ماذا بعد المبادرات والمساعدات الدولية لإعادة تأهيل اقتصاد السودان؟

  • 2021-05-31
  • 09:14

ماذا بعد المبادرات والمساعدات الدولية لإعادة تأهيل اقتصاد السودان؟

  • أنطون رضا

 

بدأت جهود السودان في التحول السياسي والاقتصادي تؤتي ثمارها، بدايةً بثورة نيسان/أبريل 2019، مروراً بفترة انتقالية عصيبة، ثم الخوض في جائحة عالمية مدمِرة، وصولاً إلى ترحيب وإشادة المجتمع الدولي ومساندة عالمية لدعم مسيرة الإصلاح. 

وقُوبلت مساعي السودان نحو الانتقال الديمقراطي واستعادة أمنه وسلامة أراضيه بترحيبٍ دُوليٍّ لإعادته مجدداً إلى المجتمع الدولي، فجاء ملف إحلال السلام الداخلي على رأس أولويات الحكومة الانتقالية، وهو ما اتضح جلياً في جهود الحكومة لتهدئة النزاعات والاقتتال والتمرد، والسيطرة عليها من خلال المشاورات والتفاوض، لإيجاد حلولٍ دبلوماسية تجَنب السودان الانقياد إلى استنزاف موارده، وتفادي المزيد من العنف والتصعيد مع الفصائل والحركات المسلحة. ولكن للأسف، فعلى الرغم من مساعي إحلال السلام والاستقرار التي حملها توقيع إتفاقية سلام "جوبا" في 3 من أكتوبر 2020، لا تزال النزاعات المسلحة في بعض الأقليم مثل "دارفور" تهدد ركائز الأمن والاستقرار، وتزعزع جهود منظمات المساعدة الدولية على تحسين أوضاع اللاجئين ووقف نزيف الدم.

واتخذت الحكومة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وعبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية، اللذين نجحا في توحيد أجهزة ومؤسسات الدولة وأغلب فصائل الشعب، بالتنسيق مع صندوق النقد والبنك الدوليين، حزمةً مبدئيةً من إجراءات الإصلاح، حيث جاءت هذه الخطوات في وقتٍ بالغ الدقة، يحارب فيه السودان موروثات عقود من الفساد وسوء ادارة الموارد، أدت تبعاتها إلى تفاقُم معدلات الفقر والبطالة، وحيث يقع أكثر من نصف عدد سكانه البالغ نحو 42 مليون نسمة تحت خط الفقر؛ وتمثَّلت هذه الإجراءات الجريئة في تحرير سعر صرف العملة المحلية، ورفع الدعم عن المحروقات.

وعلى الرغم من النتائج القصيرة الأجل لتلك الإجراءات التي ظهرت في ارتفاع معدلات التضخم التي سجَّلت أكثر من 363 في المئة نهاية نيسان/أبريل الماضي، إلا أنها حازت على إشادة صندوق النقد الدولي الذي يراقب خطى السودان وتقدمه في مسيرة الإصلاح، باعتبارها خطوات تصبّ في الصالح العام على المدى البعيد، إلا أن أموراً مثل غياب الشفافية المحيطة بمؤسسات الدولة ومشاريعها، ونظم الجمارك الحالية، وأيضاً التهريب والاتجار غير القانوني في السلع المدعمة، قد دفعت الصندوق إلى التحذير بأن الوضع الاقتصادي الحالي لا يزال هشاً، ويحتاج الى تضافر جهود جميع الأطراف المعنية؛ الأمر الذي يستدعي تكاتف القوى الدولية وراء إرادة السودان لتأييد مساعيه نحو الإصلاح الديمقراطي والاستقرار الاقتصادي، اللذين لا يمكن تحقيقهما بمنأى عن بعضهما.

قمتان دوليتان

استضافت باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمةً مزدوجةً يومي 17 و18 مايو 2020 ، تهدف الأولى إلى دعم عملية الانتقال الديمقراطي في السودان ومساعدته اقتصادياً، أما الثانية فهي قمة استثنائية لدعم اقتصادات الدول الأفريقية في ظل الموجات المتتابعة لجائحة كوفيد-19، إيماناً بالمسؤولية الدولية المشتركة نحو دول القارة، حيث أدى الوباء إلى أزمات اقتصادية غير مسبوقة في القارة السمراء، مما أطاح بمكتسبات اقتصادية تكونت على مدى أكثر من 25 سنة مضت، ويتوقع خبراء صندوق النقد الدولي اتساع فجوة التمويل التي تحتاجها دول القارة لمواجهة تداعيات الجائحة لتصل إلى 285 مليار دولار خلال الفترة من 2021 – 2025، مما يخلُّ بأجندة أفريقيا للتنمية المستدامة 2030، وأيضاً بأجندة الاتحاد الأفريقي 2063.

وارتكزت الدول المشاركة في قمة دعم الاقتصادات الأفريقية على ركيزتين أساسيتين يقوم عليهما برنامج الدعم. أولاً، حث صندوق النقد الدولي على إتاحة حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار، يخصص منها 33 ملياراً كدعم لزيادة الأصول الاحتياطية للدول؛ ثانياً، دعم نمو الاقتصادات من خلال تنمية دور القطاع الخاص بحيث يصبح أكثر فاعلية، الى جانب دعم الابتكار وريادة الأعمال، وتمويل مشاريع البنية التحتية العالية الجودة والكفاءة.

وتأتي القمم بمشاركة قادة ورؤساء حكومات كل من أنغولا وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية وساحل العاج وموريتانيا والسنغال ونيجيريا وتوغو ومصر والسودان وإثيوبيا، الى جانب رؤساء المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها مجموعة نادي باريس -أكبر دائني السودان بنحو 19 مليار دولار أو ما يمثل 38 في المئة من إجمالي دينه الخارجي- وصندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي وغيرها، سعياً لمساعدة السودان في حقبته الديمقراطية الجديدة، وضماناً لتزويد القارة الأفريقية بالتمويل الضروري لمواجهة تداعيات الجائحة.

إسقاط متأخرات السودان

وكانت مجموعة بنك التنمية الأفريقي وقعت أوائل الشهر نفسه اتفاقيتين، بين السيدة نينا نواب أوفو المدير الاقليمي لبنك التنمية الأفريقي ود.جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني. الأولى، تضمنت قرض "تجسري" -بدعمٍ من المملكة المتحدة، والسويد وايرلندا- لإسقاط متأخرات بنك التنمية الأفريقي بمبلغ 425 مليون دولار، والثانية منحة بمبلغ 207 ملايين دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية. وكان للولايات المتحدة الأميركية نصيبٌ في المساعدات المقدمة، حيث شاركت بقرض قيمته 1.15 مليار دولار موجَّه لسداد المتأخرات المستحقَة للبنك الدولي.

وبادر الرئيس الفرنسي بتخفيف عبء الديون، قائلاً إن بلاده تؤيد الإلغاء الكامل لمبلغ 5 مليارات دولار من المستحقات على الخرطوم، الى جانب تقديم قرض بقيمة 1.5 مليار دولار، مضيفاً، أن الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي وافقت على سداد متأخرات السودان المستحقَة، والتي كانت تشكِّلُ عقبةً أمام حصول السودان على تسهيلات للديون الخارجية بما لا يقل عن 50 مليار دولار.

انضمت أيضاً إلى هذه المبادرة كل من ألمانيا والسعودية، حيث قامت الأولى بشطب ديون بإجمالي 360 مليون يورو، وتقديم قرض بقيمة 90 مليون يورو، وقدَّمت الثانية منحةً بقيمة 20 مليون دولار، بالإضافة إلى تعهدات من كلٍّ من إيطاليا والنرويج والكويت والصين بالإعفاء وخفض وتسوية بعض الديون المستحقة.

دعم مسيرة الإصلاح

تهدف كل هذه المبادرات والمساعدات إلى المساهمة في إعادة تأهيل اقتصاد السودان، وجعله دولياً كشريك فعَّال في محيطه الإقليمي ليساهم -وهو البلد الغني بالموارد الطبيعية، الفقير والمثقَّل بالديون- في التطور المزمَع والمنتظَر لاقتصادات القارة الأفريقية.

يُضاف إلى ذلك، سعي الحكومة السودانية للتوصل إلى إعفاءٍ تام من الديون والمستحقات المالية، وليس فقط تخفيضها، انطلاقاً من تضارب نفقات مسيرة الإصلاح مع ما هو متراكم من ديون على السودان. وقد أيَّدت المملكة العربية السعودية هذه المساعي، وتمثل هذا التأييد في عرض السيد محمد بن عبد الله الجدعان وزير المالية السعودي الوساطة مع رئيسة صندوق النقد الدولي لاستعراض الأدوات المتاحة لبلوغ هذه الغاية. في الوقت ذاته، كشف وزير المالية السعودي عن تكوين شراكة استثمارية مع السودان بالتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 3 مليارات دولار.