بعد أوراسكوم.. هل تنال زين براءة ذمة في لبنان؟

  • 2020-10-08
  • 19:31

بعد أوراسكوم.. هل تنال زين براءة ذمة في لبنان؟

هل تكفي المخالصة المالية لإبراء ذمة الشركتين؟

  • إياد ديراني

استعر الجدل أخيراً في قطاع الاتصالات في لبنان بعد حصول أوراسكوم المصرية على براءة ذمة من "الدولة"، إثر تسليمها شركة الاتصالات التي كانت تشغلها (ألفا) بطلب من مجلس الوزراء اللبناني. وحصلت أوراسكوم على براءة الذمة خلال اجتماع الجمعية العمومية التي تتمثل فيها الدولة بوسيط يمتلك معظم الحصص، وللتوضيح، حصل خلال الاجتماع إبراء لذمة رئيس مجلس إدارة الشركة – المدير العام وأعضاء المجلس والشركة التي تولت تشغيل الشبكة عملاً بالعقد المبرم سنة 2012، عن أعمالهم ما بين العامين 2017 و2019.

وتتجه الأنظار إلى تاريخي 23 و 30 من الشهر الحالي موعد تسليم شركة زين الكويتية لشركة تاتش إلى الدولة، مقابل حصولها على براءة ذمة مماثلة للتي حصلت عليها أوراسكوم. واحتدم الجدل بين رأيين، الأول سلّط الضوء على مدى قانونية إبراء ذمة الشركتين، ومفاده أن من يعطي البراءة في هذه الحالة هو كمن "يقدم ما لا يملك إلى من لا يستحق"، لأن مجلس الوزراء هو الوحيد المخوّل بمنح براءة الذمة الكاملة، وأن الشركتين غير مؤهلتين لإبراء الذمة بسبب مخالفات وفساد وارتكابات مزعومة. أما الرأي الآخر فيؤكد أن براءة الذمة لا تعفي الشركتين من الملاحقة القانونية مستقبلاً في حال تم اكتشاف فساد أو ارتكابات، وأن من حق الجمعية العمومية إبراء ذمتهما، ويضيفون أن عملية التدقيق المالية التي أجريت وشملت الفترة الممتدة ما بين 2017 و2019 كافية لتسليم الشركتين براءة الذمة. 

 

قد يهمّك: 

هل يمكن رفع إيرادات الاتصالات إلى 4 مليارات دولار سنوياً في لبنان؟

 

أين المشكلة؟

 

يكشف مصدر لـ "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن براءة الذمة لا تُمنح سوى من مجلس الوزراء بعد توصية من وزير الاتصالات، وثمة سابقة في هذا المجال حصلت في أيام وزير الاتصالات الأسبق بطرس حرب، وأن العقد الموقع بين الدولة والشركتين لا يذكر كلمة براءة ذمة سوى في المجال المالي. وبمعنى آخر، فإن العقدين موقعان بين الجمهورية اللبنانية والشركتين، ودور وزير الاتصالات ينحصر في التدقيق والتأكد من قانونية الأوراق المقدمة خلال عملية التسليم والتأكد من عدم وجود نزاعات قانونية والتأكد من أصول الشركتين وموجوداتها خصوصاً عدد أعمدة الإرسال التي نُفّذت مشاريعها فعلاً، والتوجه إلى مجلس الوزراء صاحب الصفة الدستورية في منح براءات الذمة كونه يمثل الجمهورية اللبنانية. وتضيف المصادر أن براءة الذمة التي مُنحت إلى شركة أوراسكوم غير قانونية، والبراءة التي قد تُمنح نهاية الشهر الحالي إلى زين أيضاً غير قانونية لأسباب عدة، يمكن اختصارها في التالي: 

ثمة وقوعات وإشارات على شركة أم تي سي مسجّلة في وزارة العدل. أولاً هناك إشعار استحضار وتبليغ مصدره محكمة التجارة في بيروت يحمل الرقم 2009/83 مقدم من المدعية شركة أمن المستقبل ش.م.ل. بوجه المدعى عليها شركة موبايل انتريم كومباني الرقم 2 ش.م.ل. (أي شركة أم تي سي). كذلك هناك استحضار دعوى تحت الرقم 2010/242 ضد الشركة ذاتها والمدعي هو أنطوان جرجس عقيقي. الدعوى الثالثة مصدرها "إفلاس بيروت" ضد الشركة، وتحمل الرقم 2017/42 وطالب التبليغ هو الشركة اللبنانية للتعمير والانماء قصابيان أخوان. أما الموضوع الثالث فهو عبارة عن حجز احتياطي ضد الشركة مصدره دائرة تنفيذ بيروت يحمل الرقم 2017/512 وهو مقدم من جانب شركة Informa. 

كما إن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم ادعى على مديري ألفا وتاتش بجرم الهدر واختلاس أموال عامة وإثراء غير مشروع، وأحال الملف إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، كما ادعى القاضي إبراهيم يومها على وزراء الاتصالات السابقين نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجراح، وأحالهم على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. 

 

مخالفات بمفعول رجعي 

 

من جهة أخرى، تضيف المصادر أن المخالصة المالية المنفردة والمستندة إلى تقرير المُدقق لا تكفي لتبرئة ذمة شركة عن كل أعمالها، إذ إن المدقق ينحصر عمله في تدقيق الأرقام التي حصل عليها من الشركتين والتي تغطي السنوات ما بين 2017 و2019. فماذا لو تمّ اكتشاف سرقة أو فساد أو هدر لاحقاً؟ ويسأل: هل تكلّف أحد عناء الاطلاع على مخازن الشركة والموجودات والأصول؟ وهل قام أحد ما بتنفيذ جردة ومطابقة أرقام التدقيق مع الواقع؟ والخطير في موضوع التدقيق وبراءات الذمة هو عدم إدخال نتائج العام 2016 في عملية التدقيق لأنه ببساطة وبتوجيهات من الوزير الأسبق جمال الجراح تم إعطاء براءة ذمة عن تلك السنة بطريقة مخالفة للعقد وللقانون. 

وتسأل المصادر: هل يعلم داعمو فكرة منح براءة الذمة أن مجلس إدارة الشركتين لا يستطيع أن يطلب من الجمعية العمومية براءة ذمة؟ وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري وافق على اقتراح موقّع من عشرة نواب، يقضي بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية لمناقشة مخالفات دستورية وقانونية ومالية في قطاع النقال وصفها النواب في اقتراحهم بالـ "جسيمة"؟ وأن لجنة الاعلام والاتصالات النيابية أصدرت تقريراً وخلاصات بعد اطلاعها على أعمال الشركتين ما بين 2008 و2018 تفيد بوجود هدر للمال العام وفساد وفي أحسن الأحوال وجود "سوء إدارة"؟ 

 

قد يهمك أيضاً: 

انفجار بيروت يُدخل قطاع الاتصالات إلى العناية الفائقة

 

 

 

من وضع العربة أمام الحصان؟

 

نقطة إشكالية أخرى تُضاف إلى ما سبق تتمثّل في عدم حصول عملية تسلّم وتسليم مع أوراسكوم، وعدم تطبيق للمادة 31 من العقد والمتعلقة بالتسليم. وتختم المصادر أن الطعون ببراءات الذمة تحضّر حالياً وسيتم تقديمها في الوقت المناسب.  

أما المدافعون عن منح الشركتين براءات الذمة فيردون على المشككين ويؤكدون لـ "أوّلاً– الاقتصاد والأعمال"، أن كل عملية الاسترجاع طبيعية ومنطقية، وهي تحت سقف القانون. ويقولون إن "أوراسكوم" حصلت فقط على براءة ذمة محددة ومشروطة بالتأكد من تنفيذ عملية تسليم خاضعة للتدقيق، وأن أي عملية استلام من جانب الوزارة ستخضع للتدقيق وستبقى الشركة المشغّلة خاضعة للملاحقة القانونية في حال تبيّن وجود هدر أو فساد خلال عملية التدقيق والتأكد اللاحقة، ويجزمون أن براءة الذمة التي قد تنالها زين نهاية الشهر، ستبقى خاضعة للمعايير ذاتها التي تمّ اعتمادها مع أوراسكوم، لكن المأخذ الأساسي على أصحاب هذه المقاربة في عملية تسليم القطاع، هو أنهم يصرّون على المحاسبة اللاحقة أو المستقبلية، تماماً كمن يضع العربة أمام الحصان!   

 

ما هي براءة الذمة؟ 

 

وفي اتصال مع خبير قانوني، تمّ استيضاح مسألة براءة الذمة التي حصلت عليها أوراسكوم والتي تطالب بها أيضاً زين. يقول الخبير إن العقود تحدد الموجبات المترتبة بين الشركتين والدولة، وعندما تُتمّم الشركة واجباتها تجاه الدولة بحسب العقد الموقع، تستطيع طلب براءة ذمة، لكن بعد تسليم كل ما هو مطلوب استناداً إلى العقد الموقّع. ويمكن أن تتضمن الموجبات جوانب مالية وغير مالية، لكن إذا كانت براءة الذمة محددة، عندئذ تصبح متعلقة فقط بالبنود المدرجة فيها. ولهذا يضيف الخبير القانوني أن الموضوع كله يستند إلى العقد والموجبات المذكورة فيه ونوع براءة الذمة المطلوبة.

ولاستيضاح النقاط التي ذكرها الخبير القانوني والتأكد مما إذا كانت براءة الذمة شاملة أم محدّدة، تمّ الاطلاع على البنود المدرجة على جدول أعمال الجمعية العمومية لشركة ام تي سي المتوقع عقدها نهاية الشهر والعقد الموقع بين الدولة وكل شركة. ولاحظنا أولاً أن البند التالي مُدرج على جدول أعمال الجمعية العمومية: إبراء ذمة رئيس مجلس الإدارة - المدير العام وأعضاء المجلس والشركة التي تولت تشغيل الشبكة (زين) عملاً بالعقد المبرم بتاريخ 31/1/2012، عن أعمالهم خلال السنوات المالية 2017 و2018 و2019، وأيضاً حتى 30/10/2020، كما لاحظنا عدم وجود بند واضح في العقد الموقع بين الدولة والشركتين يشير إلى براءة الذمة ونطاقها. ويتسبب هذا الالتباس في العقد كما في صلاحيات الجمعية العمومية وضياع المسؤوليات والواجبات والحقوق بإضافة المزيد من الضبابية إلى تفسير معنى براءة الذمة التي حصلت عليها أوراسكوم والتي ستحصل عليها زين، في بلد باتت فيه الذمم مطاطة وواسعة جداً فيما الأخلاق والمسؤوليات الوطنية لا يعدو كونها مجرّد وجهة نظر.