دول الخليج تحفّز اقتصاداتها بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة

  • 2020-09-18
  • 07:20

دول الخليج تحفّز اقتصاداتها بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة

الجائحة وانخفاض أسعار النفط يؤكدان أهمية التنويع الاقتصادي والتخلي عن الاستثمار في المشاريع الضخمة

  • حنين سلّوم


أرخت الآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية لجائحة كورونا بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط بثقلها على المشهد الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي بات يتعين عليها أن تواجه صدمة مزدوجة لم تشهد لها نظيراً في تاريخها. ولعل أبرز الخطوات التي لجأت إليها في إطار مواجهتها للظروف الحالية، هي تخصيص حزم تحفيزية لمساعدة المؤسسات والأفراد على تجاوز المرحلة، وعليه احتواء الأضرار، علماً أن هذه الحزم تزامنت مع إجراءات تم اتخاذها على مستوى الحكومات بشكل قرارات تسهيلية، وأخرى اعتمدتها المصارف المركزية في هذه الدول لضبط السوق المالية والنقدية، وأدت هذه الإجراءات مجتمعة إلى تقليل حجم الخسائر وتخفيف المخاطر على الشركات بدرجة كبيرة.

وإذا كانت الحزم التحفيزية قد أدت دورها بشكل عام، فإن الاتجاه هو حالياً نحو تعزيز هذه الدول لبرامجها المتعلقة في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي كانت قد بداتها في مرحلة ما قبل كورونا ولا تزال مستمرة حتى يومنا الحالي، وذلك نظراً إلى إدراك هذه الدول لأهمية هذا النوع من الشركات ودوره في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني.

 

أهمية الشركات الصغيرة والمتوسطّة للإقتصاد

 

تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة دوراً أساسياً في معظم الاقتصادات خصوصاً في البلدان النامية، فهي تمثل غالبية الأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم كما تساهم بشكل مهم في خلق فرص العمل والتنمية الاقتصادية العالمية. وبحسب أحدث تقارير البنك الدولي، فإن هذه الشركات تشكّل نحو 90 في المئة من الشركات وتوظف نحو 50 من العمالة حول العالم وهي تساهم بنسبة 40 في المئة من الدخل القومي في الاقتصادات الناشئة. ويشير التقرير نفسه، إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى خلق 600 مليون وظيفة في حلول العام 2030 لاستيعاب القوى العاملة المتنامية وهو ما يجعل تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة أولوية للعديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم.

في الأسواق الناشئة، يتم خلق معظم الوظائف من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تؤمن 7 من أصل 10 وظائف وفقاً لتقديرات مؤسسة التمويل الدولية، وبالتالي فإن لهذه الشركات دوراً في مكافحة البطالة، والتي تتراوح نسبتها ما بين 21 إلى 25 في المئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غير إنه، وعلى الرغم من هذا الدور، فإن هذه الشركات تعاني من مشكلة رئيسية تتمثل في عقبة الحصول على التمويل لتنمية أعمالها، وذلك مقارنة بالشركات الكبيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على قروض مصرفية تكاد تكون ضئيلة، لذا هي تعتمد على الأموال الداخلية والأموال النقدية من العائلة والأصدقاء لإطلاق المشاريع وإدارتها في بداياتها، علماً أن معظم هذه الشركات حظي بدعم الحكومات الخليجية.

وتقدر مؤسسة التمويل الدولية (IFC) أيضاً أن 65 مليون شركة أي 40 في المئة من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) في البلدان النامية لديها احتياجات تمويل غير مستوفية بقيمة 5.2 تريليونات دولار كل سنة، وهذا الأمر يشير بوضوح إلى حاجة هذه الشركات إلى التمويل، وهذا أمر أدركت أهميته الدول الخليجية التي ضمنت العديد من برامجها التنموية بنوداً خاصة بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، كذلك فهي لحظت في حزمها التحفيزية مسألة تنمية هذه الشركات، في سبيل تحقيق أهدافها الرامية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال إيجاد فرص عمل جديدة قد تؤمنها الشركات المذكورة لفئة الشباب تحديداً.


ضرورة ابتكار خطوات جديدة لتحفيز الاقتصاد

 

وبالعودة إلى موضوع انخفاض أسعار النفط، فإن لهذا الأمر ارتباطاً وثيقاً بتحديد الميزانيات العامة لدول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً النفطية منها، وعلى هذا الأساس تمكنت هذه الدول خلال السنوات الماضية من مواكبة التطورات على صعيد الإنتاج والأسعار، وبدا ذلك جلياً من خلال التقدم الذي أحرزته لجهة تعديل ميزانياتها لتتماشى مع انخفاض الأسعار. وكان من أبرز الخطوات التي اتخذتها بعض دول الخليج في هذا الإطار، خفض النفقات العامة والاتجاه نحو التنويع الاقتصادي لتنويع مصادر الدخل والإيرادات، وهذا يعني الاتجاه إلى القطاعات الاقتصادية غير النفطية، الأمر الذي يفيد الشركات على اختلافها وبينها الصغيرة والمتوسطة.

وفي المحصلة، فإنه يمكن القول إن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا والتي أدت إلى شلل في قطاعات اقتصادية عدة في الدول الخليجي، بالإضافة إلى الأسعار المنخفضة للنفط تؤكد صوابية اتجاه بعض الدول الخليجية إلى تنويع اقتصادها من خلال الاستثمار في القطاعات المنتجة غير النفطية، كما تؤكد أيضاً أهمية تنويع الاستثمارات بحيث لا تتركز في الشركات الكبيرة، بل في الصغيرة والمتوسطة أيضاً، وهذا ما يشير إليه مدير الأبحاث في Brookings Doha Center نادر قباني بالقول إنه على دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ بالتخلي عن المشاريع الضخمة التي من المرجح أن تصبح عديمة القيمة، تستنزف الموارد أكثر مما تدفع نمو القطاع الخاص الحقيقي وتولد الإيرادات، مشيراً إلى أنه بدلاً من هذه المشاريع، يجب أن تسمح الدول للشركات الصغيرة والمتوسطة بالنمو لتصبح قادرة على المنافسة عالمياً، كما عليها تقديم أدوات جديدة للموازنة تسمح لها بتوجيه الموارد وتحفيز التمويل لتلك القطاعات التي لديها أكبر إمكانية للمساهمة في التنمية الاقتصادية الطويلة الأجل والتنويع.