كيف ستواكب مصافي التكرير التحوّل الرقمي؟

  • 2020-02-13
  • 11:25

كيف ستواكب مصافي التكرير التحوّل الرقمي؟

  • أدهم جابر

لا تُعتبر أعمال التكرير بعيدة عن مشهد التحول الرقمي، إذ تسعى المصافي إلى تحقيق هذا التحوّل في عملياتها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، في ظل وجود تقنيات راسخة في المزيج التشغيلي كالتحكم المتقدّم بالعمليات. ومع وصول عالم اليوم إلى نقطة تحوّل فرضها تسارع وتيرة التقدّم التكنولوجي، وبروز العديد من التقنيات الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة، فإن صناعة التكرير ستحتاج إلى مواكبة التطور بشكل كبير على مدار العقد المقبل.

وعلى الرغم من إدراك المديرين التنفيذيين لمصافي التكرير أن هناك إشارات واضحة على هذا التغيير، فإن الكثير منهم غير متأكد من أساليب الإدارة الأمثل لها، ويعانون من التحديات المرتبطة بذلك، انطلاقاً من الأسئلة: كيف يمكن لهذه التقنيات إحداث ثورة في عمليات التكرير وما هي أفضل السبل لتحقيق النجاح في المستقبل؟ وكيف يمكن للتحوّل الرقمي أن يساهم في تحقيق وفورات استراتيجية ونتائج ملموسة في الأرباح؟ وكيف نمزج بين تعزيز الحماية الالكترونية والزيادة في المرونة والابتكار؟ وصولاً إلى بلورة الرؤية المستقبلية لما سيكون عليه شكل المصفاة في العام 2030.

 

رون بيك: التقنيات الذكية المدمجة

سترفع مستوى التشغيل في 2030

 

 

 مؤشرات التغيير

 قبل الإجابة على الأسئلة الواردة أعلاه، لا بد من الحديث عن مؤشرات التغيير في مجال التكرير، وفي هذا السياق يرى مدير استراتيجيات التسويق لدى "اسبن تيك" رون بيك أن "انتشار المركبات الكهربائية والهجينة وعالية الكفاءة وتسارع وتيرة انتشار واعتماد الطاقة المتجددة، هي عناصر باتت تعدّ من المتغيرات الرئيسية التي ستلعب دوراً في التنبؤ بالطلب المتوقع على الوقود الهيدروكربوني. ذلك أن سوق المواد الأولية للبتروكيماويات يعتمد على النمو الاقتصادي، وعلى الجهود القوية المبذولة لتجنب استخدام المواد البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير."، لذا فإن "الجهود المتواصلة لتحقيق الكفاءة في الإنتاج باتت تدفع مسيرة التكامل عبر قطاعي النفط والغاز، بدايةً من الإنتاج وصولاً إلى المنتجات الجاهزة. كذلك فإن هذه الصناعة تقود عملية التكامل بين الوقود الحيوي، والابتكار في عمليات احتواء الكربون، والاستخدامات الجديدة للمواد الكيميائية ذات الأداء العالي من أجل الاقتراب من تحقيق التوازن الكربوني المحايد. " وعليه فإن المبادرات المتعلقة بالاستدامة باتت تدفع شركات التكرير الرائدة إلى الحد من استخدام الطاقة والمياه في عمليات التكرير وفي استخدام المواد الكيميائية، وتعمل على دفع جهود الابتكار لتمكين مسيرة التحوّل الرقمي وفي الوقت نفسه حماية الأصول وسلامتها والتي قد تنتج عن العوامل المتعلقة بالأمن الالكتروني.

 تحسين عمليات الإنتاج

 وفقاً لمدير استراتيجيات التسويق في "أسبن تيك" فإن مصفاة 2030 ستتميز بمواقع عمل قائمة على المعرفة تضمّ خبراء تطوير ومشغلين يؤمنون حسن سير العمل بأعلى مستويات من الموثوقية والاعتمادية. كذلك فإن عمليات التخطيط والجدولة ستكون متكاملة، في حين سيستفيد مسؤولو التخطيط من لوحة معلومات متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يحقق التوازن على المستوى الاقتصادي والعمليات التشغيلية والمبيعات، والاستدامة بشكل أساسي. وعلى صعيد الصيانة فإن الأنظمة المتعلقة بها ستعمل على تنبيه مسؤولي التخطيط وخبراء الاعتمادية والموثوقية حول السيناريوهات التي يمكن أن تعيق تحقيق خطة العمل، مع توفير بدائل لمساعدة المتداولين على شراء أفضل أنواع النفط الخام، ومساعدة المشغلين على تحقيق الاستخدام الأمثل للأصول وتعزيز مستويات السلامة وتحقيق الأرباح، وعليه فإن الجدول الزمني والخطة المتكاملة سيساهمان في تحسين العمليات بشكل تلقائي ومستمر.

ويوضح بيك أنه إلى جانب انتشار مستشعرات البيانات في العام 2030، فإن التحليلات الفورية التي يتم نشرها عبر الأجهزة الظرفية ستوفر تحكّماً متواصلاً في أداء العملية، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز أنظمة التحكّم الأساسية للعمل من خلال نقاط ضبط معدلة ديناميكياً لتحقيق الخطط وتجاوزها.

 الوحدات والمعدات الذكية

ستغدو وحدات المعالجة والمعدات بمثابة لبنات البناء الذكية لمعامل التكرير بحلول العام 2030، ويقول بيك "إن هذه التقنيات الذكية المدمجة ستعمل على رفع مستوى التشغيل بهدف توسيع نطاق العمليات، ما سيؤهلها للعب دور حاسم في تعزيز مرونة استثمار الأصول، وذلك عبر استفادة مالك الأصول من هذه المعلومات كأداة لاتخاذ قرار يستند على الذكاء الاصطناعي، بهدف المساهمة في إعادة صياغة أداء ومهام المعمل، ولتوجيه العمليات نحو مجموعات المنتجات بناءً على الطلب، وتنفيذ عمليات إعادة تهيئة سريعة، مع إعادة تهيئة نماذج التحكم والمراقبة لتحسين مستوى التشغيل".

 ويضيف: "لن يكتفِ الجيل الآتي من نظام الصيانة الوقائية بالكشف عن حالات الفشل المستقبلية التي ستصيب الوحدات والمعدات فحسب، بل سيعمل على ربطها مع نماذج التخطيط والمعالجة، من أجل التنويه للقيام بتغييرات على عمليات التشغيل التي ستؤخر أو تحد من مخاطر الأعطال المستقبلية."

 الصحة والسلامة والاستدامة

وعلى صعيد الصحة والسلامة والاستدامة، يشير بيك إلى أن "موجات التطور المتلاحقة، التي تطال أجهزة الاستشعار وحلول الصيانة الوقائية القائمة على الذكاء الاصطناعي وتحليلات الوحدات وما شابه ذلك، ستوفر البيانات الضرورية لمعرفة ظروف الأصول المادية، وتحديد التوجهات، والمخاطر، وحالات الطوارئ، ما سيلغي إلى حد كبير الحاجة إلى إرسال عمال الصيانة إلى المعمل من أجل فحص المعدات والوحدات بحثاً عن نقاط الخلل. إذ ستعمل الحلول الافتراضية المدعومة من قبل الذكاء الاصطناعي AI على تخطيط وإدارة إجراءات بدء التشغيل والإغلاق عن بُعد (بالدرجة الأولى)، وستعزز حلول الروبوتات المتقدمة داخل المعمل من آلية تنفيذ العديد من المهام، دون الحاجة لتعريض العمال للخطر."

ويوضح أنه "من المرجح أن تعمل معامل التكرير بحلول العام 2030 ضمن بيئة صارمة تحت الحاجة إلى تحقيق مفهوم الترخيص الاجتماعي للعمل، إذ سيحظى كل صانع قرار وعامل داخل المعمل برؤى ضمن الزمن الحقيقي، تتيح لهم إمكانية معرفة مدى تأثير قراراتهم على مقاييس استدامة ومؤشرات أداء المؤسسة." كذلك "ستعمل نماذج التحسين عبر الإنترنت (وبشكل مستمر) على ترشيد مستوى استهلاك الطاقة والمياه ضمن الأصول، وعلى امتداد سلسلة القيمة. ما سيمكن الخبراء من الحفاظ على نقاط ومواضيع "الاستدامة" التي ستمكنهم من جني التقدير، فأعمالهم ستساعد المؤسسة على تحسين مكانتها في مجال الاستثمار المستدام."

 نماذج جديدة لسلسلة القيمة

وفي خصوص سلسلة القيمة يقول بيك إن "منشآت التكرير ستعمل بحلول العام 2030 تحت سقف سوق عالمية ديناميكية شديدة التنافسية، إذ ستستعين فرق الإدارة بروابط موجهة من تقنية البلوك تشين معتمدة بين المؤسسات الإقليمية، وذلك بهدف التفاوض وإبرام اتفاقيات العمل. حيث سيصبح بالإمكان التفاوض حول اتفاقيات التوريد والتسليم وإبرامها بواسطة أنظمة التعاقد والالتزام القائمة على سلسلة الكتل، ما يتيح الحصول على موافقة المدير التنفيذي للمنشأة بشكل سريع."، لافتاً النظر إلى أن "نماذج المخاطر ستوفر على مستوى المؤسسة لوحة تحكم خاصة بالإدارة العليا والتنفيذية، تتيح لهم إمكانية تقييم معدل ارتفاع أو انخفاض المخاطر التي تحدثها قرارات العمل المختلفة، وقرارات نفقات رأس المال ونفقات التشغيل على الميزانية، وسيتم إنشاء قدرات وتحذيرات خاصة بآليات الحماية الالكترونية ضمن كل مستوى من مستويات البيئة الرقمية لمعمل التكرير المستقبلي." ويستطرد أن "هذه المفاهيم ستساعد معمل التكرير بحلول العام 2030 على لعب دور حيوي ورئيسي في مشاريع الطاقة المستدامة، وشديدة التنوع، والمتكاملة في المستقبل."

 رؤية مستقبلية

بحسب بيك، فإن المصافي ستزدهر خلال العقد المقبل مستفيدة من الطلب على خدماتها ومنتجاتها. أما على مستوى الإدارة فإن "سلاسل الإدارة في المصفاة المستقبلية (2030) ستتخذ إجراءات خاصة استناداً إلى القدرة على تلبية طلب العملاء بشكل أفضل من منافسيهم."، مضيفاً أن "الأنظمة المتكاملة والواجهات البصرية ستظهر تأثير إجراءات الموظفين الفردية والجماعية على رضا العملاء، وكيف يمكنهم تحسين الأصول لمواكبة الطلب بشكل يساهم في تحقيق الأرباح."

ويتابع بيك أنه "باتباع نموذج امازون الفريد، فإن سلسلة التوريد المتصلة بالإنترنت والخاصة بمصفاة 2030 ستربط بين هذه السلسلة وعمليات التشغيل والتخطيط والتجارة، وتطبق تحليلات قوية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لفهم الفرص التي توفرها تغييرات الطلب بشكل أوضح"، مؤكداً أن "الأقسام المتخصصة بإدارة الأعمال، والمبيعات ستستخدم هذه التحليلات لاكتشاف أدوات العمل التي توفر لهم المزايا التنافسية في السوق وتوفر عمليات أكثر ذكاء وأكثر ربحية عبر سلسلة التوريد".

واستناداً إلى ما تقدّم، يخلص بيك إلى التوقع بأن تكون مصافي التكرير مختلفة في العام 2030 عن مصافي اليوم التقليدية، مع الإشارة إلى أن أصولها المادية التي تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات ستظل موجودة إلى جانب العنصر البشري الذي يدير العمليات لكن مع مهام ووظائف مختلفة، إذ ستتحوّل المصفاة من تكرير وتحويل المواد الخام، إلى مصنع ذكي متكامل يمتاز بالمرونة وقابلية التكيّف.