السعودية وتحديات العمل بقانون الإفلاس الحديث

  • 2020-09-30
  • 11:38

السعودية وتحديات العمل بقانون الإفلاس الحديث

  • رشيد حسن

يعتبر وجود قانون إفلاس عملي وفعال أمراً في غاية الأهمية في تقييم الشركات العالمية والمستثمرين لبيئة الأعمال في أي بلد. وحقيقة الأمر أن وجود قانون إفلاس حديث وتعامل مستقر به من المحاكم السعودية لا يزال يمثل التحدي الأهم لتأسيس وإدارة الأعمال في المملكة، وحتى العام 2018 لم يكن للسعودية قانون إفلاس، بل كانت هناك مجموعة قرارات وقوانين تتعلق بتصفية المؤسسات المعسرة، وكان إعلان الإفلاس أمراً صعباً ولم تكن هناك حماية من الإفلاس ولا أحكاماً واضحة لعقد صلح وقائي بين المدين والدائنين أو تنفيذ تصفية قضائية أو غيرها من الأدوات المهمة لحماية حقوق الدائنين وتسريع معالجة ملفات المؤسسة المعسرة والمتوقفة عن الدفع.

 

عن الراحل أمير الكويت:

أمير الوئام العربي

 


بعد سنوات من الإعداد تمّ في العام 2018 إقرار قانون للإفلاس، وصدر أمر ملكي بجعله نافذاً في النصف الثاني من ذلك العام، ليبدأ العمل به في العام 2019 وتأثر القانون السعودي بقوانين مماثلة متقدمة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وسنغافورة وغيرها.

واستعداداً لتنفيذ القانون كانت المملكة قد قامت بتدريب عدد كبير من قضاة المحاكم التجارية من خلال دورات متخصصة وورش عمل بحيث يكونون جاهزين للحكم في القضايا التي تعرض على المحاكم.

وكان الهدف الأهم لقانون الإفلاس هو وضع مبادئ لحل النزاع بين الدائنين والمدينين في حالات الإعسار، بما في ذلك تصنيف حقوق الدائنين وحماية المدين من الإفلاس وتوفير خيار تمويل المؤسسة المتوقفة عن الدفع وكذلك خيارات واضحة للمؤسسة المعسرة مثل إعادة الهيكلة والصلح الوقائي والتصفية القضائية عبر وكيل للتفليسة والتصفية القانونية من خلال حارس قضائي تعينه الدولة وغيرها من الإجراءات.

 

جهود حكومية كبيرة

 


ومن اللافت للإنتباه فعلاً حجم الجهود التي وظفتها المملكة العربية السعودية في مجال إعداد مجتمع الأعمال السعودي والمحاكم والمحامين والقانونيين وجميع المعنيين بقضايا الإعسار وتسوية النزاعات الناجمة عنها بهدف تمهيد الأرضية القانونية والمهنية للتعامل بالقانون الجديد،  وبصورة خاصة فقد عملت وزارة التجارة السعودية ووزارة العدل على تنظيم ورش عمل في الرياض وفي نيويورك وسنغافورة، بالتعاون مع الجمعية الدولية لإعادة هيكلة الشركات وجمعية خبراء الإفلاسات وحالات الإعسار وغيرها من الهيئات المتخصصة، وتمّ وضع شروحات تفصيلية للدور الذي تلعبه المحاكم في معالجة هذه الملفات وتسويتها. وتشرف لجنة الإفلاسات في المملكة على موقع إنترنت (بالعربية والإنكليزية) تعرض فيه لكافة الوثائق ومقررات التدريب، وتتواصل مع نحو 400 متابع. وكانت لجنة الإفلاسات نظمت خلال العام الماضي في العاصمة الرياض "المؤتمر الأول لتسوية حالات الإعسار" حضره نحو 800 مشارك. وبصورة عامة تعطي المملكة أولوية أساسية للمضي في جهود تدريب الجهات المعنية كافة بأحكام قانون الإفلاس الجديد بهدف التوصل إلى جعل هذا القانون المرجعية الشاملة لحماية حقوق الدائنين والمدينين، وبالتالي رفع عقبة أساسية أمام استكمال بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب.

 

 

 

من الكويت:

غياب أمير الكويت: إنجازات تروي مسيرته الوطنية والعربية والدولية

 

 

ما هو المعيار الأهم لمعرفة مدى نفاذ قانون الإفلاس؟


ولأن المعيار الأهم لمعرفة مدى نفاذ قانون الإفلاس هو مدى الأخذ به من قبل مجتمع الأعمال والمحامين ونجاحه في توفير الحلول المنشودة لحالات الإعسار في المملكة، فقد بدأت المحاكم التجارية السعودية في العام 2019 النظر في عدد ملفات الإعسار لشركات صغيرة أو متوسطة مثل الشركة السعودية الهندية للتأمين (وفا)، ووافقت المحكمة في هذه الحال على خطة حظيت بموافقة مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) لإعادة هيكلة الشركة وإعادة تكوين رأس المال، وعللت المحكمة قرارها بأن "أحد أهداف قانون الإفلاس، هو السماح للمدين بالإفادة من إجراءات الإفلاس لتسوية وضعه المالي ومتابعة نشاطه في المساهمة في تنمية الاقتصاد. وبناءً على ذلك، أصدرت المحكمة قراراً بوقف تصفية الشركة وأعطت للمدين مهلة 150 يوماً لتقديم خطة لإعادة الهيكلة وعينت خبيراً مالياً مستقلاً للإشراف على إعادة الهيكلة وحددت مهلة للدائنين للتصريح عن الديون المستحقة لهم، وبالنتيجة وحسب المحكمة، فإن هذا الحل ساهم في إيجاد حل لإعسار الشركة وفي الحفاظ عليها وعلى العاملين الذين بقوا في وظائفهم. وفي صيف العام الماضي نظرت محكمة تجارة في حالة إفلاس شركة للمطاعم تبين أنها خسرت معظم أصولها الثابتة والنقدية وتواجه ديوناً بنحو 4.8 ملايين دولار، وفي هذه الحال حكمت المحكمة بالتصفية الإدارية للشركة وكلفت لجنة الإفلاسات القيام بذلك، أي أنها لم تجد جدوى في أو موارد للسماح بإعادة هيكلة الشركة.

كما واجه القضاء التجاري السعودي في العام الماضي اختباراً مهماً في ملف إفلاس مجموعة أحمد حمد القصيبي، إذ رفضت المحكمة بداية قبول طلب المجموعة عقد صلح وقائي، ثم قبلت بعد ذلك إتاحة المجال لإعادة هيكلة مالية للمجموعة، وأسفرت الجهود المستمرة للمحكمة ولوكلاء التفليسة ولجنة الدائنين فضلاً عن الجهتين الدائنتين الأساسيتين (وهما مجموعة القصيبي ومجموعة سعد) عن مشروع تسوية أولي لاقى القبول من أكثرية ثلثي الدائنين.

وبصورة عامة، فإن المملكة دخلت بجدية مرحلة التعامل بقانون الإفلاس الحديث، ويتوقع أن تزداد فعالية تطبيقه مع زيادة تمرس ومعرفة الجهاز القضائي والمحاكم والمحامين وقطاع الأعمال به، كما إن تراكم مئات الاجتهادات والحالات التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من القاعدة المعرفية للنظام القضائي ولسجل الأحكام والسوابق القانونية، سيساعد على أن يصبح القانون ركناً أساسياً في بيئة الأعمال السعودية والتي أظهرت تقدماً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة وفق ترتيب البنك الدولي لممارسة الاعمال.