تمور السعودية: التحول إلى أكبر مُصدّر في العالم

  • 2020-08-04
  • 17:49

تمور السعودية: التحول إلى أكبر مُصدّر في العالم

  • كريستي قهوجي

تسير المملكة العربية السعودية وفق رؤية واضحة لمأسسة قطاع النخيل والتمور وتوفير البنية التحتية المتكاملة والحاضنة له بما يعزز جودة المنتجات. وتعوّل المملكة على مكانتها المميزة في إنتاج التمور لتحقيق أهداف عدة في آن معاً، فضمن طموحاتها بالتحوّل إلى أكبر مصدر للتمور في العالم ووفق "رؤية 2030"، تسعى أيضاً إلى تعزيز مساهمة القطاع في تطوير الصناعات التحويلية وتنمية الصادرات الصناعية غير النفطية في آن معاً، بما يصبّ في صالح أهداف تنويع مصادر الدخل.

في المقابل، يعوّل المعنيون من شركات خاصة ومزارعين على اتخاذ المزيد من الخطوات التي تفتح آفاقاً أوسع أمام التمور السعودية ولاسيما باتجاه الأسواق الأوروبية، وهو ما يتجلى في الدعوة لتأسيس بورصة عالمية للتمور تتبنى المواصفات القياسية. فكيف تسعى المؤسسة إلى تحقيق طموحاتها لتطوير قطاع التمور؟

 

السعودية تستحوذ على 17 في المئة من الانتاج العالمي للتمور

 

تحتل السعودية المرتبة الثانية في قائمة الدول المصدّرة للتمور، وهي تستحوذ على نحو 17 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي وفقاً لأحدث التقارير، ويبلغ إنتاجها نحو 1.539 مليون طن، في حين تقدر صادراتها بنحو 184 ألف طن وتبلغ قيمتها 860 مليون ريال (أي ما يساوي 230.6 مليون دولار)، وتسعى المملكة إلى تعزيز موقعها التنافسي عبر استراتيجية واضحة المعالم تركز على البعد المؤسسي وإطلاق المراكز المتخصصة إلى جانب تبني المعايير والمواصفات القياسية وإطلاق علامات الجودة الخاصة بها.

 

 

 المأسسة ركيزة استراتيجية 

 

ويشكّل الاستمرار في إطلاق المؤسسات المتخصصة والحاضنة لقطاع النخيل والتمور إلى جانب توفير البنية التحتية المتكاملة، أحد أبرز معالم الرؤية السعودية لتطوير صناعة التمور والارتقاء بها. وقد بدأت المملكة في تنفيذ هذه الاستراتيجية منذ العام 2011، مع صدور الأمر الملكي بتأسيس المركز الوطني للنخيل والتمور في خطوة اعتبرت من الأهم على طريق مأسسة القطاع، سواء من خلال إطلاق جهاز مستقل يشرف على القطاع ويعمل على تطويره ويشكل في الوقت نفسه جهة مرجعية للمزارعين. وساهم إطلاق هذا المركز كجهة متخصصة في دعم جهود وزارة البيئة والمياه والزراعة للارتقاء بمستوى إنتاج التمور وصناعته وتسويقه عبر تسهيل إجراءات التصدير وفتح المنافذ واستثمار الفرص الطبيعية المتوافرة.  

ويبدو أن خطط تطوير القطاع مستمرة أيضاً على مستوى توفير البنية التحتية، وهو ما تجلى في توجه وزارة البيئة والمياه والزراعة لطرح مشروع إنشاء مدينة عالمية للتمور توفر خدمات متكاملة في المدينة المنورة، داعية القطاع الخاص للتقدم بالمنافسة على تطوير المشروع الهادف لجعل المدينة المقترحة وجهة رئيسية للتجارة والتصنيع والتصدير. وفي سياق توفير البنية التحتية للنخيل والتمور في المدينة المنورة على وجه التحديد، أطلق أمير المنطقة الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مشروع مركز خدمات التمور في المدينة، والهادف إلى توفير الخدمات الزراعية واللوجيستية والتسويقية لما قبل وبعد حصاد التمور.

 

إقرأ: 

السعودية: انطلاق "أسبوع ريادة الأعمال" ضمن "موسم عنيزة للتمور"

 

كما تمّ تأسيس "المجلس الدولي للتمور" الذي تترأسه المملكة، ويهتم بالنطاق الدولي للقطاع  ويهدف الى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتطوير قطاع التمور وتطوير إنتاج وجودة التمور ورفع مستوى الدخل والمعيشة للعاملين في مجال التمور وتطوير التجارة الدولية للتمور. ويتألف المجلس من بلدان عدة منتجة للتمور من أبرزها الأردن، مصر، البحرين، تونس، سلطنة عمان وغيرها.

وبذلك، تلتحق هذه المشاريع بمشروع مدينة الملك عبد الله للتمور الجديدة الذي جرى تطويره قبل سنوات في منطقة العقير في محافظة الإحساء، التي تستحوذ على نحو 22 في المئة من إجمالي التمور المنتجة في السعودية.

 

تكريس المعايير والمواصفات

 

غير إن الأهم في الرؤية السعودية لتطوير قطاع النخيل والتمور، يتعدى مجرد الحديث عن إطلاق مراكز ومؤسسات متخصصة إلى تكريس المعيار والمواصفات القياسية الخاصة بالإنتاج، وذلك عن طريق الارتقاء بهذه الصناعة، وهو ما تجلّى في التعاون الحاصل بين وزارة البيئة والمياه والزراعة لإطلاق المواصفات القياسية الاسترشادية للتمور السعودية، وتضم 18 صنفاً وفق 3 مستويات من التصنيف. وفي السياق نفسه، جرى إطلاق علامة التمور السعودية من قبل المركز الوطني للنخيل والتمور.

 

 

 

مسرعات أعمال

 

كذلك، اقتبست الرؤية السعودية تجربة حاضنات الأعمال في مجالات التقنية والابتكار لتعممها عبر إطلاق مسرعات أعمال للتمور في 3 مناطق مختلفة تحتضن كل واحدة منها 10 شركات، وذلك عبر الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت). وضمّت الشريحة الأولى نحو 30 شركة متخصصة في زراعة النخيل، وتوفر هذه المسرعات للشركات دعماً فنياً متصلاً برفع كفاءة فرق العمل لديها وتطوير الهيكل التنظيمي الخاص بها وخطط التسويق والمبيعات والإدارة المالية، وإيصالهم بمصادر البيانات، بما يساهم في رفع مستوى هذه الشركات.     

 

 إقرأ أيضاً: 

انطلاق سوق التمور في مدينة السيح السعودية 

 

التكنولوجيا لتعزيز الكفاءة

 

إلى ذلك، أخذ المركز الوطني للنخيل والتمور على عاتقه إطلاق مبادرات داخلية عدة من خلال البوابة الوطنية لقطاع النخيل والتمور عبر استخدام التكنولوجيا وإطلاق منصات الكترونية متخصصة لتعزيز كفاءة الخدمات والتأسيس لحلقة اقتصادية متكاملة بين الجهات المعنية تبدأ من المزارع والمنتج مروراً بمزودي الخدمات والتجار ووصولاً إلى إدارة المخازن والعمل على تسويق المنتجات الكترونياً، وتشمل نظام الشحن والتخليص الجمركي عبر منصة إلكترونية تجمع مزوّدي خدمات النقل التخليص الجمركي. 

 


بورصة عالمية للتمور: توسيع أكبر لدور القطاع الخاص 

 

خطوات إضافية مطلوبة

 

تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لصندوق التنمية الزراعية، فإن مصانع التمور لم تكن تشكل حتى أعوام قليلة ماضية أكثر من 6 في المئة من إجمالي عدد المصانع الغذائية، ما يعني أن خطط السعودية لتطوير القطاع تقف أمام آفاق واسعة للتطور والنمو، ولاسيما إذا ما جرى اتخاذ المزيد من الخطوات الهادفة لتوسع مشاركة القطاع. وقد أشار صندوق التنمية الزراعي في أبحاث سابقة له أن تعزيز مشاركة الشركات الخاصة يفترض أن يشمل دعم البحوث العلمية بما يساهم في إيجاد حلول للتحديات الكامنة في تصنيع منتجات التمور التحويلية والارتقاء بمستوى الإنتاج بما يعزز تنافسيتها في الأسواق العالمية.

من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن السعودية تعدّ ثاني أكبر مصدر للتمور في العالم، إلا أن خريطة صادرات الدول العربية بما فيها السعودية يظهر أن الأسواق الآسيوية تشكل مصدراً رئيسياً للتصريف، غير إن هذه الحقيقة تقابلها أخرى متمثلة بأن الأسواق الأوروبية تشكل مكمن العوائد النقدية الحقيقية من عمليات البيع، بما أن الأسواق الأوروبية توفر عوائد أعلى لتجارة التمور من نظيرتها الآسيوية. هذا التباين الفني يدفع المهتمين إلى المطالبة المستمرة ودعوة المملكة للاستفادة من موقعها في هذه الصناعة، لتأسيس بورصة عالمية للتمور يجري من خلالها قيد أسماء الأصناف السعودية وتأخذ في الاعتبار قواعد المؤشرات الجغرافية للوقوف على الجودة والمواصفات القياسية المطلوبة بما يمكنها من كسب المزيد من الأسواق ولاسيما الأوروبية.

 

كورونا حادث عرضي

 

مما لا شك فيه أن موسم إنتاج التمور خلال العام الحالي تأثر بتفشي فيروس كورونا المستجد حول العالم، ما أثر على الطلب كما حصل في أي قطاعات أخرى، غير إن المؤشرات الخاصة بالقطاع، تعيد التأكيد على قدرة المملكة على المحافظة على موقعها في صناعة وإنتاج التمور، والسير قدماً في خططها على مستوى القطاع، مع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة التعافي من التداعيات الحاصلة.