لبنان: ضرورات " الدولة " تطيح بمحظورات الحاكم

  • 2020-08-27
  • 14:00

لبنان: ضرورات " الدولة " تطيح بمحظورات الحاكم

  • علي زين الدين

ليس تذاكياً ترقب محطات جديدة ضمن مسار "الأسوأ" الذي يحيق ببلد تتكفل إدارته باستيلاد الأزمات المتنوعة من لدن آلام الناس واستعصاء مشكلات الاقتصاد، الأمر سواء ان قصد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قلب الطاولة، بعد طول أناة، سببت له التموضع في "قفص الاتهام" وتلقي النقد الجارح واللوم حتى من المقربين منه، فوضع أولى نقاط شح احتياط العملات الصعبة لدى مصرف لبنان على الحروف المبهمة لتمادي الدولة في الاتكال الانفاقي على الرمق المحدود وتوسيع قنوات الدولار المدعوم، أو ربما اعتقد ان صافرة الإنذار الطويلة والعالية الصوت يمكن أن توقظ المبادرات المتوخاة لإعادة الاعتبار لوجود للدولة التائهة وانتظام مؤسساتها. 

 

إقرأ:

يد الخليج تمتد بعد الإغاثة لإعادة إعمار "هيروشيما" لبنان

 

فالحاكم "المحكوم" طوعاً أو قانونياً بالاستجابة لشهية الدولة على الانفاق والابقاء على تمويل السلع الاستراتيجية بدولار الـ 1500 ليرة، يحمل في جيبه مطالعة سابقة لحكومة تصريف الاعمال القائمة زاخرة بـ "أدلة" الادانة لعدم اقدامه على منع استسهال الحكومات السابقة الصرف من أمواله واحتياطاته والتكفل بتغطية عجوزات المالية العامة. ولن يكون مفاجئاً أن تستنسخ الحكومة المقبلة المضبطة عينها فتمطره بقرائن مستجدة تظهر التماهي مع تلبية الاحتياجات المالية للسلطة التنفيذية مجتمعة الأركان وطرداً لحكومة حسان دياب.

 

إقرأ أيضاً:

انفجار بيروت يدق المسمار الأخير في نعش شركات استيراد السيارات؟

 

هل تأخر سلامة بالإفصاح؟

 

في تقدير مصرفيين وخبراء أن "الكلام المباح" فقد أهمية عامل التوقيت وتأثيره في تقويم الاعوجاج كهدف منشود. فما كان صادماً عند اكتشاف "الفجوة" قبل سنوات وتغطية سماواتها بـ "قبوات" شراء الوقت، صار حدثاً عادياً بعد ضم نصف اللبنانيين الى خط الفقر وانفراط قطاعات الاقتصاد وتشتت عمالته بمئات الآلاف بين خطي البطالة والعوز، وما من أمل أن تسمع المزامير من به صمم، طالما لم يطرق آذانهم دوي انفجار المرفأ الذي بلغ مداه مسامع أهل الجزيرة القبرصية.

في ما خص استمرار مصرف لبنان في تقديم دعم للوقود والأدوية والقمح إلا لمدة ثلاثة أشهر، يؤكَّد سلامة أنه "يبذل قصارى جهده في هذا الموضوع، لكنه لا يستطيع استخدام متطلبات احتياطي المصارف لتمويل التجارة. بمجرد وصولنا إلى عتبة هذه الاحتياطات، نضطر إلى وقف الدعم، لكننا في صدد إنشاء وسائل تمويل أخرى، سواء من خلال البنوك أو من خلال صندوق أنشأناه في الخارج (أوكسيجين)".

ويبرر"البنك المركزي إقراض الدولة بموجب التزام قانوني. في الواقع، تلزم المادة 91 من قانون النقد والتسليف، البنك المركزي بتمويل الحكومة عندما تطلب ذلك. في الموازنات التي صوتت عليها البرلمانات في 2018 أيضاً، طُلب منا إقراض 6 مليارات دولار بالليرة اللبنانية بفائدة أقل بنسبة 1 في المئة من معدلات الفائدة الحالية. في العام 2019، سُنّ قانون آخر يطالب مصرف لبنان بإقراض 3.5 مليارات دولار بالليرة اللبنانية أيضاً وبنسبة فائدة 1 في المئة. أما بالنسبة إلى ميزانية 2020، فقد طالبنا القانون بسداد الفوائد التي نجمعها على المحفظة التي لدينا مع الدولة، وكذلك سداد تريليون ليرة لبنانية، أي 3 مليارات دولار. ليس عدلاً القول إن البنك المركزي وحاكمه رسما حياة ورديّة للبنانيين. أتساءل عما إذا كانت هناك بعض النوايا السيّئة وراء هذه الصورة التي يحاولون التمسك بها".

للعلم، وبمعزل عن موجة الهلع التي تدب في نفوس المواطنين المكتوين، هذه التبريرات لم تقنع بتاتاً أهل السلطة، بل هم وسعوا دائرة الاتهام بطلب "التدقيق الجنائي"، ومن الصعب توقع تحول نوعي في الفهم والتفاهم مع الحكومة العتيدة أياً تكن تركيبتها. فما يقتنع به الناس ومنهم أهل القطاع المالي بأن "ما كتب قد كتب"، ولن يكون متعذراً على "الدولة" إلزام الحاكم تكراراً بالصرف، فعندما يمنع القانون يتم تعديله، وعندما يتمنع "صانع القرار" يتم الزامه، والذريعة الجاهزة في كل حين: "الضرورات تبيح المحظورات".