بعد الدعوى الجديدة ضد شقير والجراح.. قضية مبنى "تاتش" إلى أين؟

  • 2020-11-05
  • 16:30

بعد الدعوى الجديدة ضد شقير والجراح.. قضية مبنى "تاتش" إلى أين؟

خلاف قانوني حول القضاء المختص بملاحقة الوزيرين

  • إياد ديراني

عادت قضية الـ 100 مليون دولار المتعلقة بمبنى شركة الاتصالات "تاتش" التي تديرها مجموعة زين الكويتية في لبنان إلى الواجهة مجدداً مع تقدّم المدير العام السابق لشركة تاتش وسيم منصور، بالتعاون مع "المفكرة القانونية"، بدعوى جزائية ضد وزيري الاتصالات السابقين جمال الجراح ومحمد شقير وآخرين، تحت عنوان: "هدر نحو 100 مليون دولار من المال العام"، فماذا عن آخر تطورات القضية وما راي الخبراء القانونيون بها؟

 

قد يهمك:
لبنان: "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" يعيد هيكلة مجلس إدارته

 

القضية ليست جديدة، وتعود فصولها إلى تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي عندما تمّ نقلها إلى المدعي العام المالي علي إبراهيم الذي استمع إلى الوزيرين شقير والجراح بعد تمنعهما بداية عن الحضور إلى مكتبه وذلك في إطار "ملف الاتصالات" الذي أثاره النائب جهاد الصمد. غير أن الملف غاب منذ ذلك الوقت ليظهر مع الدعوى التي تقدم بها منصور وهو أحد المساهمين في شركة "ميك 2" التي تملك "تاتش" منذ أيام، مع مقاربة مختلفة للقضية تقوم على استبعاد فرضية احتمال تذرع كل من شقير والجراح بالحصانة الوزارية.

وفيما يتوقع أن تتخذ القضية منحى مختلفاً هذه المرة، يصف منصور في لقاء مع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" الدعوى التي قدمها بالمدماك الأول الواجب أن يبنى قبل الانطلاق في رحلة إصلاح قطاع الاتصالات اللبناني الطويلة وترميم الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد من خلال معاقبة المتهمين به، مشدداً على أن الواجب على القضاء تحمّل مسؤولياته ووضع يده على هذه القضية البالغة الأهمية، موضحاً: "هناك قضاة شجعان في لبنان، ولدي كل الثقة بأنهم لن ينهزموا أمام ثقافة الفساد والهدر والموت الاقتصادي. لبنان يستحق منا الوقوف مع الحق مهما كلّف الأمر، بغض النظر إلى أين قد تصل الأمور في هذا الملف".

 

الفساد يلغي التذرّع بالحصانة؟ 

 

من جهتها، تستند "المفكرة القانونية " في مقاربتها للقضية إلى ثماني ركائز، أبرزها: ملكية الدولة للشركة المشغّلة، تجاوز الرقابة المُسبقة لديوان المحاسبة، المبالغة في قيمة الإيجار والتستر عليها بالمبادرة إلى شراء العقار، وجود وسطاء غير ضروريين بين البائع والشاري، وجود شُبهة بصرف نفوذ وتبييض أموال واستغلال الوظيفة ورشوة (ما يلغي امكانية اللجوء الى الحصانة الوزارية من جانب الوزيرين الجراح وشقير)، واستفادة وسيم منصور من قانون حماية كاشفي الفساد.  ويمكن الرجوع إلى بيان المفكرة التي نشرته على موقعها الالكتروني للاطلاع على التفاصيل. وفي ظل هذه المعطيات الجديدة ما رأي الخبراء القانونيين؟

 

خلاف في وجهات النظر القانونية

 

يؤكد بعض الخبراء القانونيين أنه لا حصانة وزارية خاصة للوزراء في مثل هذه القضايا، وأن القضاء العادي بإمكانه ملاحقتهم إذا حدث تجاوز من نوع المخالفة في قضية مبنى تاتش خلال ممارسة صلاحياتهم. فيما يؤكد خبراء أخرون ومنهم د. عصام إسماعيل أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية أنه لا يمكن ملاحقة الوزيرين شقير والجراح امام القضاء العادي في هذه القضية باعتبار أن ما يتهمان به يتعلق بصميم مهمتهما كوزيرين للاتصالات فهما منحا الموافقة لإتمام صفقة شراء المبنى وهذا يعد إخلالاً بواجباتهما الوزارية ويحتم أن ينظر فيها المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وعن دعوى منصور والمفكرة القانونية يقول إسماعيل: "إن الدعوى التي تقدم بها الطرفان أمام القضاء العادي، لن تصل إلى نتيجة، لأن المواطن العادي لا يمكنه أن يتقدم بأي دعوى ضد رئيس أو وزير، فهذا الأمر يحتاج إلى خمس النواب لاتخاذ صفة الادعاء وثلثا النواب للموافقة في أي قضية من هذا النوع، وهذا ما لم يحصل في قضية الوزيرين حتى اليوم، وبالتالي فإن ما قام به منصور والمفكرة لا يعدو كونه خطوة توثيقية لا أكثر، لأن الطرفين يدركان جيداً أن القضية لن تصل إلى خواتيمها المرجوة".

 

القضاء العدلي يمكنه ملاحقة الوزيرين؟

 

من جهته، يؤكد الخبير القانوني المحامي زياد فرام على أهمية التمييز بين طبيعة العمل الإداري أو العمل المدني في القضية، وذلك لمعرفة الجهة المخولة بمحاسبة الوزيرين، ويوضح في هذا السياق أن مجلس شورى الدولة حدد شروطاً ثلاثة يجب توفرها ليكتسب العقد وصف العقد الإداري وهي أن تكون الإدارة طرفاً في العقد، أن يكون العقد موضوع تسيير مصلحة عامة، أن يتضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص، فإذا لم تتوفر هذه الشروط اعتبر العقد مدنياً وبالتالي هو من اختصاص القضاء العدلي (قرار الرقم 436 تاريخ 26/3/1964).

 

التمييز بين طبيعة العمل المدني أو الإداري

مهم لمعرفة الجهة المخولة بمحاسبة الوزيرين

 

ويشير فرام إلى أن موضوع العقد وصحته من عدمها ليس مطروحاً في قضية الوزيرين، فالعقد هو عقد إيجار عادي لا يتضمن شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص لذا لو كان الطرف المتعاقد "إدارة" أو تسيير مرفق عام فطبيعته حتماً مدنية، وهنا يعود فرام إلى المادة 66 من الدستور اللبناني التي تضمنت إشارة إلى تحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية". وتعليقاً على الانقسام في الرأي القانوني حيث التمسك بتطبيق نص المادة 70 من الدستور التي تنص على أن ملاحقة رئيس الوزراء والوزراء تتم أمام المجلس الأعلى المنصوص عليها في المادة 80 من الدستور "عند اخلالهم بالموجبات المترتبة عليهم". يلفت فرام الانتباه إلى أن هذه العقوبة تكون محض سياسية تأديبية فقط، كعزل الوزراء، خصوصاً أن المجلس الأعلى لا يملك حق تحديد العقوبة الجزائية كالسجن، بل لديه فقط صلاحية الاستنتاج أن المجرم لم يعد أهلاً لممارسة السلطة السياسية الموكلة إليه.

 

للمتابعة أيضاً:
بعد اوراسكوم.. هل تنال زين براءة ذمة في لبنان؟

 

ويضرب فرام على ذلك مثلاً ما حصل في العام 1999 في موضوع إخبار مقدم أمام النيابة العامة المالية بحق أحد الوزراء السابقين، حيث وافقت الهيئة الاتهامية في بيروت على جواز ملاحقة الوزراء أمام القضاء العادي، مؤكدة قانونية مذكرة التوقيف الوجاهية التي قطعها قاضي التحقيق في ملف هدر أموال عامة وصوابية الادعاء على الوزير المدعى عليه. فقد استند أصحاب هذا الرأي القانوني الى جواز ملاحقة الوزير امام القضاء العدلي كون المادة 70 من الدستور اللبناني لم تحصر الملاحقة بكل الجرائم التي يرتكبها الوزير بالمجلس النيابي، إذ نصت في فقرتها الاخيرة على: "يحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية"، وطالما لم يصدر مثل هذا القانون الخاص، تبقى ملاحقة الجرائم العادية الشخصية التي يرتكبها الوزير من صلاحية القضاء العادي العدلي.

ويشير فرام إلى أن هناك حالات عدة تصب في الإطار نفسه، ومنها ما كرسه الاجتهاد الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز في 27/10/2000 بالقرار الرقم 7/2000 الذي حفظ اختصاص القضاء العدلي لملاحقة الوزراء في الجرائم العادية. وهذا يعني أنه يجب النظر إلى طبيعة العمل الذي قام به الوزير، فطالما هو عمل مدني فإن ذلك يرتب ملاحقته بكل ما يتفرع عنه أمام القضاء العدلي، وهذا ما يجب اعتماده في قضية مبنى "تاتش"، فإلى أين تتجه القضية خصوصاً أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو مجلس هجين برأسين لا يمكنه الوصول إلى مكان بالتحقيق؟