صندوق النقد تائه في "التصحر" اللبناني

  • 2020-10-19
  • 11:23

صندوق النقد تائه في "التصحر" اللبناني

  • علي زين الدين

​   

بمعزل عن التساؤلات المشروعة في لبنان حول التناقض بين توافق أركان الدولة ومؤسساتها على انسياب مفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية مع "إسرائيل" وبين تنافرهم في مقاربة الملف الحكومي، يحق القول إن لبنان دخل غرفة "العناية الفائقة" مع تسارع وتيرة الانهيارات المالية والنقدية التي تسببت أساساً باندلاع "ثورة 17 أكتوبر" وتدشينها للتو عامها الثاني.

 

قد يهمك:
القطاع الزراعي في لبنان: لا قدرة على الانتاج ولا من يدعمون!

 

ففي مستجدات فصول المأساة اللبنانية، من دون إنذار مسبق، عمد صندوق النقد الدولي، ومن دون إنذار مسبق، إلى إغفال لبنان عن لائحة ترقباته المستقبلية لمسارات اقتصاده الوطني، مبيناً في تبريره "أن التوقعات للفترة الممتدّة ما بين العام 2021 و 2025 غير متوفرة نتيجة الضبابية حول الأوضاع الاقتصادية"، ورد ذلك في أحدث تقارير الصندوق (تقييم تشرين الأول/اكتوبر الدوري) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي سلكت طريقها إلى التعافي بتوقع نسبة نمو إيجابية تزيد على 3 في المئة العام المقبل.

ومن غير خفر في مشهد "سوريالي"، كاد اللبنانيون يفقدون "رمق" السيولة بالعملة الوطنية وتقييدها بشرائح لا تسد حتى "ضرورات" اشتراكات الكهرباء والمياه وانترنت الدراسة عن بعد وكلفة التحوط بالحد الادنى من التموين المنزلي ومازوت الشتاء "القحط" في زمن الوباء الخطير والقاتل، ذلك بعد ان أرغموا على التضحية بنسبة 80 في المئة من القيمة الشرائية لمداخيلهم ومدخراتهم بالليرة وعلى قبول "ذريعة " ندرة الدولار وتحويل مدخراتهم إلى "اللولار" بسعر صرف مقيد ومشروط يقل بنسبة 55 في المئة من السعر السائد في السوق الموازية.

 

إقرأ للكاتب نفسه:
ساعات لبنانية حاسمة بين انقاذ ممكن وبلاء داهم

 

ولبناء الشيء على مقتضاه، أعلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن الأموال المتاحة لدعم تمويل القمح والأدوية والمحروقات بسعر صرف 1515 ليرة ودعم تمويل لائحة السلع الغذائية والأساسية الواردة من وزارة الاقتصاد بسعر 3900 ليرة، آيلة الى النفاذ خلال شهرين أو ثلاثة، والنتيجة المرتقبة تلقائياً توسيع الحيز لنقل شرائح الطبقة المتوسطة بكاملها الى الفقر ودفع جماعة المداخيل الأدنى الى الفقر المدقع، ولا ضير أن يتموضع 70 في المئة على الأقل من جموع المقيمين في دوامة العوز هذا البلد المنكوب.

يرصد الصندوق، والذي ننشد مدده ولا نستجيب لطلبه في اعداد ملف مكتمل في تحديد الفجوات والمقاربات والمعالجات، ان الناتج المحلي سيتقلص بنسبة 25 في المئة هذا العام، مزخماً الانكماش الذي دشنه العام الماضي بنسبة 7 في المئة، هذا يعني ببساطة ان حجم الناتج سينحدر إلى نحو 38 مليار دولار او 39 مليار دولار في أفضل المقاربات.

وعند احتساب مبسط لقيمة الدين العام "المصرّح به" والبالغ 95 مليار دولار، سترتفع نسبة الدين إلى الناتج، بشكل صاروخي، لتتعدى 250 في المئة. أما في حال تصويب "الحسبة" لضم كامل الموجبات على الدولة لصالح الضمان الاجتماعي والمستشفيات والمقاولين ومتأخرات الفوائد المعلقة الدفع، ومن ثم اضافة الخسائر المادية لكارثة المرفأ، فقد يقفز الرقم المجمع إلى نحو 110 مليارات دولار وتحلق النسبة الى الناتج قريباً من 300 في المئة.

واذ يتعذر "برم" الزمن عكسياً والعودة تحديداً إلى مطلع شهر آذار/مارس الماضي، حين قررت حكومة الرئيس حسان دياب تعليق دفع سندات الدين الدولية فاستحقت الشرائح كافة بقيمة 32 مليار دولار، فإن البناء على النتائج الكارثية التي انتجتها الكيديات الداخلية، وبالأخص في مقاربة الشأنين المالي والنقدي، يوجب إطلاق النفير العام للحؤول دون "زوال" البلد، وهو اللفظ المخفف الذي ابتكرته الدبلوماسية الفرنسية عقب تعثر مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون الواعدة، والتي أثبتت المعطيات أنها الملاذ الأخير قبل استنفاذ الأنفاس الأخيرة للبلد وناسه واقتصاده.

قبل أيام قليلة، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا: الصندوق على أتمّ استعداد لمساعدة لبنان لكنه بحاجة إلى شريك داخل الحكومة اللبنانية والانقسامات في هذا البلد "تجره للأسفل".

وفي توصيف مهني ومحترف سابق، وجدت أنّ "لبنان في وضع اقتصادي صعب جداً ويحتاج للقيام بإصلاحات صعبة لتجاوز أزمته"، وناشدت اللبنانيين للعمل على وحدة الهدف "لنتخذ إجراءات إعادة التوازن للإقتصاد ونواصل انخراطنا مع الحكومة اللبنانية لكننا لم نتوصل بعد إلى اتفاق"، وأشارت إلى "أننا لم نحقق بعد أي تقدم في المفاوضات مع لبنان لكننا سنبقى ملتزمين معه".

للترسيم ضرورة في تمكين لبنان من "نبش" ثروات كامنة في مياهه الإقليمية، أما الإنقاذ فهو واجب ملح لجبّه الجوع الداهم وحفظ الناس وسلامتهم وكرامتهم.

حقيقة الأمر، سيدة الصندوق، ليس في لبنان صحراء، إنما هو رهينة يجري تخصيبها بالـ "تصحر" ...