين أن لبنان قد تضرّر بشدة من الوباء، إلا أن الوباء واحد من أزمات مترابطة عدة تدفع البلاد نحو انهيار شبه كامل وانهيار اجتماعي بدءاً من العام 2019. إنّ تراكم هذه الأزمات أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيما الفقر المدقع طاول أكثرية السكّان كما أدّى إلى زيادة في أسعار المستهلكين وتفاقم النقص والأدوية والوقود. وتبرز الإخفاقات التاريخية في عدم توفّر البنية التحتية اللازمة لتوليد الطاقة بكفاءة، وعدم وجود نظام نقل عام ملائم بالإضافة إلى زيادة مستويات نقص الأمن الغذائي في الادوية والوقود والسلع الأخرى ما يعرّض تقديم الخدمات الأساسية للخطر بما في ذلك توفير المياه، كل ذلك يأتي وسط ازمة ثقة الجمهور في الحكومة. كما حان الوقت لكي تبتعد الجهات الفاعلة الدولية عن نهجها التقليدي في التعامل مع مؤسسات الدولة والتحرّك نحو تبني استجابات استراتيجية للتحديات المستمرة الناجمة عن عرقلة الدولة والفساد والتي أعاقت جهود الإغاثة".

كمال حمدان، المدير العام لـ"معهد الاستشارات والبحوث" قال: "السؤال الوجودي وسط المخاطر الاقتصادية هو، إلى أي حدّ يجوز أن نمكّن سلطة هي صورة للفساد من الاستفادة من دعم وارد من مؤسسات دولية في بلد تتداخل الأولويات فيه وتتشابك ووصلت إلى حدّ الانهيار مداخيل الناس وادخاراتهم وأنظمة الحماية الاجتماعية؟ هناك خفّة في أن يؤدّي ذلك إلى إعادة شراء ولاءات الناس من قبل الطبقة السياسية بإعادة ربط الجمهور الطائفي أكثر بزعماء الطوائف حتى يكون له موقع على لائحة المستفيدين، على الرغم من استخدام البرامج التي تضبط ذلك. إذاً، هناك مخاوف سياسية من أن تترسّخ مرتكزات النظام الطائفي والسلطة المهيمنة على الدولة وهذا سيتيح المجال للطبقة السياسية المضي قدماً في تأجيل الإصلاحات التشريعية والمالية والسياسية مثل نوعية التمثيل أو تغييبها بالمطلق وهذا نوع من المقايضة بين أولوية أعمال الإغاثة وأعمال الإصلاح. نحن في وضع، كل مورد مالي يحصل عليه لبنان، يجب أن يخضع لأولويات صارمة جداً. يجب تحديد من هو المجتمع المدني؟ أنا أؤيّد كل الطروحات التي رافقت نشوء ظاهرة المجتمع المدني 2019، لكن لديّ مخاوف من أن المجتمع المدني مشتّت مستقطب وفي جوانب منه زبائني بأشكال معقّدة، من هنا يجب التحديد اكثر إذا آمنا بأن تذهب المساعدات إلى هذه الغايات مثل البطاقة التمويلية. هل نذهب في موضوع الأولويات بسرعة الى البطاقة التمويلية وهي عملياً شكل من أشكال التسوّل؟ أم نذهب بالموارد المحدودة من "صندوق النقد الدولي" ومن البنك الدولي (400 مليون دولار) إلى مشاريع تنفّذ في مجال إعادة ترميم وحياء نظام الحماية الاجتماعية وبالتحديد 3 مشاريع:

1-تنفيذ مشروع التغطية الصحية الشاملة بحدود نوعية تحفظ الحد الأدنى من صحة اللبنانيين.

2 - الاستثمار في تحسين نوعية التعليم الرسمي في وقت أن معظم أطراف الطبقة الوسطى تنتقل من التعليم الخاص إلى الرسمي في وقت كان التعليم الرسمي قبل الأزمة يعاني من اختلالات كبيرة كمّاً ونوعاً، فنحسّن نوعية التعليم الرسمي ونعيد تجربة السبعينات من فؤاد شهاب عندما كان التعليم الرسمي هو حصان طرواده وفتح آفاق أمام مئات الألوف فنستعيد هذه التجربة.

 3 -تطوير مشاريع النقل العام

هل نذهب نحو تمويل هكذا مشاريع؟ لا نتحدّث عن عشرات المليارات، بل عن رقابة هذا الشقّ من المجتمع الدولي.

ويقول زياد عبد الصمد، المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية: "كان المجتمع الدولي ينتظر من لبنان منذ زمن سلسلة إصلاحات لأن لديه نيّة المساعدة شرط أن يكون هناك برنامج إصلاحي. وبالتالي، وبسبب عدم وجود ثقة بآليات الحكم في لبنان، فهذه قد تكون فرصة للبنانيين إذا أحسنوا استخدام هذا المبلغ لإعادة بناء ثقة مع المجتمع الدولي. ليس هيّناً أن لا تكون هناك إدارة سياسية للبلد والتي هي غائبة منذ فترة طويلة، والحكومة التي يتم تشكيلها بالطريقة القائمة لن تقيم مثل هذه الإدارة بسبب أنها آتية عن طريق المحاصصة، ما يعني أنه لا وجود لإرادة حقيقية لوضع برامج وسياسات إصلاحية. إن القطاع العام اهترأ خلال سنين الازمة الأخيرة وكذلك كل مؤسسات الرقابة. إن البطاقة التمويلية يراد أن تغطي 70 في المئة من المجتمع اللبناني، في حين أنه ليس هناك في العالم مثل هذا البرنامج الذي يغطي مثل هذه النسبة، وهي في موسم الانتخابات جزء من الاستخدام السياسي. هل هناك الآن إحصائية من وزارة الشؤون الاجتماعية لنعرف من سيستفيد من البطاقة؟ ليست هناك حتى الآن إحصائية لكي يتم تصويب برنامج "البنك الدولي" لـ140 الف أسرة، فكيف سيضعون إحصائية تشمل 700 الف أسرة؟ كما انه ليست هناك آلية لتوزيعها ومراقبتها لا من وزارة الشؤون الاجتماعية ولا من رئاسة الحكومة، إلا إذا كانوا سيستخدمون الجيش الذي سيعود إلى البلديات أو إلى قوى الامر الواقع. تقدر كلفة البطاقة على مدى سنة مليار ونصف مليار دولار فيما "SDR" سيعطينا نصف المبلغ فمن أين سنأتي ببقية المبلغ؟  إنّ 55 في المئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر و40 في المئة في حالة بطالة. وعندما نبدأ نزيل الدعم تدريجياً سيكون هناك أكثر من 65 في المئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر. يجب أن نبدأ التفكير بدعم قطاعات معيّنة: الصحّة، التعليم والغذاء. إنّنا الآن في منتصف معركة مراقبة المشتريات الحكومية. بعد سنوات من النضال في مجلس النواب، طعنت مؤخراً كتلة نيابية أمام المجلس الدستوري في بعض بنود المشتريات الحكومية حول صلاحيات الوزير والهيئة الناظمة والشركات المصنّفة ما يفرغ القانون من مضمونه، علماً أنّه من أهم القوانين التي تعزّز الشفافية وهو مطلب المجتمع الدولي ولاسيما صندوق النقد الدولي وفي صلب الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد. يجب إنقاذ القانون لأنه المدخل لأي انفاق في الدولة كي يكون شفافاً، ثم هناك إستقلال القضاء وهي مسألة مهمة جداً، من دون ذلك لا شفافية ولا محاربة للفساد، يجب إقرار القوانين المتعلقة بذلك. "الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد" من الأدوات الأساسية. قانون الوصول الى المعلومات يجب تفعيله وهناك تقارير تشير الى الثغرات في القانون،  ثم يجب أن نعرف من هي منظمات المجتمع المدني المؤهلة؟ نحن في الشبكة العربية أطلقنا تقريراً بعد عمل سنتيّن إسمه "الراصد العربي" يتكلّم عن مساءلة القطاع الخاص لأنه الشريك الحقيقي والذي سينفّذ معظم هذه المشاريع هذا القطاع الذي سيستفيد من كل هذه التسهيلات والمرونة ليقوم بعمليات تموينية وبرامج خدمية يجب أن يخضع بمعايير الحد الادنى من الشفافية والـOCED توفر الكثير من الأدوات للعمل هنا سواء في المواصفات أو في المعايير".