بعد ثبوت عقم الدعم ونفاد الاحتياطات الحرة مصرف لبنان يبادر والدولة ترتبك

  • 2021-08-13
  • 10:32

بعد ثبوت عقم الدعم ونفاد الاحتياطات الحرة مصرف لبنان يبادر والدولة ترتبك

  • علي زين الدين

أعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، صوغ قواعد "اللعبة" في ادارة احتياط العملات الصعبة، بعدما تهيّب المس بمحفظة "الأمانات" العائدة للتوظيفات الالزامية، والتي تشكل حقوقاً حصرية بنسبة 14 في المئة من اجمالي نحو 107 مليارات دولار تمثل ودائع المقيمين وغير المقيمين بالعملات في الجهاز المصرفي.

فمن دون التعدي على صلاحيات مجلس النواب المنتظر للمبادرات الحكومية ومجلس الوزراء المعلّق على مشبك امتناع رئيسه عن الدعوة لانعقاده والاكتفاء بمهمة " تصريف الأعمال " بالحد الأدنى، عمد سلامة الى "التصرف" في نطاق مهامه المتصلة تمويلاً بقرار دعم مجموعة السلع والمواد الحيوية والأساسية، فارتكز على نفاد الاحتياطات الحرّة لديه، معلناً الغاء تدبير بيع الدولار لمستوردي المحروقات بسعر 3900 ليرة، والذي انتقل اليه قبل أسابيع قليلة عقب 21 شهراً من التمويل بنسبة 90 في المئة بسعر 1515، وذلك لقاء الاستمرار بفتح الاعتمادات بالسعر الفعلي لمبادلات الدولار في بيروت التي تتراوح حالياً ما بين 20 و21 ألف ليرة.

وبدا، من دون مواربة، أن التدبير المتأخر أشهراً وربما من بداية الأزمة في خريف العام 2019، وضع خطاً فاصلاً بين مسؤوليات السلطة النقدية في حفظ الرمق شبه الأخير من حقوق المودعين، وبين شهية السلطة في تغطية " قبوات" الفشل السياسي والحكومي المتمادي
بـ"سماوات" الانفاق السخي بمتوسط 600 مليون دولار شهرياً على منظومة تمويل دعم، والتي تحقق بانكشاف يقارب مستوى " الوقاحة " الأرباح العظمى للاحتكار والتهريب، ولا يصل الاّ القليل منها الى المواطنين " الذين يحرصون على صمودهم المعيشي"، فيما هم حقيقة يتراصون بذل في طوابير البنزين والمازوت والغاز المنزلي.

وبقدر ما أراد الحاكم توضيح الالتباسات ذات الصلة بقراره " الليلي"، مبيّناً استهداف " الانتقال من دعم السلع، التي يستفيد منها التاجر والمحتكر، إلى دعم المواطن مباشرة في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد "، فإنه قدّم البرهان على عقم سياسة "التمويل الطارىء" بمشاركة البنك المركزي، والتي بدّدت ما يتعدى 12 مليار دولار من احتياطه، فيما استعصى على أصحاب القرار السياسي تأليف حكومة جديدة على مدار سنة مكتملة، واستسهلوا " اللهو" بلعبة التكليف والاعتذار بذرائع الحقوق الطائفية والحصص ووحدة " المعايير".

وأثبت الحاكم ، في بيانه الأحدث ، إن مصرف لبنان كان قد ارسل للحكومة منذ شهر آب 2020 أي منذ نحو السنة، مؤكداً أنه لا يمكن قانوناً المساس بالتوظيفات الالزامية بالعملات الأجنبية لديه، كما أكد ذلك مراراً بمراسلات اخرى وفي الإجتماعات كافة التي عقدها مع المراجع المعنية بسياسة الدعم"، مبيّناً أن "المساس بهذه التوظيفات يتطلب تدخلاً تشريعياً . وفي المقابل، فإنه على الرغم من أن مصرف لبنان قد دفع ما يفوق 800 مليون دولار للمحروقات في الشهر المنصرم، وان فاتورة الأدوية وغيرها من المواد الضرورية قد تضاعفت، فلا تزال كل هذه المواد مفقودة من السوق وتباع بأسعار تفوق قيمتها حتى فيما لو رفع الدعم عنها !".

واقعياً، انحدر احتياط مصرف لبنان من نحو 31 مليار دولار قبل سنة الى ما دون عتبة 15 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي، ليبلغ تماماً حدود الاحتياطي الالزامي للودائع  في نهاية شهر تموز الماضي  وبذلك، فالحاكمية "محكومة " بعدم التعدي على حقوق تعود حصراً لأكثر من مليون حساب في المصارف، بل هي ملزمة بمساءلة المرجعيات التي أجبرتها على تمويل الدعم بوعود " كمونية " على جبهة الحكومة والبطاقة التمويلية، في حين هي تواصل كيل اتهامات للحاكم بالفساد وتهريب الأموال، متسببة أفدح الضرر ليس لشخصه فحسب، بل لسمعة لبنان المالية ولمؤسساته المالية والمصرفية التي كابدت في تعبئة المدخرات من الداخل والخارج ، وفاخرت في عز الأزمة المالية صيف العام 2008 بأنها تحولت ملاذاً للأموال والاستثمارات الهاربة من أتون الانهيار، ونجحت باستقطاب نحو 18 مليار دولار من ثروات المنطقة.

ولم تكن المصارف محايدة في جبه سياسة " لاستسهال واللامبالاة " التي رافقت شهية الانفاق من مخزون الاحتياط، فهي الملزمة ببدء صرف حصص الدولار النقدي لمودعيها بدءاً من الشهر الماضي، بموجب التعميم الرقم 158، توّجست مبكراً بعض الشيء من نوايا مدّ يد الدولة الى التوظيفات الالزامية، بعدما تجرعت مرارة "حجز" توظيفاتها "الطوعية" التي تقارب 80 مليار دولار لدى البنك المركزي ، وتكبّدت قبلاً خسائر جسيمة معنوية ومادية جراء قرار حكومة حسّان دياب في آذار 2020 ، تعليق دفع مستحقات سندات الدين الدولية ( يوروبوندز).

فقد سارعت جمعية المصارف بالافصاح "أنها تدرس الإجراءَات التي يمكن اللجوء إليها للحؤول دون المس بالاحتياطي الإلزامي من قبل الدولة أو المصرف المركزي"، وحمّلت مصرف لبنان بالذات، مسؤولية المس بالاحتياطي الإلزامي والخضوع للضغوطات التي تمارسها عليه السلطات السياسية خلافاً لمنطق وروحية قانون النقد والتسليف حيث غاية الاحتياطي الإلزامي تنحصر بحاجات القطاع المصرفي.

وفي الأساس، حمّلت الجمعية الدولة مسؤولية استنزاف ودائع المصارف لدى مصرف لبنان خلال السنوات الماضية، منوّهة بأن استمرار هذه السلوكيات سيقضي على بعض الإمكانات التي قد تساهم في إعادة النهوض الاقتصادي والمالي متى تشكَّلَت الحكومة وأُطلِقت العجلة الاقتصادية بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والدول الداعمة للبنان، كما أكدت أن تخفيض معدّل الاحتياطي الإلزامي بالعملات يوجب على مصرف لبنان إعادة المبالغ المحررة للمودعين أصحاب الحق بها. "فليس جائزاً استعمال المبالغ المحررة مؤخراً جراء تخفيض المعدّل من 15 في المئة إلى 14 في المئة لأغراض الدعم ".