ماكرون سيعود الى لبنان لـ "إلقاء نظرة الوداع" على مبادرته!

  • 2020-12-12
  • 10:46

ماكرون سيعود الى لبنان لـ "إلقاء نظرة الوداع" على مبادرته!

  • أحمد عياش

لم يكن المؤتمر الدولي الثاني لدعم الشعب اللبناني الذي استضافته فرنسا في بداية الشهر الحالي في سياق المبادرة التي أطلقها راعي المؤتمر، الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، في بداية شهر أيلول/ سبتمبر، والتي أراد من خلالها حشد الدعم الدولي في عملية إعادة النهوض بلبنان مالياً واقتصادياً وإعمارياً، بل جاء المؤتمر في سياق العمل الانساني لمد يد العون لمئات الالوف من اللبنانيين الذين حلت بهم نكبة الانفجار "شبه النووي" الذي دمّر مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس الماضي ومعه ثلث العاصمة اللبنانية.

ليس صعباً معرفة الفارق ما بين أهداف مبادرة الرئيس الفرنسي، وما بين نتائج المؤتمريّن الذي رعاهما الأخير (المؤتمر الأول الذي عقد في 9 آب/أغسطس الماضي). ففي المبادرة، هناك خريطة طريق تبدأ بقيام حكومة من المستقلين تنفّذ برنامجاً إصلاحياً عاجلاً يمهد لإتفاق مع صندوق النقد الدولي ما يفتح الباب أمام وصول الدعم الدولي بشتى الأنواع. أما المؤتمران اللذان انعقدا لأهداف إنسانية، فقد إبتعدا تماماً عن التعامل مع الحكومة وسائر الأجهزة الرسمية بإستثناء مؤسسة الجيش كي يتم توزيع المساعدات الطارئة على المحتاجين، وكأن المجتمع الدولي تعامل مع بلد لا دولة فيه بل شعب فقط.

بالعودة إلى وقائع المؤتمر الاخير الذي انعقد عبر الفيديو، بدعوة مشتركة من رئيس الجمهورية الفرنسية والأمين العام للأمم المتحدة، فقد شاركت فيه 32 دولة و12 منظمة دولية و7 منظمات من المجتمع المدني اللبناني. وكان لافتاً للإنتباه أن الكلمة التالية بعد كلمتي الافتتاح لراعييّ المؤتمر الفرنسي والدولي أعطيت لممثلي هذه المنظمات وليس لرئيس الجمهورية ميشال عون الذي أدلى بكلمته بعدما عرض ممثلو المنظمات معاناة اللبنانيين بعد إنفجار المرفأ، وكان في ذلك إشارة الى ان المجتمع الدولي غير راض عن سلوك الدولة اللبنانية في مواجهة كارثة المرفأ.

اوساط دبلوماسية واكبت مؤتمر الدعم الاخير شرحت لـ "أوّلاً -الاقتصاد والأعمال" مسار الاهتمام الدولي بلبنان من الآن فصاعداً، وهذا المسار يمضي على المستويات الآتية:

المستوى السياسي، وقد وردت في سياقه مواقف أبرزها للرئيس ماكرون الذي قال إنه "يجب العمل على تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن وإجراء الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي وإلا فلن يحصل لبنان على مساعدات دولية. "أما الرئيس المصري محمد عبد الفتاح السيسي فقد اعتبر المؤتمر" رسالة الى السياسيين اللبنانيين مفادها ان العالم مستعد لمساعدة لبنان عندما يتم تأليف حكومة من التكنوقراط والاختصاصيين بعيداً عن الاصطفاف السياسي".

المستوى الإغاثي، فبعدما تعهد الحاضرون في المؤتمر الأول تقديم 257 مليون يورو، وحصل لبنان فعلياً على أكثر من 280 مليون يورو، أعلن الرئيس الفرنسي انه "من المهم التدخل لمساعدة لبنان الذي يغرق أكثر في أزمته"، مشيراً الى ان "اكثر من 20 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر.

بدوره، قدّر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "ان نصف المجتمع اللبناني يعيش تحت خط الفقر، وان نسبة البطالة تبلغ 30 في المئة"، ولفت الرئيس ماكرون النظر الى انه من المقرر تأسيس صندوق يديره البنك الدولي للمساهمة في تقديم المساعدات الإنسانية الى لبنان"، وتم تقديم إطار عمل عنوانه "الإصلاح والنهوض وإعادة الإعمار" والمرفق التمويلي الخاص به، أي الصندوق الائتماني المتعدد المانحين الذي أعدّه البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وستتضمن هذه الأدوات إستمرار التمويل بعد المساعدات الإنسانية الطارئة التي تمّ تخصيصها بعد 4 آب/أغسطس.

مستوى الدعم المتوسط الأجل، فقد دعا العاهل الأردني عبد الله بن الحسين الى تسهيل الحركة التجارية مع لبنان وتوفير استراتيجيات لتيسير قطاع الأعمال فيه. وقال إن هناك "مخاوف لا تتعلق فقط بنقص الغذاء، بل أيضاً بندرة المواد اللازمة لإنتاج السلع المحلية الاساسية"، فيما اعتبر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ان العراق الذي "يعاني من تحديات مشابهة، يتطلع الى الاستفادة من دروس هذه التجربة".

مستوى اللاجئين والنازحين، فقد قال رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفن ان بلاده "تقف مع المجتمع الدولي الى جانب لبنان، والمشاكل التي يواجهها على اكثر من صعيد ومنها وجود اللاجئين السوريين والفلسطينيين على ارضه. وقررنا تمديد مساعداتنا في ما خص الازمة السورية لثلاث سنوات"، أما الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فأشار الى لبنان "يستضيف اكبر عدد من اللاجئين من ناحية المساحة في العالم، ويجب تقدير هذا الكرم اللافت".

المستوى الامني، حيث أعلن الرئيس الفرنسي عن "الاصرار على معرفة كامل ملابسات الانفجار في مرفأ بيروت والتحقيقات بشأنه"، قائلاً:"سأعود الى لبنان في خلال هذا الشهر كي اتابع هذا الموضوع".

بدوره، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وهو الذي ترأس المؤتمر بالمشاركة مع الرئيس ماكرون، أن الأمم المتحدة "ستواصل دعم لبنان وشعبه في المسيرة الطويلة لاستعادة العافية والاستقرار.
لم تمض سوى أيام قليلة على إنعقاد مؤتمر باريس الاخير حتى تواترت أنباء  حول عزم الاتحاد الأوروبي، بمبادرة فرنسية - ألمانية، على بلورة "خريطة طريق" تمثل بديلاً لصيغة المبادرة الفرنسية  تتضمن ، وفق هذه الانباء سلسلة مقترحات إصلاحية "شاملة عاجلة"، وأخرى آجلة لإنقاذ لبنان من الانهيار الشامل، وقد سلكت هذه الخطوة طريقها الى اجتماع  وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في بروكسل من أجل "تحصين المبادرة الشخصية" التي قادها الرئيس ماكرون، قبل زيارته الثالثة إلى بيروت نهاية الشهر الحالي.

ماذا ينتظر لبنان من الرئيس الفرنسي، عندما يعود للمرة الثالثة اليه؟ تجيب الاوساط الدبلوماسية على هذا السؤال قائلة: "هناك حالة يأس تسود دوائر القرار في الرئاسة الفرنسية لجهة الامكان الوصول بمبادرتها اللبنانية الى النتيجة المرتجاة وفي طليعتها تشكيل حكومة جديدة"، ورأت ان المعلومات التي تتحدث عن عزم الرئيس الفرنسي تفقد قوات بلاده المشاركة في "اليونفيل" العاملة في جنوب لبنان من دون إجراء اية لقاءات رسمية ، تنطوي على مؤشر ان الرئيس الفرنسي" سيأتي الى لبنان لإلقاء نظرة الوداع على مبادرته بعد إنفجار مرفأ بيروت والذهاب الى مبادرة اوروبية قد تتوسع لاحقاً لتصبح دولية من اجل إنتشال لبنان من ازمات عميقة لا سابق لها في تاريخه الحديث".