هل تقفل الجائحة المطارات مجدداً؟

  • 2021-02-04
  • 13:25

هل تقفل الجائحة المطارات مجدداً؟

  • بيروت – "أوّلاً- الاقتصاد والاعمال"
  

يبدو أن جائحة كورونا قد ضربت قطاع السياحة والسفر بعمق وعلى المدى الطويل، وذلك لا يقتصر تأثيره على القطاع تجارياً فحسب بل من شأنه أن يرخي بثقله على وظائف القطاع كما على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية لمعظم دول العالم والتي قد تمتد لسنوات عدة.

ولا يقتصر تأثير كورونا على شركات الطيران وحدها بل يمتد إلى الفنادق، وكالات السياحة والسفر والمطاعم وغيرها من القطاعات ذات الصلة كالمتاجر والملاهي وأماكن الترفيه المختلفة ووسائل النقل حتى صانعي الطائرات.

وكان الاتحاد الدولي للنقل الجوي قد توقع ألا يتعافى القطاع ويعود إلى أرقام 2019 قبل العام 2024 وهذا ما تظهره مؤشرات الانخفاض الحاد بالطلب على السفر. فقد أكدت وكالة الأمم المتحدة للطيران المدني "إيكاو" عبر آخر تحليل للأثر الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا، أن حركة الركَّاب الدولية سجَّلت انخفاضاً حاداً بنسبة 60 في المئة في العام 2020 حيث تراجع النقل الجوي إلى مستويات العام 2003، ما يعني خسارة نحو 17 عاماً من النمو، وهذا من دون احتساب الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 التي كانت خلالها الحركة شبه طبيعية. 

370 مليار دولار خسائر شركات الطيران

وبدأ تهاوي النقل الجوي بسبب الجائحة في كانون الأول/ديسمبر 2020 وإن كان محصوراً في بلدان قليلة، ولكن مع توسع انتشار الفيروس توقفت تقريباً أنشطة النقل الجوي في نهاية آذار/مارس من العام الماضي. وفي حلول شهر نيسان/ أبريل تقلص عدد المسافرين بنسبة 92 في المئة مقارنةً بمستوياته في العام 2019 حيث بلغ متوسط الانخفاض في الحركة الدولية 98 و87 في المئة في النقل الجوي المحلي، وذلك بسبب تدابير الإغلاق الشامل، وإقفال الحدود والقيود على السفر التي طُبِّقت في كل أرجاء العالم.

وكشفت إيكاو أنه بتدني الطاقة الاستيعابية من حيث عدد المقاعد بنسبة 50 في المئة السنة الماضية، انخفض إجمالي الركاب بنسبة 60  في المئة حيث لم يتجاوز عدد المسافرين جواً 1.8 مليار خلال السنة الأولى للجائحة مقابل 4.5 مليارات مسافر في العام 2019، وتشير الأرقام إلى أن الجائحة تسببت لشركات الطيران في خسارات مالية بلغت 370 مليار دولار، بينما تكبّدت المطارات ومقدِّمو خدمات الملاحة الجوية خسائر إضافية بلغت 115 مليار دولار و13 ملياراً تباعاً.

وبعد الانهيار المسجَّل في شهر نيسان/أبريل، شهدت حركة المسافرين انتعاشاً طفيفاً خلال فصل الصيف، موسم العطلات، بيد أن هذا الانتعاش لم يُعمِّر طويلاً حيث ظل مستقراً قبل أن يتهاوى في شهر أيلول/ سبتمبر في أقاليم عدة بعد أن أدَّت الموجة الثانية من الإصابات بالفيروس إلى العودة إلى التدابير التقييدية. واتسم انتعاش القطاع مرة أخرى بالهشاشة والتقلب إبان الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2020، بما يشير إلى ركود مزدوج شامل بالنسبة للعام.

الفوارق في التعافي على المستويين المحلي والدولي

وأفادت إيكاو بوجود فوارق ثابتة في الآثار بين السفر الجوي المحلي والدولي، نتيجة للتدابير الأكثر صرامة المطبَّقة على الصعيد الدولي. وأشارت إلى أن الأسواق المحلية أظهرت قدراً أكبر من المرونة وسجَّلت درجات أحسن من التعافي ولاسيما في الصين والاتحاد الروسي حيث عادت أرقام المسافرين محلياً إلى مستوياتها قبل الجائحة.

وبصفة عامة سجَّلت حركة السفر محلياً انخفاضاً بنسبة 50 في المئة على الصعيد العالمي، بينما سجلت الحركة الدولية انخفاضاً قدره 74 في المئة أو عجزاً في عدد الركَّاب قدره 1.4 مليار مسافر.

وحتى أواخر أيار/مايو 2020، تبوأ إقليما آسيا والمحيط الهادئ وأميركا الشمالية الريادة في انتعاش أعداد المسافرين على الصعيد العالمي، وذلك إلى حد كبير بفضل ضخامة الأسواق المحلية في هذين الإقليمين. أما أوروبا فشهدت قفزة مؤقتة ثم عادت إلى الانخفاض بشكلٍ كبير ابتداءً من ايلول/سبتمبر، وسجَّلت الحركة في أميركا اللاتينية والكاريبي بعض التحسن في الفصل الرابع من السنة، بينما كان التعافي في أفريقيا والشرق الأوسط بدرجة أقل.

الضائقة المالية والآفاق القاتمة

أدَّى توقف الإيرادات نتيجة انهيار الحركة الجوية إلى مشاكل مستعصية خاصة بالسيولة عبر سلسلة القيم في قطاع الطيران مما أثار التساؤلات حول الجدوى المالية للقطاع وشكَّل تهديداً لملايين الوظائف في أرجاء العالم. وتوزعت الخسائر في إجمالي العائدات التشغيلية التي يدِّرها المسافرون على شركات الطيران، وقدرها 370 مليار دولار، بين آسيا والمحيط الهادئ بـ120 ملياراً، وأوروبا بـ100 مليار، وأميركا الشمالية بـ88 ملياراً، تليها أميركا اللاتينية والكاريبي والشرق الأوسط وأفريقيا بخسارة قدرها 26 ملياراً و22 ملياراً و14 ملياراً تباعاً.

وأشارت "إيكاو" إلى أن الآفاق على المدى القريب تنذر بركود في الطلب، مما يُنبِئُ بخطر الخسارة فيما يخص انتعاش السفر الجوي في الفصل الأول من العام 2021، واحتمالات المزيد من التدهور.

ولا تتوقع إيكاو تحسناً في هذا الوضع سوى في الربع الثاني من العام 2021، على الرغم من أن ذلك يتوقف على مدى فعالية إدارة الجائحة وتوفير اللقاح.

إقفال مطارات وآمال اللقاح

ومع ظهور السلالة الجديدة من فيروس كورونا في كل من المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا، عادت الآمال بالتعافي لتتلاشى، فقبل أيام عدة فرضت فرنسا قيوداً حدودية جديدة، وتم حظر جميع الرحلات من خارج الاتحاد الأوروبي باستثناء الرحلات الضرورية ، بينما تم تشديد متطلبات الاختبار على المسافرين من داخل الاتحاد الأوروبي.

من جهتها، وضعت المملكة المتحدة التي تنفذ إقفالاً عاماً للحدّ من انتشار السلالة الجديدة من كورونا، 33 بلداً من البلدان ذات المخاطر العالية على ما يسمى "القائمة الحمراء".

ولا يُسمح حالياً للأشخاص الذين كانوا في هذه البلدان في الأيام العشرة السابقة للسفر بدخول المملكة المتحدة. وتوجد هذه البلدان في الغالب في أميركا الجنوبية أو أفريقيا، بالإضافة إلى الامارات العربية المتحدة وبوروندي ورواندا والبرتغال، ويمكن للمواطنين البريطانيين والايرلنديين وحاملي التأشيرات الطويلة الأجل والمقيمين الدخول من هذه البلدان، ولكن يجب عليهم الحجر الصحي لمدة 10 أيام.

وأعلنت كل من السعودية وعُمان والكويت، إغلاق حدودها الجوية والبحرية والبرية، ووقف رحلات الطيران لفترات متفاوتة تمتد من أسبوع إلى 10 أيام، مع احتمال التمديد حسب تطورات السلالة الجديدة المكتشفة من فيروس كورونا.

بين فعالية اللقاح وتوفره والانتشار الجديد للوباء يترنح قطاع النقل الجوي بما فيه المطارات الذي تلقى أقسى الضربات خلال العام الماضي وعلى ما يبدو سيستمر على أقل تقدير خلال السنة الحالية وربما أكثر، ومع توفر اللقاح والهواجس المصاحبة له لا يزال القطاع يرزخ تحت رحمة كورونا على أمل إيجاد الحلول الناجعة التي قبل أي اعتبار اقتصادي تبقى رهن تقبل الناس وقبولهم والاطمئنان على صحتهم وسلامتهم كمطلب أساسي.