ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل: كي يكون حبل نجاة لا مشنقة

  • 2020-10-05
  • 23:11

ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل: كي يكون حبل نجاة لا مشنقة

  • أحمد عياش

الأصداء الداخلية والعالمية للإعلان عن بدء المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة  تحت علم الامم المتحدة التقت عند نقطة واحدة: عسى أن يكون ترسيم الحدود البحرية بين البلديّن "العدوان"، وفق توصيف صحيفة نيويورك تايمز، فاتحة حل لأزمة لبنان المالية والاقتصادية والتي بلغت حداً غير مسبوق في تاريخ هذا البلد. فهل ستمضي هذه المفاوضات التي من المقرر أن تنطلق في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الحالي إلى غايتها التي ينشدها هذا الحل، أم تتعثر على طريق التفاصيل التي يكمن فيها أكثر من شيطان في لبنان والمنطقة والعالم؟

 

خبراء: أهم ما انطوى عليه الاتفاق على التفاوض

هو ضخ أجواء من الثقة في مستقبل الأوضاع على الحدود

 

يقول خبراء اقتصاديون إن أهم ما انطوى عليه إعلان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن التوصل إلى إطار للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبريّة بين لبنان وإسرائيل، هو ضخ أجواء من الثقة في مستقبل الأوضاع على تلك الحدود التي لم تعرف الاستقرار منذ العام 1948 عند نشوء دولة اسرائيل، وما زال لبنان منذ 72 عاماً تحت وطأة النزاع العربي-الإسرائيلي الذي وجد طريقه إلى الحل في العديد من اقطار المنطقة، إلا في لبنان الذي ما زال البلد الوحيد تقريباً (آخذاً في الاعتبار الجولان السوري المحتل) الذي ينتمي الى محور دول الطوق، أي الدول العربية المحيطة بإسرائيل، بعيداً عن مثل هذا الحل.

 

قد يهمك:

طائر الفينيق "الرقمي"

 

أهم ما في مفاوضات الترسيم المرتقبة هو الآمال المعقودة على إمكان لبنان الاستفادة من ثروته البحرية في المربع الرقم 9 حيث يوجد الغاز بكثافة والملاصق للمربع الإسرائيلي البحري 72. ويقدر الاحتياطي في المربعيّن بنحو 865 مليون برميل نفط، و96 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

 

من سيمثل الوفد الأميركي المشارك بالمفاوضات؟

 

الجانب الاميركي الذي سيشارك في المفاوضات سيمثله مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، وصف اتفاق الإطار المشترك بين حكومتي إسرائيل ولبنان للمناقشات البحرية بأنه تاريخي وسيسمح لكلا البلدين ببدء المناقشات التي لديها القدرة على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والأمن والازدهار للمواطنين اللبنانيين والإسرائيليين على حد سواء. ولفت النظر إلى أن "لبنان يعاني من أزمة مالية وسيستفيد بشكل كبير من استغلال موارده الطبيعية، ما قد يساعد على تخفيف بعض المشاكل المالية التي يواجهونها الآن. "وقال: "توفر هذه الاتفاقية أساساً لعقد مناقشات حول الحدود بين البلدين، ومن المأمول أن يتوصلوا إلى حل يمكّن الجانبين من الاستفادة من الموارد في منطقة النزاع هذه، والتي تبلغ مساحتها نحو 855 كيلومتراً مربعاً". 

 

عن النفط:

هل تغير نتائج الانتخابات الأميركية واقع قطاع الطاقة؟

 

وقبل شينكر، تابع هذا الملف من الأميركيين السفير فريدريك هوف منذ العام 2011 إلى العام 2013، ثم آموس هوكستاين من العام 2014 إلى العام 2016، ثم السفير ديفيد ساترفيلد من 2018 الى 2019 واخيراً مساعد وزير الخارجية الأميركية شينكر في العام الحالي.

أول نفحة تفاؤل بالمفاوضات المرتقبة أطلقها الرئيس بري خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده للإعلان عن إطار الاتفاق فقال: "اذا نجح الترسيم، هناك مخزون كبير في البلوك الرقم 8 والبلوك الرقم 9 ويساعدان في سداد ديننا إن شاء الله"، مشيراً إلى أن هناك وعداً بأن تبدأ شركة توتال الفرنسية أعمال التنقيب قبل نهاية العام.

تجدر الاشارة إلى أن الرئيس بري سلّم ملف التفاوض إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي "سيتولى المفاوضة وفقاً لأحكام المادة 52 من الدستور، بدءاً من تأليف الوفد اللبناني المفاوض ومواكبة مراحل التفاوض، آملاً من الطرف الأميركي أن يستمر في وساطته النزيهة" وفقاً للبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية.

 

آلية تشكيل الوفد اللبناني

 

وفق مصادر رئاسة الجمهورية، سيتم اعتماد آلية قائمة على تشكيل وفد من ضباط الجيش مع خبراء في القانون الدولي وفي قانون المياه والبحار دعماً للجانب العسكري في عملية التفاوض من النواحي القانونية والدولية والبحرية، وتعوّل المصادر على "البعد الاقتصادي لأي نتائج إيجابية يمكن أن تسفر عنها المفاوضات، مع الاشارة إلى أنّ النجاح يساهم في تأمين مناخ أمني ملائم للعمل في ظلّ اتفاق قائم بين شركات توتال الفرنسية وإيني الايطالية ونوفاتيك الروسية التي حصلت على الامتياز في البلوكين الرابع والتاسع".

وقال الوزير السابق زياد بارود في حديث لصحيفة "النهار" إن "أهمية الترسيم تكمن في أنه حاجة دولية من أجل بناء نتائج قانونية، باعتبار أنّ أي تلزيم لأي (بلوك) من الغاز لا يمكن أن يحصل في ظل اشتباك بالمعنى القانوني، لأن الشركات لا تدخل إلى مكان تشوبه علامات استفهام حول الحدود. وشجّع بارود على "تفعيل صندوق سيادي بالنسبة الى النفط والغاز مع إقرار قانون جيّد يساهم في ضبط عملية الفساد التي تحصل في الحقل العام".

 

.. وماذا عن الجانب الإسرائيلي؟

 

على الجانب الاسرائيلي، أبدى وزير الطاقة يوفال شتاينتس تفاؤلاً حيال انطلاق المفاوضات لـ "المرة الأولى"، لكن معلومات صحفية نقلت عن مصادر سياسية في تل أبيب، قولها "إن احتمالات اللقاء بين الدولتين هي بنسبة 50  في المئة، حيث سبق أن اتفق البلدان على مفاوضات كهذه في شهر أيار/مايو 2019"، ولفتت النظر إلى "أن الخلاف يتركز في منطقة صغيرة جداً نسبياً لا تزيد على 850 كيلومتراً مربعاً في المياه الاقتصادية، تشكل 2 في المئة من مساحة المياه الاقتصادية الإسرائيلية، و3 في المئة من المياه الاقتصادية اللبنانية، وخلصت إلى القول إنه في المفاوضات غير المباشرة التي جرت بين إسرائيل ولبنان  في سنة 2012 "وافقت إسرائيل على الاكتفاء بـ 42 في المئة من المنطقة المتنازع عليها، مقابل 58 في المئة للبنان. وتعتقد إسرائيل أن إقامة آبار غاز في المياه الاقتصادية اللبنانية "ستخفض من أخطار تنفيذ عمليات عسكرية ضد الآبار الإسرائيلية في المنطقة".

في موازاة كل هذه المعطيات، يتفق الخبراء على أن مسار المفاوضات المرتقبة سيمر بمراحل قد تطول أو تقصر بحسب الإرادة السياسية التي تقف وراء هذه العملية، وفي اعتقادهم أن ما تحقق حتى الآن هو" حبل نجاة ألقي نحو لبنان الغارق في أزماته ولن تفلح أي محاولة لتصوير هذا الحبل بأنه "حبل مشنقة" إذا ما جرى مقاربة الأمر من زاوية الأحكام المسبقة التي عانى منها هذا البلد أسوأ النتائج على مدى عقود خلت. فهل تمضي المفاوضات المرتقبة لالتقاط "حبل النجاة "هذا؟