دول الخليج تحاول حل المعادلة الصعبة: احتواء الجائحة من دون شل الاقتصاد

  • 2021-02-05
  • 12:23

دول الخليج تحاول حل المعادلة الصعبة: احتواء الجائحة من دون شل الاقتصاد

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

 

المعادلة الصعبة في دول الخليج كما هي في كل مكان باتت واضحة: كيف يمكن احتواء فيروس كورونا وآثاره الصحية السلبية من دون شل الاقتصاد والتسبب بإقفال المؤسسات وتسريح العمالة وخلق أزمة اجتماعية كبيرة؟ والواضح هو أن دول الخليج سجلت نجاحات كبيرة في احتواء الجائحة، وطبقت برامج للوقاية والرعاية الصحية لكنها لم تتوصل بعد إلى حل الشق الثاني من المعادلة أي إنعاش الاقتصاد في الوقت نفسه الذي تتم فيه السيطرة على الجائحة.

قد يهمك:
هل تقفل الجائحة المطارات مجدداً؟

يجب القول إن دول الخليج هي من بين الأعلى فعالية في العالم لجهة التعامل مع الفيروس، وقد تأكدت تلك النجاحات في الخفض المتواصل والتدريجي لعدد الإصابات الجديدة التي هبطت إلى أدنى المستويات. وعلى سبيل المثال، تمكنت السعودية من خفض عدد الحالات الجديدة من نحو 5,000 في اليوم في حزيران/ يونيو 2020 إلى 100 إصابة جديدة يومياً فقط في مطلع كانون الثاني/يناير من هذا العام. ويظهر الرسم البياني أن قطر وعمان حققتا أيضاً نجاحاً في السيطرة على الوباء وخفض عدد الإصابات اليومية، لكن الرسوم البيانية نفسها تظهر أن دولاً أخرى لا تزال في مد وجزر في صراعها مع الجائحة.  

لكن الأصل في إجراءات الاحتراز من جائحة كورونا أنها مؤقتة واستثنائية، وأنها يجب أن تساهم مع جملة من الإجراءات الأخرى مثل حملات التلقيح في السيطرة على الوباء وعودة الاقتصاد والمجتمعات إلى حياتها الطبيعية السابقة. ودول الخليج انتظرت، ولا تزال تنتظر مثل غيرها، الوصول إلى وضع يصبح فيه الوباء من الماضي، لكن في كل يوم تبرز وقائع جديدة أو تنتشر معلومات تنذر بأن وباء كورونا ليس وباء عادياً فهو قابل للتحول في وقت لم يتضح بعد عملياً وبشكل حاسم درجة الفعالية التي ستحققها اللقاحات المختلفة في القضاء عليه. وبينت التقارير المتداولة أن الفيروس ونسخه المحورة قد تستمر بيننا لفترة أطول مما كان يظن، وبالتالي فإن العودة إلى الزمن الجميل السابق للفيروس مؤجلة في الوقت الحاضر. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتسريع عملية التلقيح، لا تزال الحملات في بداياتها ولم تصل إلى المستوى المطلوب لتوفير الحماية الجماعية المتوخاة كما تشير الدراسات والمعلومات التي توفرها الشركات المصنّعة والمعاهد البحثية. 

للمتابعة:
الكويت: إجراءات استثنائية جديدة في مواجهة الجائحة

مواجهة العواقب الاقتصادية والاجتماعية

 إن قدرة الدول على الصمود لفترات إغلاق وتعطيل جزئي للقطاعات وتقييد للسفر ولنشاطات الترفيه أو نشاطات الحشود وغيرها، ليست متكافئة، فهناك دول تمتلك من الموارد المالية أو المرونة في الإنفاق أو القدرة على دعم القطاعات المتضررة، بينما يوجد بلدان ليست لها الموارد والقدرة على الصمود، وفي جميع تلك البلدان فإن نقطة الضعف الأهم هي القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي قد لا تقوى على الصمود طويلاً وعندها فإن النتائج الاجتماعية ستكون قاسية.

بالطبع هناك ميزة كبرى لدول الخليج هي اعتمادها بدرجة كبيرة على النفط والغاز اللذين تأثرا بالانكماش الاقتصادي العالمي، لكنه من بين السلع الأولية الضرورية للاقتصاد العالمي وأقدر بالتالي على الصمود. ولهذا السبب، فإن دول الخليج يمكنها استيعاب فترات أطول من التقييد والتباطؤ الاقتصادي، لكن هذه الدول ملتزمة في معظمها ببرامج تطور طموحة وبتوفير التشغيل للأجيال الجديدة، وهي بالتالي تريد كسب الوقت والسير ببرامجها بصورة طبيعية، كما إن بعض الدول تعتمد بصورة كبيرة على النشاطات المالية والسياحية وعلى قطاعات الخدمات، وهي ستكون الأشد تأثراً.  

لماذا عادت موجات كورونا إلى التصاعد منذ مطلع العام الحالي؟

السبب قد يكون بسيطاً وهو أن الدول والمجتمعات بدأ يعتريها التعب في أواخر العام 2020 بعد سنة من الحجر وإغلاق المؤسسات ومرافق الترفيه ومع ما يرافق ذلك من نزف في موارد الدولة والمؤسسات والمواطنين، وهذا ما ولد ضغوطاً ورغبة في العودة الى حالة شبه طبيعية في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وتفادي الإغلاق والانكماش الذي حصل في العام 2020.

هذا نمط الضغوط الذي جعل الدول تخفف القيود السابقة وتفتح أسواقها منذ صيف العام الماضي، وأن يسعى بعضها إلى استقطاب السياح من انحاء العالم، ويلاحظ أنه، وبعد أن تراجعت الإصابات في الإمارات إلى حد معين، فإنها بدأت بالارتفاع ببطء بعد إطلاق موسم الصيف الماضي ثم قفزت بصورة خاصة في فترة أعياد الميلاد ورأس السنة وما بعدها.

وأدت سياسة انفتاح مضبوط طبقتها السعودية في الفصل الأخير من العام الماضي إلى تحرك عدد الإصابات مجدداً نحو الارتفاع من معدل 100 يومياً في أواخر العام إلى 306 حالات في يوم واحد في آخر كانون الثاني/يناير الماضي.

اختبار الانفتاح

إن دول الخليج تريد اختبار سياسات الانفتاح المدروس في ظل جائحة كورونا، ليس من قبيل الاستخفاف بالجائحة، بل بسبب ثقتها المتزايدة بفعالية أساليب إدارة الأزمة الصحية وتطبيق أفضل إجراءات الاحتراز في حال السماح ببعض النشاطات السياحية أو الترفيهية أو الرياضية والحركة الحرة للأفراد والسيارات. وتحتاج دول الخليج باستمرار لاختبار قدراتها الطبية والوقائية وهي تركز أنظارها على بعض الاستحقاقات الضخمة القادمة مثل دبي أكسبو الذي يعتبر رهاناً كبيراً لحكومة دبي، وهناك مونديال قطر أيضاً والفعاليات الرياضية التي تسبقه، وأخيراً هناك موسم الحج والعمرة والسياحة الناهضة في السعودية. وكل هذه المناسبات وغيرها تريد دول المنطقة الوصول إليها، وهي على ثقة أنها استكملت الوسائل كافة وجمعت الخبرات كافة التي ستحتاجها لتأمين نجاحها على أفضل وجه في ظل أزمة كورونا. وبالطبع سيكون على دول الخليج دوماً اختيار وسائلها وأنظمة الوقاية الأفضل في سعيها للتغلب على الجائحة، لكن القفزات التي سجلت في عدد إصابات كورونا في تلك الدول خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي تظهر أن عملية التعلّم هذه ستأخذ وقتاً، وسيحد منها باستمرار قدرة الفيروس على التحول والمفاجأة وعلى الانتشار بصورة تجعل منه أكبر تحد واجه المنطقة والإنسانية في تاريخها الطويل.